يرجع التاريخ المؤكد لاستخدام المُقاطعة كسلاح اقتصادي لأول مرة إلى القرن الخامس قبل الميلاد عندما أصدرت أثينا المرسوم الميجاري The Megarian Decree نسبة إلى مدينة ميجارا -أحد ألد أعداء أثينا في الحقبة الإغريقية- مُتضمنًا مجموعة من العقوبات الاقتصادية في عام 432 قبل الميلاد ، جاء أهمها منع البضائع الميجاريانية من دخول أثينا، ومنع السُفن الأثينية من الرسو في ميجارا، وأخيرًا منع الميجاريين من التجارة في السوق الأثينية، الأمر الذي قابلته ميجارا وحلفائها من المُدن الأغريقية الأخرى في الحلف البيلوبونيزي بإجراءات اقتصادية عقابية أهمها مُقاطعة البضائع الأثينية ، الأمر الذي أضر باقتصاد الجانبين، وهو ما انتهى إلى اندلاع الحرب البيلوبونيزية التي استمرت لنحو 27 عامًا، والتي أعاقت الحضارة الإغريقية لاحقًا عن التوسع والاستمرار .
وفي القرون التي تلت ذلك، جرى استخدام المقاطعة الاقتصادية في جميع أنحاء العالم لأغراض سياسية مُتعددة هدفت في مُعظمها لعقاب الطرف الموجهة إليه العقوبات، بما يدفعه للتخلي عن سياسة بعينها، فعلى سبيل المثال، في القرن الأول قبل الميلاد، قاطع اليهود البضائع الرومانية احتجاجًا على الاحتلال الروماني، وفي القرن السادس عشر، قاطعت الجمهورية الهولندية البضائع الإسبانية احتجاجًا على الحكم الإسباني، وفي القرن الثامن عشر، قاطعت المستعمرات الأمريكية البضائع البريطانية احتجاجًا على الضرائب المُرتفعة.
لذلك فإن توظيف المُقاطعة الاقتصادية كسلاح لا يُعد أمرًا حديثًا كما يُعتقد على نطاق واسع في العالم العربي، ولهذا فقد خُصصت مئات الدراسات الأكاديمية على مدار القرنين الماضيين لدراستها وتحليل آثارها على الاقتصادين المُقَاطع، والمُقِاطع، ومدى فاعليتها في تحقيق أغراضها.
هذا وقد ظهرت المُقاطعة الاقتصادية لأول مرة في سياق الصراع العربي الإسرائيلي في عام 1992، عندما نظم قادة العرب الفلسطينيين مُقاطعة للشركات المملوكة لليهود في فلسطين، في محاولة لإلحاق الضرر باليهود اقتصاديًا، وقد استمرت مُحاولات المقاطعة بشكل مُتقطع طوال ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين ، أهمها على الإطلاق ما دعت إليه القيادة العربية الفلسطينية في عام 1936، من مُقاطعة كل ما هو يهودي، وعاقبت العرب الذين لم يحترموا المقاطعة بالعنف الجسدي، إلا أن هذه المُقاطعة لم تنجح حيث اعتمد السُكان الفلسطينيين على المحامين والأطباء والمستشفيات اليهودية بشكل كبير.
توسعت المُقاطعة لاحقًا لتتخذ الطابع الإقليمي عندما أصدرت الدول الست المُكونة لجامعة الدول العربية في ديسمبر 1945، أول دعوة لمقاطعة اقتصادية للجالية اليهودية في فلسطين، وتضمن الإعلان حث جميع الدول العربية (وليس الأعضاء فقط) على حظر المنتجات اليهودية، ثم تطور الوضع في عام 1946 بإنشاء الجامعة العربية اللجنة الدائمة للمقاطعة، بغرض تكثيف الجهود لتطبيق المقاطعة، ومع ذلك، لم تنجح المقاطعة، كما ورد في التقرير السنوي الأول للجنة المقاطعة .
ومع عدم نجاح اللجنة اندفعت الجامعة إلى تقويتها فحولتها إلى مكتب المقاطعة المركزي Central Boycott Office والذي كان مقره الرئيسي في دمشق، وله مكاتب فرعية في كل دولة عضو في جامعة الدول العربية، وكذلك جرى إنشاء منصب مفوض المقاطعة ليقود المكتب، وتم تعيين نوابه، الذين كانوا يعملون كضباط اتصال مُعتمدين من قبل كل دولة عضو في جامعة الدول العربية، وكانت المهمة الأساسية للمكتب المركزي في دمشق هي تنسيق المقاطعة مع المكاتب التابعة له، وتقديم تقارير منتظمة إلى مجلس جامعة الدول العربية، وكان من المقرر عقد اجتماعات نصف سنوية كل عام بعد عام 1951، لتنسيق سياسات المقاطعة وتجميع قوائم سوداء للأفراد والشركات التي انتهكت المقاطعة بحيث يجري عقابها محليًا، بأن تقوم كل دولة عضو بتنفيذ القرار من خلال إجراءات تنفيذية قانونية وإدارية .
وخلال الفترة من عام 1951، وحتى وقت كتابة هذا التحليل تجددت دعوات المُقاطعة مع كل صراع سياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بما جعلها توظف كأحد أسلحة المُقاومة للاحتلال الإسرائيلي وسياساته المُجحفة في حق الفلسطينيين، ومع ذلك فقد اتخذت جميع الدعوات ثلاث أنماط رئيسية كما نوضحها فيما يلي: