في الآونة الأخيرة، باتت الهجرة أحد المكونات المهمة في العلاقات الدبلوماسية الثنائية والمتعددة الأطراف، وتشابكت مع العديد من الموضوعات المشتركة مثل إبرام الاتفاقات الحكومية الدولية (التي تهدف إلى الحد منها أوالتشجيع عليها)، وتدفق موجات الهجرة، والمعاملة التفضيلية لبعض الرعايا الأجانب، ووضع قوانين مؤقتة لليد العاملة المهاجرة، وما إلى ذلك. ومع ذلك، فإن مصطلح "دبلوماسية الهجرة" يتجاوز الاتفاقات بين الدول ليشمل الأدوات الدبلوماسية التي تستخدمها بعض الدول لجني مكاسب من دول أخرى، وبات يتعلق بكيفية ارتباط تدفق السكان عبر الحدود بالأهداف الدبلوماسية للدول على نحوٍ يمكنها من الاستفادة من موقعها الجغرافي في عملية الهجرة. وفي هذا الصدد، تُعرف الدول التي تخرج منها موجات الهجرة بأنها "الدول المصدرة للهجرة" والدول المستقبلة لها بأنها "دول المقصد"، بينما تُعرف الدول التي تمر عبرها موجات الهجرة بأنها "بلدان العبور". وعادةً ما تكون البلدان المصدرة للهجرة من البلدان النامية التي يميل الناس للهجرة منها نتيجةً لعددٍ لا يُحصى من "العوامل الدافعة" مثل تردي الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وحتى تغير المناخ، وتُسمى الدبلوماسية التي تنشأ عن هذه الحالة باسم "دبلوماسية الهجرة"، كما أن بلدان المقصد هي تلك البلدان المتقدمة التي يستهدفها المهاجرون الراغبون في إيجاد ظروف معيشية أفضل؛ ومن ثم، تنشأ “دبلوماسية الهجرة.” وتُعتبر بلدان العبور بمثابة "حل وسط مؤقت" لأولئك الذين يفرون من بلدانهم الأصلية بهدف الوصول إلى بلدانٍ أخرى. ومع ذلك، قد يضطر بعض المهاجرين للاستقرار مؤقتًا في "بلدان العبور" للعديد من الأسباب، وخاصةً لأسبابٍ جغرافية، تمهيدًا للعبور إلى وجهتهم النهائية
لذا، نتناول في هذا التحليل العوائد المحتملة لدبلوماسية الهجرة على بعض الدول، خاصةً بلدان العبور التي يمكنها دائمًا الاستفادة من مواقعها الجغرافية من خلال الحصول على تنازلات من الدول المستقبلة لوقف تدفقات الهجرة من الوصول إلى شواطئها أو حدودها، ويوضح هذا التحليل في جزئه الأول كيف استفادت بعض بلدان العبور من مواقعها، بينما يناقش الجزء الثاني دراسة لحالة تونس بمزيد من التفصيل بوصفها أحد أهم بلدان العبور، كونها تمثل ممرًا حيويًا للمهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى الذي ينشدون الوصول إلى الحدود الأوروبية عبر الشواطئ الإيطالية، كما يطرح التحليل لإمكانات قييام تونس بتحقيق العديد من الوائد المادية والدبلومسية من موقعها كدوولة عبور للمهاجرين، خاصة في ظل ما تمر به من ظرووف اقتصادية صعبة.