كتب بواسطة

لقد كان شهرًا حافلًا بالأحداث المثيرة بالنسبة للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة؛ ففي غضون شهر واحد فقط، شهدنا أداءً كارثيًا للرئيس جوزيف بايدن في مناظرته أمام خصمه الرئيس السابق دونالد ترامب، بالإضافة إلى محاولة اغتيال الأخير، وانقلاب أعضاء الحزب الديمقراطي ضد بايدن وإصابته بفيروس كوفيد-19، وأخيرًا انسحاب بايدن قبل 107 يومًا فقط من الموعد المقرر للانتخابات وتأييده لنائبة الرئيس كامالا هاريس كمرشحة للحزب الديمقراطي.

 

تشير جميع الروايات المتعلقة بقرار بايدن بالانسحاب من سباق الانتخابات إلى أن ما أقنع هذا الرجل البالغ من العمر 81 عامًا في النهاية لم يكن الضغط من زملائه الديمقراطيين للانسحاب من السباق الرئاسي على الرغم من إصراره على البقاء فيه قبل يوم واحد من إعلانه الانسحاب، بل ما أقنعه للقيام بذلك هي استطلاعات الرأي التي أجرتها حملته الانتخابية في الولايات الرئيسية التي تمثل ساحة المعركة والتي أظهرت بما لا يدع مجالًا للشك أن طريقه إلى المكتب البيضاوي مسدود حتمًا وسيتعين عليه بالإضافة إلى ذلك أن يبذل الكثير في ولايتي فرجينيا ونيو مكسيكو اللتان كانتا تعتبران ديمقراطيتان إلى حد كبير.

 

هذه ليست المرة الأولى التي يقرر فيها رئيس حالي الانسحاب من الانتخابات الرئاسية؛ ففي عام 1968، اتخذ الرئيس ليندون جونسون قرارًا مماثلًا، ما أدى إلى عقد مؤتمر ديمقراطي مفتوح وتشكُّل الحركة المناهضة للحرب، ومن ثم اندلعت أعمال شغب في شوارع شيكاغو. وبالمثل، سيعقد الحزب الديمقراطي مؤتمرًا مفتوحًا في أعقاب قرار بايدن في أغسطس المقبل في وقتٍ يتسم بالاستقطاب السياسي الشديد. وعندما أعلن ليندون جونسون أنه لن يسعى لإعادة انتخابه، أمهل الحزب الديمقراطي 219 يوما للتجمع والتنظيم وتجهيز بديل له، لكن لم يقم الحزب بذلك، لذا خسر الانتخابات. وهذه المرة، لم يمنح بايدن الحزب الديمقراطي ومرشحته المختارة "نائبة الرئيس كامالا هاريس" سوى 107 يومًا لإطلاق حملة ضد دونالد ترامب الذي يصفه بايدن بأنه أكبر تهديد للديمقراطية الأمريكية في تاريخ البلاد.

 

ويثير قرار بايدن تساؤلاتٍ مهمة، أهمها هل لدى كامالا هاريس ما يكفي من الوقت لإطلاق حملة جادة في أقل من 4 أشهر أم أن هناك سيناريو آخر؛ لذا، يهدف هذا التحليل إلى الإجابة عن هذا السؤال وغيره من الأسئلة ذات الصلة.

هل لدى كامالا هاريس فرصةً للفوز في الانتخابات؟

إذا كانت هذه الدورة الانتخابية قد أوضحت شيئًا واحدًا بشكل صريح، فهو أن كل شيء يمكن حدوثه، بيد أن إطلاق حملة رئاسية ناجحة في مثل هذا الوقت القصير قد يكون بمثابة اختبار لحدود ما هو ممكن. وبعد إعلان بايدن الانسحاب وتأييده لكامالا هاريس، تمكنت نائبة الرئيس والحزب الديمقراطي من جمع 81 مليون دولار في 24 ساعة فقط، متجاوزة الرقم القياسي الذي حققه ترامب والذي بلغ 50 مليون دولار بعد إداناته المتكررة. وهذا المبلغ الذي جمعته كامالا هاريس سيمكنها من التنافس أمام ترامب، والأهم من ذلك أنه يظهر بلا ريب أن المانحين متحمسون لترشيح هاريس حيث أظهر استطلاع للرأي أن نسبة المتحمسين لهاريس من الناخبين الديمقراطيين بلغت 81% مقارنةً بـ 37% لبايدن. وإذا كان من الممكن ترجمة هذا الحماس إلى زيادة إقبال الناخبين، فهذا من شأنه أن يجعل طريق هاريس إلى البيت الأبيض أسهل بكثير.

 

بالإضافة إلى ذلك، مع وجود هاريس كمرشحة ديمقراطية، فإن قضية “السن” التي أُثيرت بشدة ضد بايدن يمكن الآن أن تستهدف ترامب بشكلٍ مباشر، ما يجرده من أحد أسلحته الرئيسية. كما يمكن لهاريس أيضًا استغلال مسألة أن إستراتيجية حملة ترامب كانت دائمًا تتمحور حول مواجهة بايدن، ولكن الآن مع وجود منافس جديد، هل ستتمكن حملته من التحول والتوصل إلى إستراتيجية فعالة مثل تلك المستخدمة ضد بايدن أم لا؟

 

بالفعل، تستغل هاريس نقاط قوتها وتستفيد من تاريخها كمدعية عامة لملاحقة ترامب المدان في عدة قضايا، فضلًا عن أن استجوابها لمن عينهم ترامب هو ما جعلها محط أنظار الرأي العام، ويبدو أن ترامب متحفظ على الأقل حيال هذه النقطة لأنه يبدو مترددًا في مناظرة هاريس، وهو الأمر الذي سيجعلها تبدو أقوى منه بكثير.

 

وقد أظهرت استطلاعات الرأي بالفعل أن وضع هاريس أفضل من وضع بايدن، حيث أظهرت استطلاعات الرأي الوطنية أن ترامب يتقدم على هاريس بفارق نقطتين فقط مقارنةً بـ 6 نقاط عندما كان بايدن هو المرشح، وفي الولايات المتأرجحة الرئيسية أيضًا يبدو الهامش بين هاريس وترامب أقرب مما كان بين الأخير وبايدن. ومع ذلك، قد يرجع هذا التقييم لعدة عوامل، أولها وأهمها هو زيادة شعبية هاريس نتيجة التغطية الإخبارية الموسعة بعد الإعلان عن نيتها للترشح، وثانيها هو عودة المثير للجدل جي دي فانس للساحة مع اختيار ترامب له لمنصب نائب الرئيس وهو بالفعل أقل المرشحين شعبية لمنصب نائب الرئيس منذ عام 1980 على الأقل وتسبب في نفور النساء منه جراء تعليقاته المتعلقة بالسيدات اللائي ليس لديهن أطفال.

 

وعلى الرغم من ظهور سلسلة قوية من التطورات الإيجابية، فإن احتمالية التحول ممكنة دائمًا، ويمكن أن تؤدي 4 أشهر في الانتخابات الرئاسية إلى تغيير مجرى التاريخ. ومع ذلك، لا تزال هناك عوامل أخرى من المحتمل أن تضر بحملة هاريس مثل صورتها كليبرالية من الساحل الغربي، وحملتها الرئاسية الكارثية لعام 2020، وأخطائها وسلوكها غير المتسق الذي جعل من الصعب عليها التواصل مع الناس وهو ما قد يؤدي إلى تنفير الناخبين الذين تحتاجهم لنجاح حملتها، وحصولها دائمًا على أسوأ معدلات تأييد في التاريخ على توليها منصب نائب الرئيس، ودورها كـ “قيصر الحدود” بشأن الهجرة غير الشرعية، ما سيجعلها هدفًا رئيسيًا لهجمات حملة ترامب نظرًا لأهمية الهجرة بالنسبة للناخبين، فضلًا عن مشاركتها المباشرة في ما ينظر إليه الكثيرون على أنه فشل في هذا الشأن.

 

وإذا انتُخبت كامالا هاريس لمنصب الرئيس، فإنها ستدخل التاريخ ليس فقط كأول امرأة يتم انتخابها رئيسة للولايات المتحدة، ولكن أيضًا كأول امرأة أمريكية من أصول آفرو آسيوية تتولى منصب الرئيس. وهنا يبرز سؤال مهم: هل الولايات المتحدة مستعدة وراغبة في انتخاب رئيس ليس امرأة فحسب، بل أيضا امرأة سمراء البشرة؟ وفي حين أن الإجابة على هذا السؤال ليست في يد كامالا هاريس، إلا أنه يؤكد على الأهمية القصوى لاختيارها لمن سيكون مرشحها لمنصب نائب الرئيس.

من سيكون نائب الرئيس؟

سيكون اختيار كامالا هاريس لمنصب نائب الرئيس هو قرارها الأكثر أهمية على الإطلاق، بل من المحتمل جدًا أن يحدد هذا الاختيار مسار الانتخابات بأكملها. ومن المرجح أن يكون معيارها في اختيار نائب الرئيس أن يتمتع بكل ما لا تتمتع به كامالا هاريس، كأن يكون ذكرًا أبيض البشرة ومعتدلًا ويفضل أن يكون من ولاية متأرجحة رئيسية. وهذا يتركنا مع عدد قليل من المرشحين المحتملين الذين نتناول أرجحهم فيما يلي حسب الاحتمالات الممكنة:

 

السيناتور مارك كيلي

السيناتور مارك كيلي هو أحد قدامى المحاربين في حرب الخليج ورائد فضاء سابق لدى وكالة ناسا، وهو سيناتور خدم لفترة قصيرة في مجلس الشيوخ من ولاية أريزونا وجرى انتخابه في انتخابات خاصة لشغل المقعد الذي شغله سابقًا السيناتور جون ماكين بعد وفاته، ما جعله أول ديمقراطي يُنتخب لهذا المقعد منذ عام 1962 وأُعيد انتخابه مرةً أخرى لذات المنصب بعد ذلك بعامين. ويميل السيناتور كيلي نحو الوسط أكثر من اليسار، وهو أيضًا زوج عضوة الكونجرس السابقة جابرييل جيفوردز التي كادت أن تُقتل في محاولة اغتيال في عام 2011.

 

ويتمتع السيناتور “كيلي” بمزيج مثالي من السمات التي من شأنها أن تعزز حملة هاريس، فهو من قدامى المحاربين في حرب الخليج الذين شهدوا القتال مقارنةً بـ “جي دي فانس” الذي ينتمي لقدامى المحاربين أيضًا لكنه لم يشهد القتال، وفوق كل هذا، فهو رائد فضاء، ويمكن لموقفه السياسي باعتباره معتدلًا أكثر منه يساري أن يجذب الناخبين المترددين إلى هاريس، كما يمكنه التحدث مباشرة عن نوع العنف الذي قد يثيره ترامب بعد إطلاق النار على زوجته في عام 2011، حيث يمكن لعضو مجلس الشيوخ عن الحدود “مارك كيلي” أن يحسن صورة سجل هاريس السيئ في مجال الهجرة وينفي ما سيكون نقطة نقاش رئيسية. وباعتباره عضوًا في مجلس الشيوخ عن ولاية أريزونا، فإنه سيتمكن أيضًا من مساعدة هاريس في ولاية تتخلف فيها عن ترامب بخمس نقاط وفي الولايات المتأرجحة الأخرى أيضًا.

 

ومع ذلك، يبلغ عمر السيناتور كيلي 60 عامًا، وإذا بقي هو وهاريس في السلطة لفترتين، فسيكون عمره 68 عامًا على الأقل، ونظرًا لكون العمر قضية مهمة في الانتخابات الرئاسية هذا العام، فمن الصعب معرفة ما إذا كان مارك كيلي سيكون مرشحًا جذابًا إذا قرر الترشح بخبراته التي اكتسبها لمنصب نائب الرئيس أم لا.

 

تيم والز 

تيم والز هو حاكم ولاية مينيسوتا وعضو مجلس الشيوخ السابق وشغل منصب الممثل الأمريكي لمنطقة الكونجرس الأولى في ولاية مينيسوتا من عام 2007 إلى عام 2019، حيث أُعيد انتخابه خمس مرات لهذا المنصب. ومنطقة الكونجرس الأولى في مينيسوتا هي منطقة ريفية في المقام الأول بالولاية وتعتبر الزراعة العمود الفقري لها، وكان والز واحدًا من الديمقراطيين القلائل الذين نالوا عضوية الكونجرس وتم انتخابهم من المناطق الريفية وليس الحضرية، ما قد يجعله جذابًا لجزءٍ من الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم بعد بالإضافة إلى قطاعٍ كبير من الجمهوريين المعتدلين.

 

قبل الترشح للكونجرس في عام 2006، عمل والز لمدة 24 عامًا في الحرس الوطني التابع للجيش، لذا فهو من قدامي المحاربين وهي سمة جذابة دائمًا للمرشحين على الرغم من أنه لم يشهد أي قتال على أرض الواقع. وإلى جانب الفترة التي قضاها في الحرس الوطني، كان الحاكم والز مدرسًا في ولاية نورث داكوتا، وكان قد تقاعد من الكونجرس بعد فوزه في انتخابات حاكم ولاية مينيسوتا عام 2018، وفاز بسهولة بإعادة انتخابه في عام 2022.

 

لذا، فإن الأسباب وراء اختيار الحاكم والز لمنصب نائب الرئيس واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، ومع ذلك، يقف عامل العمر حجر عثرة أمامه حيث إنه والسناتور كيلي في نفس العمر. وبما أن هاريس تتقدم حاليًا على ترامب في ولاية مينيسوتا، وكان بايدن قد تصدر الولاية من قبلها بفارق 7 نقاط، فإن اختيار والز لمنصب نائب الرئيس سيوفر دعمًا أكبر لهاريس في ولاية مينيسوتا ولكن قد لا يكون ذلك مطلوبًا إلى حد ما ويجب أن ينصب تركيزها على الولايات المتأرجحة الرئيسية.

 

أندي باشير 

أندي باشير هو ديمقراطي معتدل وحاكم ولاية كنتاكي، التي تُعد إحدى أبرز الولايات الحمراء، وهو ثاني أكثر حاكم شعبية في الولايات المتحدة بنسبة تأييد بلغت 67%. وشغل أندي باشير منصب الحاكم منذ عام 2019 عندما فاز لأول مرة في انتخابات حاكم الولاية، ثم أُعيد انتخابه في عام 2023، وكان قد تولى سابقًا منصب المدعي العام لولاية كنتاكي.

 

وبصفته حاكمًا لولاية حمراء، فإنه يتمتع بسجل حافل من القدرة على العمل مع الجمهوريين ويمكنه أيضًا جذب الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم بعد. ومع ذلك، يفتقر باشير في الوقت الحالي إلى الاعتراف الوطني من المرشحين الآخرين، لذا ستكون قدرته على التأثير على التصويت في ولاية كنتاكي ضئيلة للغاية على الرغم من شعبيته الكبيرة، حيث فاز ترامب في هذه الولاية بفارق 30 نقطة تقريبًا. ويُعد عمر الحاكم باشير نقطة إيجابية في صالحه إذ يبلغ عمره 46 عامًا، ويجب على الحزب الديمقراطي استغلال هذه النقطة وإعداده كمرشح رئاسي مستقبلي لأنه إن خدم فترتين في منصب نائب الرئيس، فسيكون عمره 54 عامًا على الأقل بحلول الوقت الذي تنتهي فيه ولايته.

ماذا بعد؟

لكي تفوز كامالا هاريس في انتخاباتٍ قد تحدد مستقبل الديمقراطية الأمريكية، فإنها ستحتاج إلى استغلال كل فرصة تتاح لها فضلا عن عدم تكرار الأخطاء التي ابتليت بها حملتها الرئاسية لعام 2020. وقد بدأت حملتها بشكل مثالي مع تعثر حملة ترامب، وتقلصت الفجوة في استطلاعات الرأي التي تراكمت ضد بايدن بشكل كبير أو لم تعد موجودة تمامًا، لذا يجب أن يستمر هذا الزخم ويمكن الحفاظ عليه بسهولة خلال ما يقرب من مائة يوم متبقية قبل الانتخابات.

 

ويتعين على هاريس اختيار نائب رئيس قوي حتى تحافظ على هذا الزخم، ولحسن الحظ أن لديها خيارات لا تندرج ضمن هذه الفئة فحسب، بل يمكنها موازنتها وجذب الناخبين الذين قد يترددون في التصويت لصالح “ليبرالية نخبوية أخرى في الساحل الغربي”.

المراجع

Helmore, Edward. 2024. “Kamala Harris Erases Donald Trump’s Poll Lead in One Week.” The Telegraph, July 27, 2024. https://www.telegraph.co.uk/us/politics/2024/07/27/us-election-kamala-harris-erases-donald-trumps-poll-lead/

 

King, Jordan. 2024. “JD Vance Is the Least Liked VP Nominee in Decades, According to Polls.” Newsweek, July 24, 2024. https://www.newsweek.com/jd-vance-least-liked-vp-nominee-decades-polls-1929470

 

Martin, Jonathan, Astead W. Herndon, and Alexander Burns. 2019. “How Kamala Harris’s Campaign Unraveled.” The New York Times, November 29, 2019. https://www.nytimes.com/2019/11/29/us/politics/kamala-harris-2020.html

 

Peoples, Steve. 2024. “Election 2024: Harris Smashes Fundraising Record, Raises $81 Million in 24 Hours | AP News.” AP News. July 22, 2024. https://apnews.com/article/kamala-harris-fundraising-democrat-president-biden-trump-434a55ea1eb29e5da92cc9b1f9cb401f

 

Stokols, Eli, Jonathan Lemire, Elena Schneider, and Sarah Ferris. 2024. “Why Biden Finally Quit.” Politico, July 21, 2024. https://www.politico.com/news/2024/07/21/why-biden-dropped-out-00170106

 

Yokley, Eli, and Cameron Easley. 2024. “Tracking the Approval Ratings of All 50 U.S. Governors.” Morning Consult Pro, July 24, 2024. https://pro.morningconsult.com/trackers/governor-approval-ratings

تعليقات

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *