كتب بواسطة

غير الصراع في غزة قواعد الاشتباك بين إسرائيل وحزب الله. فقبل السابع من أكتوبر 2023، كان الطرفان يلتزمان بقواعد اشتباك قائمة منذ حربيهما في عام 2006 تقتصر على استهداف الأراضي التي تحتلها إسرائيل مثل مزارع شبعا، ولا تتجاوزها إلى الداخل الإسرائيلي، ولكن على مدى الأشهر التسعة الماضية، تغيرت هذه القواعد، في ظل حالة تصعيد مستمرة لكنها لم ترتقِ إلى مرحلة المواجهة الشاملة.

 

لكن حزب الله دخل حزب الله على خط المواجهة في غزة بإطلاق الصواريخ على الأراضي التي تحتلها إسرائيل في أكتوبر 2023، كما أنخرط الجانبان في حرب نفسية حيث كان كل جانب ينشر علناً أو يلمح إلى معلومات استخباراتية تم جمعها عن الطرف الآخر. وسرعان ما توسع تورط الحزب ليشمل ضربات أعمق داخل إسرائيل، لترد إسرائيل في البداية بضرب أهداف عسكرية لحزب الله بالقرب من الحدود الإسرائيلية اللبنانية وسلسلة من الاغتيالات لقادة فرقة الرضوان الخاصة التي تسيطر على المنطقة المتاخمة للحدود مع إسرائيل، ثم توسع نطاق هجمات إسرائيل لاحقًا لتشمل مساحة أكبر من جنوب لبنان ووادي البقاع.

 

استمر الصراع في التطور ليطال قرية مجدل شمس وهي قرية درزية في مرتفعات الجولان، حيث يزعم المتحدث العسكري للجيش الإسرائيلي أن الصاروخ الذي استهدف القرية من طراز فلق (1) إيراني الصنع، وتم أطلاقه من شمال قرية شبعا جنوب لبنان، وأن حزب الله وراء هذا الهجوم. بحسب الرواية الإسرائيلية ورد حزب الله وما آلت إليه التحقيقات الأولية فمن المرجح أن يكون الصاروخ، إيراني الصنع، قد أطلق فعليًا من الأراضي اللبنانية، من مزارع شبعا تحديدًا، كما ذكرت بعض المصادر، لكن لم يكن الهدف منه السقوط في مجدل شمس، لكن اعتراض صاروخ إسرائيلي له أدى إلى سقوطه في تلك المنطقة.

تأكل قدرات الردع الإسرائيلي

كان مبدأ الدفاع الإسرائيلي في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي يقوم على مفهوم مفاده أنه لا ينبغي السماح لأعداء إسرائيل بأن يراكموا كم القوة ما يسمح بتهديد أمنها. كما فضلت إسرائيل دائمًا الحروب القصيرة التي تقوم على استخدام سلاح الجو، وتدخل سريع للمُدرعات يؤدي لهزيمة أعدائها بشكل حاسم وسريع، مع تجنب الاشتباك مع العدو وقواته بما يضطر إسرائيل للحشد ما يستنزف الداخل الإسرائيلي.

 

لكن السنوات العشرين الماضية، شهدت تغيرًا مُستمرًا في كيفية إدارة الحرب الإسرائيلية، خصوصًا منذ الانتفاضة الثانية وحرب لبنان الثانية، وعلى وجه أكثر خصوصًا بعد استيلاء حماس على غزة، حيث انتقلت الحرب للداخل الإسرائيلي، وأصبح التركيز بشكل أكبر على مواجهة إيران، التي قررت الاستعداد بتسليح أذرعها في المنطقة، وإطلاق العنان لهم كُلما لزم الأمر، حتى باتت تُطوق إسرائيل بشكل تام، الأمر الذي قوى شوكتهم نفسيًا، حتى بدأت الحرب في غزة على إثر عمليات السابع من أكتوبر، والتي استطاعت حماس خلالها اجتياح الداخل الإسرائيلي لأول مرة مُنذ النكبة في خمسينيات القرن الماضي، لتُصاب إسرائيل بحالة شلل تام، نجحت حماس على إثرها في أسر واختطاف أكثر من ٢٠٠ مواطن إسرائيلي.

 

بالتالي أصبح الحزب ينظر إلى إسرائيل على أنها ليست حصينة من الخارج، ومُنقسمة من الداخل مستنداً على عدد من الدلالات أهمها الاحتجاجات الداخلية على مشروع قانون التجنيد، وتنامي القلق المُجتمعي بين فئات المُجتمع الاسرائيلي، بالإضافة إلى الانقسامات المُتزايدة مع واشنطن، وتنامي عزلتها على الساحة الدولية. ما حدى بحسن نصر الله لتوسيع تهديداته الشهر الماضي لتشمل إعطاب الشبكة الإسرائيلية واستهداف مُنشآت حيوية للجيش الإسرائيلي، أهمها رصيف ميناء إيلات البحري، الأمر الذي قد ينبئ باستعداد الحزب لزعزعة امدادات التجارة في البحر المتوسط، ​​كما يفعل الحوثيون المدعومون من إيران في البحر الأحمر.

استراتيجية حزب الله في المواجهة

أصبحت جميع المناطق في شمال إسرائيل الواقعة على بعد خمس كيلومترات من الحدود اللبنانية منطقة حرب، حيث تشهد هجمات يومية لحزب الله على مدن مختلفة. ومع ذلك، تجنب الحزب ضرب المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، واستهدف المنشآت العسكرية بدلاً من ذلك، ويسعى الحزب في مواجهته مع إسرائيل إلى اتباع مسار دقيق، والرد على في إطار مبدأ “ضرورة المقاومة” بضربات مقتصرة إلى حد كبير على منطقة الحدود الإسرائيلية، دون استهداف العمق الإسرائيلي ما يثير رد فعل أكبر كثيراً من الجانب الإسرائيلي، في ظل الظروف الداخلية المُتردية التي يعيشها لبنان والمعارضة الشعبية القوية لحرب مدمرة مع إسرائيل، يبدو أن حزب الله يزن مشاركته العسكرية مع وضع هذه الحسابات في الاعتبار.

 

من وراء تلك العملية؟

 

بغض النظر عن تصريحات متحدث الجيش الإسرائيلي بشأن تورط حزب الله في هذا الهجوم ونفى حزب الله هذا الاتهام للمرة الأولي. فإن النظر في قائمة المستفيدين من هذا الهجوم ربما يفك شفرة هذا الحادث في ظل تبادل الاتهامات بين الطرفين ومحاولة كل طرف التملص من المسؤولية.

 

ويأتي على رأس المستفيدين رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو و سيستثمرها بشكل كبير خلال زياراته التي يجريها حالياً لواشنطن وخاصة مع تغير أوراق اللعبة و تراجع الرئيس الأمريكي الحالي جون بايدن عن سباق الانتخابات الرئاسية المقبلة مما لا يدعو إلى شك أن ما حصل عليه نتنياهو من مكاسب سياسية وعسكرية منذ بدء الحرب يمكن أن يتلاشى مع التغيرات الإدارة الجديدة،  كما يرغب نتنياهو في اتساع دائرة الصراع في المنطقة أن تظل المنطقة في حالة توتر وتصدير الأزمة لتأجيل حسم مستقبله السياسي المرهون بتهدئة الأجواء، كما حدث في استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق ، واقتحام رفح، و استهداف ميناء الحديدية اليمني.

 

كما ستمنح هذه الحادثة نتنياهو فرصة ذهبية لصرف الأنظار عن جرائم الإبادة التي يشنها الجيش بحق الفلسطينيين في مختلف المناطق في قطاع غزة، كما أنها ستكون فرصة لتجفيف الضغط العسكري الذي شكله الحزب ضد إسرائيل

 

 وعلى صعيد الداخل الإسرائيلي نجد أن اليمين المتطرف يتصدر قائمة المستفيدين، حيث سبق وأن طالب أعضاءه نتنياهو بتصعيد الموقف على الجبهة اللبنانية منذ بداية الثامن من أكتوبر، وتوجيه ضربات استباقية ضد أهداف لحزب الله، بهدف توسعة رقعة الحرب رأسيًا وأفقيًا، بما يخدم مصالحهم ومن ثم بقائهم في السلطة. كما سيكون لهذه العملية صدي كبير بالنسبة لإسرائيل لتعزيز مظلوميتها أمام العام وكسب التعاطف العالمي مرة أخري

 

لبنان هو الخاسر

 

لا يزال لبنان متورطًا في سلسلة من الأزمات المتتالية التي حلت بالبلاد منذ عام 2019 عندما انحدر اقتصادها إلى الانهيار التام تقريبًا. منذ ذلك الحين، يعاني لبنان من أزمات متعددة بما في ذلك جائحة كوفيد-19، وانفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020، ونقص الغذاء المرتبط بالصراع في أوكرانيا وارتفاع الأسعار في عام 2022، وكل ذلك أدى إلى انهيار اجتماعي واقتصادي متعدد الطبقات أدى إلى معدلات فقر قياسية وانعدام الأمن الغذائي وهجرة الأدمغة وانهيار الخدمات العامة. كما كان لبنان في خضم فراغ رئاسي منذ نوفمبر 2022. وفشل البرلمان مرارًا وتكرارًا في انتخاب رئيس، تاركًا البلاد في حالة من الفوضى وفي أيدي حكومة تصريف أعمال. وتزيد فجوة الشرعية السياسية هذه من تقييد قدرة الحكومة اللبنانية على الاستجابة بفعالية لمجموعة التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها البلاد.

 

وفي ظل هذه الخلفية الهشة، يواجه لبنان تداعيات خطيرة من صراع غزة، ويتوقع البنك الدولي أن يؤدي تأثير الحرب في غزة إلى إعادة لبنان إلى الركود، بما في ذلك انخفاض السياحة، التي كانت محركًا مهمًا للتعافي الضعيف للبلاد، كما إن تأثيرات الصراع على جنوب لبنان ملحوظة أيضًا لأن المنطقة مهمة للاقتصاد اللبناني، حيث تضم ما يقرب من ربع القطاع الزراعي.

 

كما يعاني القطاع الصحي في البلاد من شلل تام ناتج عن ندرة الأطباء ونقص الأدوية وتدهور المرافق الصحية، وعلاوة على ذلك، فإن مستويات النزوح الداخلي الحالية ستتوسع بشكل كبير. على عكس عام 2006 عندما فر العديد من اللبنانيين إلى سوريا، فإن طريق الهروب هذا سوف يُقطع نظرًا للصراع المستمر في سوريا. وبينما يكافح اللبنانيون من خلال هذه الأزمة الأخيرة، فإن آثار الحرب الشاملة مع إسرائيل ستكون كارثية.

 

سيناريوهات التصعيد

 

لن يمر الحادث مرور بلا رد إسرائيلي، وستسعى الحكومة اليمينية إلى الرد بشكل قوي وعاجل بغض النظر عما إذا كان حزب الله هو المسؤول من عدمه، وذلك لحفظ ماء الوجه داخلياً واستعادة القدرة على الردع خارجيًا، كما ستبني الحكومة الحالية العديد من الطموحات السياسية والعسكرية على هذا الحادث  والتي من المتوقع أن يكون خيارها الأول شن حرب مفتوحة على حزب الله، وهو الخيار الذي لا تحبذه إسرائيل في الوقت الراهن نظراً لعدم قدرتها على مواجهة “محور المقاومة” بأسره، في اليمن والعراق وغزة ولبنان في ذات الوقت، وبكامل طاقته التي سيستدعيها الاستهداف المُباشر لحزب الله، والتي سيبقي أمامها الدعم من حُلفاء تل أبيب غير قادر على توفير حماية لها، أو حتى قادر على ردع أحد الخصوم أو حتى تحقيق مكسب يُذكر، وابل من الصواريخ من كل حدب وصوب في ظل عجز كبير في مخزون الأسلحة الإسرائيلية، حتى لو دخل حلفاء “إسرائيل” معها في تلك الحرب، علاوة على حرب الاستنزاف التي دخلتها في مواجهة فصائل المقاومة في غزة والتي امتدت إلى ما يقرب من 10 أشهر دون تحقيق نجاح ملموس.

 

والخيار الثاني وهو الأكثر ترجيحاً و يركز  على شن عمليات واسعة النطاق في العمق اللبناني تستهدف مراكز لقيادة حزب الله وقياداته، وقد تتطرق العمليات إلى استهداف البنية التحتية للشعب اللبناني مما يؤدي إلى أثارة الشارع اللبناني ضد الحزب، كما قد يشمل الرد استهداف مطار بيروت لتعطيل حركة السياحة إلى لبنان والتي تشكل أهم مصدر للبلاد في الآونة الأخيرة.

 

ختاماً، ليس لدى إسرائيل ليس رغبة فضلًا عن قُدرة على فتح أكثر من جبهة في هذا الوقت، خصوصًا مع غياب قُدرتها على الحسم، أو إنهاء الصراع الذي تورطت فيه داخل غزة، رغم أنها فقدت ميزة الردع المُتفرد والأحادي في أعقاب السابع من أكتوبر وهو ما يظهر جلياً في تسامحها المستمر مع هجمات حزب الله على داخل حدودها الشمالية، وتواجد قوات حزب الله على تخومها، كما إن القوات الإسرائيلية منهكة بالفعل وتواجه العديد من التحديات، بما في ذلك التمرد المُجتمعي المحتمل بسبب تجنيد الحريديم أو عدم تجنيدهم. ومع ذلك، فإن القوى اليمينية داخل الحكومة الإسرائيلية رُبما تتخذ قرارات بعيدة عن التقديرات الاستراتيجية المحسوبة مما قد يدفع المنطقة برُمتها إلى حرب مفتوحة

المراجع

“من تحليل الأنظمة العملياتية في جيش الدفاع يتبين أن إطلاق القذيفة الصاروخية باتجاه وسط مجدل شمس تم من منطقة تقع شمال قرية شبعا في جنوب لبنان.  وفقًا للمعلومات الاستخباراتية الموثوقة التي يمتلكها جيش الدفاع فإن حزب الله الإرهابي يقف وراء عملية الإطلاق”، منصة أكس (توتير سابقاً)، 27 يوليو 2024، تاريخ الاطلاع 28 يوليو 2024، متاح على الرابط التالي: https://x.com/AvichayAdraee/status/1817278665321070750

 

Barak Ravid, “Golan Heights Attack Raises Concerns of War Between Israel and Hezbollah,” Axios, July 28, 2024, https://www.axios.com/2024/07/27/golan-heights-attack-israel-hezbollah-war

 

Emanuel Fabian, “IDF Spokesman: Majdal Shams Death Toll Risen to 12, Hezbollah Used Iranian-made Rocket,” The Times of Israel, July 27, 2024, accessed July 28, 2024, https://www.timesofisrael.com/liveblog_entry/hagari-majdal-shams-death-toll-risen-to-12-hezbollah-used-iranian-made-rocket/

 

Jones Hayden, “Golan Heights Rocket Attack Fans Fears of Israel-Hezbollah Escalation,” POLITICO, July 28, 2024, accessed July 28, 2024, https://www.politico.eu/article/rocket-kills-10-at-football-pitch-in-israeli-occupied-golan-heights/

 

JPOST EDITORIAL, “Rocket Attack, Majdal Shams: Hezbollah Denies Involvement,” The Jerusalem Post | JPost.Com, July 28, 2024, accessed July 28, 2024, https://www.jpost.com/israel-news/article-812120

 

Ruth Michaelson, Quique Kierszenbaum, and Andrew Roth, “Israel Announces Strikes on Hezbollah in Lebanon After Rocket Attack Kills 12 in Golan Heights,” The Guardian, July 28, 2024, accessed July 28, 2024, https://www.theguardian.com/world/article/2024/jul/27/attack-kills-10-young-people-in-israeli-occupied-golan-heights

 

Seth J. Frantzman, “Majdal Shams Massacre: The Flawed Strategy of Israel-Hezbollah Conflict,” The Jerusalem Post | JPost.Com, July 28, 2024, accessed July 28, 2024, https://www.jpost.com/israel-news/article-812143

 

  “This is the Iranian-made rocket that Hezbollah shot toward Majdal Shams yesterday.  Iran spends their money enabling their proxies to commit acts of terrorism against innocent civilians.,” X (Formerly Twitter), July 28, 2024, accessed July 28, 2024, https://x.com/IDF/status/1817610808844816517

تعليقات

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *