دخلت الحرب على قطاع غزة عامها الثاني منذ مباغتة الفصائل الفلسطينية لإسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 محطمة معها شعور الإسرائيليين بالأمن والثقة في جيشهم ووكالات استخباراتهم، وشن الجيش الإسرائيلي على صدى الاجتياح هجومًا مروعًا على غزة أسفر حتى الآن عن مقتل أكثر من 41,500 شخص وإصابة 96,000 آخرين. علاوة على، فرض حصار عقابي متمثل في خنق إمدادات الغذاء والطاقة والماء والأدوية التي تشتد الحاجة إليها في ظل وجود نظام صحي هش في القطاع، وتدمير البنية التحتية الحيوية في غزة، ومخزون الإسكان، والاقتصاد، والأراضي الزراعية، وأساطيل الصيد إلى حد كبير إلا أن وصل الأمر أن ما يقرب من نصف مليون شخص انعدام الأمن الغذائي.
وكما أجبرت إسرائيل قاطني القطاع مرارًا وتكرارًا على النزوح إلى مناطق أصغر وأصغر إلى أن وصل عدد النازحين إلى ما يقرب من 1.9 مليون شخص. وقد دفع إجمالي الدمار الأمم المتحدة إلى إصدار تحذيرات متعددة بأن تصرفات إسرائيل تجعل غزة غير صالحة للعيش.
وبعد مرور عام على الحرب لم تستطع إسرائيل تحقيق أي من أهدافها من الحرب فلم يتم القضاء على حركة حماس، ولم يفرج عن الأسرى المحتجزين لدى فصائل المقاومة في حماس، بل امتد الصراع وتصاعدت معه أعمال العنف بدءاً من الضفة الغربية ليصل أتون الحرب إلى تصعيد حاد بين إسرائيل وإيران ووكلائها في المنطقة. مما جعل الشرق الأوسط يقف على شفا حرب شاملة بين إسرائيل وإيران ووكلائها. مع تلاشي الآمال في التوصل إلى وقف إطلاق النار واتفاق الأسرى، ويظل السؤال المطروح الآن من الخاسر ومن المستفيد من هذا الصراع، متى وكيف ستنتهي حرب إسرائيل، وما الذي سيتبقى منها عندما تنتهي؟
ويسلط هذا التحليل الضوء على مكاسب وخسائر أهم أطراف الصراع كما يلي:
تزعم حماس أنها جلبت الألم إلى عدوها على نحو لم تشهده إسرائيل في تاريخها، فقد نجحت في استعادة أوراق اعتمادها في “المقاومة” التي كانت قد اهتزت في السابق، كما زادت شعبيتها بين الفلسطينيين في وقت أصبحت فيه قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية على المحك. كما نجحت في عرقلة تطبيع العلاقات الإقليمية مع إسرائيل على الأقل مؤقتاً. وكانت النتيجة نجاحًا تكتيكيًا لحماس أسفر عن خسائر فادحة في صفوف المدنيين والعسكريين الإسرائيليين وأسر العديد من الرهائن.
ومثلت المفاوضات على وقف إطلاق النار القصير الوحيد في الحرب في نهاية نوفمبر2023 نصراً لحماس حيث إطلقت سراح 110 رهينة في مقابل 240 سجيناً فلسطينياً، وشهد ذلك السماح الإسرائيلي مؤقتاً بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة. وبصرف النظر عن ذلك، استمر الهجوم بلا هوادة مع فشل جولات متكررة من محادثات وقف إطلاق النار، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تحقيق ما يسميه النصر الكامل.
ويزعم الإسرائيليون أنهم حطموا 18 من كتائب حماس الأربع والعشرين. كما قتلوا العديد من كبار قادة حماس، ومن بينهم مروان عيسى، أحد مهندسي السابع من أكتوبر والذي كان عضواً بارزاً في حماس في غزة. وعلى نحو أقل دراماتيكية، فجرت القوات الإسرائيلية أنفاق حماس، ودمرت نقاط القوة ومخابئ الذخيرة، وقضت على الكثير من البنية التحتية العسكرية لحماس. إلا أن موقف حماس في الأمد البعيد أقوى كثيرا مما ترغب إسرائيل. ونظرا لارتفاع عدد القتلى والدمار الشديد الذي جلبته الحملة الإسرائيلية، فسوف تمتلئ غزة بالشباب الغاضبين والمنتقمين، الناضجين للتجنيد من قبل حماس. وحتى لو هُزمت حماس عسكريا، فإن نظريتها في المقاومة ــ أن الطريقة الوحيدة لإنشاء فلسطين الحرة هي من خلال العنف ــ تظل شعبية.
وعلى الرغم من أن إسرائيل قتلت العديد من قادة حماس، إلا أن السنوار الأكثر أهمية، لا يزال على قيد الحياة حتى أكتوبر 2024، و يبدو أن الحملة العسكرية الإسرائيلية متوقفة إلى حد كبير. فقد سحبت إسرائيل معظم قواتها من القطاع، وحافظت على وجودها في المنطقة الوسطى محور نتساريم ومنعت الفلسطينيين من العودة إلى الشمال. وقد تسفر العمليات العسكرية الأخرى، مثل تلك التي تشن ضد معقل حماس المتبقي في رفح، عن مكاسب هامشية فقط؛ ولن يؤدي قتل بضعة آلاف من مقاتلي حماس إلى تغيير ميزان القوى بشكل كبير. ولن يكون موت شخصية بارزة مثل السنوار ذا أهمية كبيرة من الناحية العسكرية، رغم أنه قد يعود بفوائد سياسية على حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. تتمتع حماس بقاعدة عميقة من القادة وقد أظهرت مرارا وتكرارا أنها قادرة على تحمل خسارة كبار الموظفين على المستوى العملياتي وحتى الازدهار سياسيا.
ترك السابع من أكتوبر حماس دون أي مكاسب سياسية أو استراتيجية واضحة وغزة عُرضة بشكل ميؤوس منه للهجمات الجوية الإسرائيلية ودون أي خيارات واضحة لتحقيق مستوى مستقر من الأمن في غزة بغض النظر عن مستوى نجاحها العسكري. كما دفعت حماس دفعت ثمناً باهظاً لهذه النجاحات، ودفع الفلسطينيون العاديون ثمناً أعظم. فقد تعرضت قوات حماس العسكرية وبنيتها الأساسية للقصف المبرح، وقيادتها تحت الحصار، وشعبيتها على المدى البعيد غير مؤكدة.
تسببت الحرب في أضرار جانبية هائلة دمرت حياة الفلسطينيين وسبل عيشهم بالكامل، وبحلول سبتمبر2024، واجه الفلسطينيون في غزة حصيلة قاتمة من المذبحة ما لا يقل عن 41431 قتيلاً و95818 جريحًا و1.9 مليون نازح من إجمالي عدد السكان المقدر بنحو 2.2 مليون نسمة. ولم يكن سوى سبعة عشر مستشفى من أصل ستة وثلاثين مستشفى يعمل جزئيًا، ودُمرت معظم مباني غزة بسبب القصف العنيف الذي ينافس تدمير المدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية. وفي يوليو2024، قدرت دراسة استقصائية أجريت باستخدام صور الأقمار الصناعية أن 63% من مباني غزة تضررت، بما في ذلك 215.137 وحدة سكنية. وأصبحت الحياة يائسة بعد بضعة أشهر من بدء الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد قوات حماس، حيث أغلقت إسرائيل المعابر الحدودية إلى غزة، وسارع الفلسطينيون إلى الحصول على الغذاء والمياه والأدوية والمال والمأوى، معتمدين على حزم المساعدات التي كانت بطيئة في الوصول. وأفاد مكتب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سبتمبر أن 46% من عمليات تسليم المساعدات تعرقلت أو حُرمت من وصولها إلى الفلسطينيين المحتاجين.
ومع انتشار القصف والعمليات البرية، كان 86% من غزة تحت أوامر الإخلاء الإجباري بحلول شهر أغسطس، الأمر الذي جعل منطقة المساوي، وهي شريط رملي مزدحم بالخيام في الجنوب، الملاذ الآمن الوحيد المعلن. وفي الشهر نفسه، ضرب المنطقة تفشي شلل الأطفال، بعد خمسة وعشرين عاماً من القضاء عليه. وفي خضم الوضع المتدهور، وفي غياب وقف إطلاق النار في الأفق، أحيت منظمات الإغاثة تحذيرات سابقة من المجاعة الوشيكة. وحذرت منظمة اللاجئين الدولية الإنسانية في سبتمبر من تزايد خطر المجاعة بسبب استمرار الاضطرابات في توصيل المساعدات والقصف والتشريد.
كما تكبد الفلسطينيون الذين يعيشون في الضفة الغربية خسائر فادحة في أعقاب هجوم حماس في السابع من أكتوبر ، حيث أغلقت القوات الإسرائيلية الجيب، ومنعت العمال من السفر إلى وظائفهم في إسرائيل، وأجرت عمليات مكثفة على نحو متزايد للعثور على الإرهابيين المشتبه بهم واحتجازهم وقتلهم. ووفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية في رام الله، قُتل أكثر من سبعمائة فلسطيني في الضفة الغربية والقدس الشرقية منذ اندلاع الحرب. منذ السابع من أكتوبر 2023، ووفقاً لتقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة الصادر في الخامس والعشرين من سبتمبر 2024، هدمت السلطات الإسرائيلية 1725 مبنى وشردت 4450 فلسطينياً ــ وهو ضعف معدل النزوح في الفترة التي تقرب من العام السابق. ونحو ثلث الفلسطينيين في الضفة الغربية عاطلون عن العمل، حيث أغلقت الشركات وعلقت تصاريح السفر والعمل في إسرائيل بعد السابع من أكتوبر.
تواجه الجمهورية الإسلامية، مشهداً إقليمياً مليئاً بالتحديات. ففي العقد الماضي، كان جوهر السياسة الخارجية الإيرانية يتمثل في ما يسمى بمحور المقاومة، وهو تكتل من الميليشيات والإرهابيين الذين ينفذون أوامر إيران في الشرق الأوسط من قواعد في العراق ولبنان وسوريا واليمن، وتسمح هذه الوكلاء لإيران باستعراض القوة بقدر من الحصانة. وما دامت إيران غير متورطة بشكل مباشر في أعمال العنف التي تقوم بها، فإنها تفلت من المساءلة. وعلى هذا فإن إيران تجني الفوائد ولكنها نادراً ما تدفع الثمن.
ومن بين الوكلاء الأكثر قيمة لإيران حماس وحزب الله، وكلاهما ضعف بشدة على يد إسرائيل منذ هجمات السابع من أكتوبر. وقد حظي الهجوم الذي شنته حماس والذي نجح في صدم إسرائيل بإشادة كبيرة من جانب إيران، حيث توقع القادة الإيرانيون رد فعل إسرائيلي شرس، لكنهم كانوا يأملون في بقاء حماس على قيد الحياة في شكل ما في قطاع غزة، وبالفعل ساهم الرد الإسرائيلي في إضعاف الجماعة الفلسطينية المسلحة. ربما تكون حماس على أجهزة الإنعاش، ولكنها لا تزال على قيد الحياة. وتأمل إيران أن تتمكن الحركة مع مرور الوقت من إحياء نفسها، ليس فقط من خلال تسجيل ضربة ضد إسرائيل ولكن أيضاً من خلال البقاء كلاعب رئيسي في السياسة الفلسطينية.
كما لعب حزب الله دوراً فعالاً في تدريب مختلف الوكلاء الإيرانيين وتنسيق عملياتهم. بعد السابع من أكتوبر، تضامناً مع حماس، كانت إيران تأمل أن تؤدي هذه الضربات والتهديد بحرب إقليمية إلى خلق ضغوط دولية على إسرائيل للموافقة على تسوية تسمح لحماس بالبقاء في غزة. ولكن لم يحدث هذا، ومع تحول إسرائيل نحو الشمال، يتم إضعاف وكيل إيراني آخر. حيث قضت إسرائيل على كبار قادة حزب الله وحتى قتلت زعيمه حسن نصر الله. كما إن الاحتمال الوشيك لتوغل بري إسرائيلي يعني أن حزب الله قد يرى نفسه مطروداً من أجزاء من لبنان. لكن الحزب لم يدمَّر، ويُعتَقَد أنه لا يزال تمتلك آلاف الصواريخ في ترسانته، وإن كانت قد تضاءلت.
كما تستعد إيران لرد عسكري إسرائيلي، وإن كان الجانبان قد يسعيان إلى منع التصعيد الحاد والحرب الإقليمية. ولكن الحملات العسكرية قد يكون لها ديناميكيتها الخاصة، وفي بعض الأحيان تدفع القادة الوطنيين إلى أماكن يرغبون في تجنبها. وقد شهد هذا العام بالفعل أول هجمات إيرانية مباشرة على إسرائيل، مع هجماتها في أبريل وأكتوبر 2024، وإن كانت الدفاعات الجوية الإسرائيلية قد نجحت في صد التهديد في المرتين.
وتري طهران أن إحدى الفوائد غير المتوقعة من صراع العام الماضي في الشرق الأوسط هو عزلة أكبر لإسرائيل، حيث تتعرض إسرائيل للانتقاد بشكل روتيني في مختلف المحافل الدولية، وخاصة من قِبَل دول الجنوب العالمي. في غضون ذلك، أصبحت إسرائيل تشكل قضية خلافية في السياسة الأميركية، حيث تعمل على تأليب الأجيال ضد بعضها البعض. وفي خطوة متناقضة، كما برز المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، الذي بذل الكثير من الجهود لقمع شباب البلاد، باعتباره بطل الاحتجاجات في الحرم الجامعي الأميركي. وطالما استمرت الحرب في الشرق الأوسط، فمن المرجح أن يزداد الرأي العام الغربي استقطاباً، وهو ما يصب في مصلحة الجمهورية الإسلامية وأعداء إسرائيل الآخرين.
وتعيش إيران تحت ضغط حاد للتخلي عن ضبط النفس المدروس والرد على التصعيد الإسرائيلي لاستعادة قدر من الردع، حتى في حين سعى رئيسها الإصلاحي الجديد مسعود بزشكيان إلى نزع فتيل التوترات الإقليمية، قائلاً إن إيران مستعدة للانخراط في الدبلوماسية النووية، كما خلقت الحرب حالة من الانقسام بين الرئيس الإيراني و الحرس الثوري الذي أطلق نحو 180 صاروخاً باليستياً ضد أهداف عسكرية في إسرائيل حيث يشعر البعض أن تهديد إيران بالرد الساحق على أي رد إسرائيلي يبدو أجوفاً مما كان عليه في السابق بعد الضربات الثقيلة التي تلقتها.
ويدفع البعض القيادة في إيران إلى الذهاب إلى الخيار النووي – فالبلاد في الواقع على اعتاب امتلاك سلاح نووي دولة، بعد أن صعدت من أنشطة التخصيب بشكل كبير في السنوات الأخيرة، على الرغم من أن تسليح اليورانيوم عالي التخصيب يُنظر إليه على أنه يستغرق شهورًا. تاريخيا، فضل النظام الإيراني إبقاء برنامجه النووي في مسار منفصل عن زراعته للوكلاء غير الحكوميين العنيفين في جميع أنحاء المنطقة. والخطر الآن هو أنه إذا قرر النظام أنه لم يعد لديه نهج قابل للتطبيق في المنطقة يضمن أمنه، فسوف يصعد في مسار مختلف مثل اتخاذ خطوات لتجاوز العتبة النووية”، فمثل هذه الخطوة ستكون غير محتملة بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة وتحمل عواقب وخيمة على النظام.
ومع ذلك فقد أثبت “محور المقاومة” الإيراني ــ حماس وحزب الله والحوثيين والميليشيات في العراق ــ أنه دائم وفعال. كما نجحت إيران حتى الآن في منع تشكيل تحالف سني إسرائيلي لتحدي القوة الإيرانية.
منذ اندلاع الحرب، زار بايدن إسرائيل وأجرى العديد من المحادثات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. كما قام وزير الخارجية أنتوني بلينكين بعشر رحلات على الأقل إلى إسرائيل. وبالمثل قام وزير الدفاع لويد أوستن بزيارات متعددة إلى إسرائيل منذ 7 أكتوبر وأجرى محادثات لا حصر لها مع نظيره وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت.
وفسر الإسرائيليون إظهار بايدن للدعم ــ بما في ذلك زيارته بعد أحد عشر يوما من الهجمات ــ على أنه إشارة إلى أنهم حصلوا على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة لملاحقة حماس كما ترى القوات الإسرائيلية. وقد أزعج هذا الانفصال البلدين على مدى الأشهر التي تلت ذلك، وإن كان من المهم أن نلاحظ أن الخلافات العامة تحجب ما كان بمثابة دعم أميركي غير مسبوق لإسرائيل خلال أطول حرب خاضتها. وأفضل مثال على ذلك هو الجسر الجوي والبحري الذي أنشأته الولايات المتحدة لضمان إمداد إسرائيل بمعدات عسكرية ثابتة والجهود التي تنسقها الولايات المتحدة للدفاع عن إسرائيل من الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار الإيرانية في أبريل 2024.
كما لم يبدو الرئيس بايدن وفريقه خلال الأشهر القليلة الأولى من الصراع، قلقين بشكل مفرط بشأن خطط الحرب الإسرائيلية. ولم يتغير نبرة الإدارة إلا بعد أن اتضح أن أعدادا كبيرة من المدنيين الفلسطينيين كانوا يُقتلون وأن الرئيس قد يدفع ثمناً سياسياً نتيجة لدعمه لإسرائيل. ومع حلول عام 2024، أدى اعتراف بايدن بمعاناة الفلسطينيين، وانتقاده الضمني للعمليات العسكرية الإسرائيلية، وجهود البيت الأبيض لتأمين وقف إطلاق النار إلى زيادة التوتر في العلاقة. وزعمت الحكومة الإسرائيلية وأنصار إسرائيل وبعض المحللين أن وقف إطلاق النار الذي لا يتطلب من حماس الاستسلام من شأنه أن يفيد المنظمة الإرهابية المصنفة.
وبالنظر إلى الداخل الأمريكي نجد أن تحول جيل كامل من الأميركيين ضد الدولة اليهودية أضاف المزيد من الضغوط على إدارة بايدن. حيث أصبح الرئيس بايدن، الذي كان مؤيدًا لإسرائيل لفترة طويلة واحتضنها بعد السابع من أكتوبر، أكثر انتقادًا لها في تصريحاته العامة، وتفاقم التوتر الثنائي عندما قتل جيش الدفاع الإسرائيلي عن طريق الخطأ سبعة عمال من منظمة “وورلد سنترال كيتشن-World Central Kitchen “، ونتيجة لذلك، فرضت إدارة بايدن ضغوطًا شديدة على إسرائيل لإيقاف عملياتها. ثم فرض البيت الأبيض حظرًا على بعض الأسلحة – وخاصة القنابل التي يبلغ وزنها 2000 رطل – وفي الثامن من مايو قرر وقف إمدادات الذخائر التي يمكن أن تتسبب في خسائر بشرية كبيرة لإسرائيل بسبب هجومها على رفح، مؤقتًا على الأقل، وفي وقت لاحقاً أعلن أن نتنياهو هو من يعرقل اتفاق وقف إطلاق النار.
كان كل هذا التوتر حاضرًا عندما بدأت إسرائيل جهودها لإضعاف حزب الله في منتصف سبتمبر 2024. بعد هجمات إسرائيل بأجهزة البادجر التي أسفرت عن إصابة أو مقتل أعضاء من الحزب إلى جانب مجموعة من المدنيين بالإضافة إلى غارة جوية قتلت معظم كبار قادة حزب الله، دعت الولايات المتحدة وفرنسا إلى وقف إطلاق النار لمدة واحد وعشرين يومًا، خوفًا من المزيد من التصعيد والحرب الإقليمية. بعد الموافقة ثم التراجع على ما يبدو، وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومجلسه الأمني على ضربة على مقر حزب الله في جنوب بيروت والتي قتلت أمينه العام حسن نصر الله. أدى عدم رغبة إسرائيل في التوقيع على الخطة الأمريكية والفرنسية إلى زيادة التوتر في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ومع ذلك، فإن حقيقة أن إسرائيل لم تعد تبدو وكأنها تأخذ بالنصيحة الأمريكية لم تغير نهج إدارة بايدن في المساعدة في ضمان أمن إسرائيل. على الرغم من مخاوفها بشأن الحرب الإقليمية، كما أشارت الولايات المتحدة إلى دعمها لحملة برية إسرائيلية محدودة في جنوب لبنان بدأت في 30 سبتمبر 2024، وساعدت إسرائيل في ردع هجوم صاروخي باليستي من إيران في الأول من أكتوبر 2024، وهو الهجوم الثاني من نوعه هذا العام.
ويرد منتقدو بايدن بأن الإدارة قد تمارس المزيد من الضغوط على نتنياهو لفرض وقف إطلاق النار، ويشيرون إلى أن إسرائيل تتلقى مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية الأميركية وتعتمد على الغطاء الدبلوماسي الأميركي. مما يوفر نفوذًا كافيًا لإجبار نتنياهو على التحرك. ولكن في الممارسة العملية، غالبًا ما يكون للولايات المتحدة نفوذ أقل على حلفائها مما قد يتصور المرء. إن العقوبات الاقتصادية تاريخيًا لها سجل سيئ في إجبار إسرائيل على تقديم تنازلات كبرى، وخاصة عندما تكون الأمور الأمنية الوجودية على المحك وهو ما يحدث في حالة إسرائيل. والواقع أن التهديدات بمعاقبة عناصر اليمين المتشدد في ائتلاف نتنياهو لم تسفر بعد عن أي نوع من الاعتدال. وفي الوقت نفسه، أنتج إعلان المحكمة الجنائية الدولية عن سعيها إلى إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت ما لم تستطع سوى سياسات قليلة أخرى أن تفعله فقد وحدت الطيف السياسي المنقسم في إسرائيل حول الحكومة الحالية.
حتى لو كانت الضغوط الأميركية فعّالة بما يكفي لتحفيز حكومة نتنياهو على محاولة إنهاء الحرب، فإنها قد لا تنجح. ذلك أن إنهاء الحرب يتطلب في نهاية المطاف تعاون كل من إسرائيل وحماس ــ وبشكل أكثر تحديدًا زعيم حماس يحيى السنوار، الذي لا يُظهِر أي علامات على التراجع، و حتى لو نجحت أمريكا في تأمين وقف إطلاق نار ثنائي، فمن غير المرجح أن ينتج سلام دائم، والواقع أن جميع الأسباب البنيوية والسياسية التي حالت دون السلام لعقود من الزمان لا تزال قائمة.
على الرغم من كل الوقت والجهد الذي بذلته إدارة بايدن على مدار العام الماضي، فقد فشلت في التوسط في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وجماعة حماس المسلحة. وفي الوقت نفسه، عادت تهديدات اندلاع حرب أوسع نطاقا هذا الأسبوع عندما شنت إيران هجوما صاروخيا على إسرائيل ردا على تصعيد صراعها مع جماعة حزب الله المسلحة المدعومة من إيران في لبنان مما يشير إلى التراجع الأمريكي في هذا الملف.
تشير العديد من المؤشرات إلى عزلة إسرائيل، ثقافيًا واقتصاديًا، بعد حربها على قطاع غزة. فقد واجهت البعثة الإسرائيلية في مسابقة الأغنية الأوروبية موجة من الانتقادات والعزلة من دول أخرى. كما أدار مشجعو كرة القدم الإيطاليون ظهورهم للنشيد الوطني الإسرائيلي، ومنعت إندونيسيا وجزر المالديف حاملي جوازات السفر الإسرائيلية من دخول البلاد، وقطعت تركيا جميع الروابط التجارية. وفي النصف الأول من هذا العام، كما انخفضت السياحة الوافدة إلى إسرائيل بنسبة 76% مقارنة بالعام السابق، كما عدل بنك إسرائيل توقعاته للنمو إلى 1.5% لعام 2024، من توقعاته السابقة البالغة 2.8%. وخفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني التصنيف الائتماني لإسرائيل درجتين.
فقد تعرضت حملة إسرائيل العسكرية وبطء تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة لانتقادات واسعة النطاق ومحقة بسبب تأثيرها العشوائي على الفلسطينيين العاديين، و هو ما لخصه رؤساء وكالات الإغاثة الرئيسية التابعة للأمم المتحدة الوضع في غزة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة السنوية في 23 سبتمبر 2024، أن أكثر من مليوني فلسطيني محرومون من الحماية، والطعام، والمياه، والصرف الصحي، والمأوى، والرعاية الصحية، والتعليم، والكهرباء، والوقود، والضروريات الأساسية للبقاء على قيد الحياة بسبب السلوك الإسرائيلي.
وقد أدى هذا إلى تراجع الرأي العام الدولي تجاه إسرائيل، حيث ينظر الأوروبيون إلى إسرائيل باعتبارها تهديدًا كبيرًا للسلام، حتى أكثر من إيران وكوريا الشمالية وروسيا وغيرها من الدكتاتوريات، كما هزت المظاهرات ضد إسرائيل العديد من المدن الأوروبية. في حين قد يتجاهل الإسرائيليون علنًا الانتقادات الأوروبية، فإن الانتقادات الأمريكية مسألة أخرى. في الولايات المتحدة، انخفضت الموافقة على تصرفات إسرائيل من أكثر من 50٪ في نوفمبر 2023 إلى 36٪ في مارس 2024. كان الاستياء قويًا بشكل خاص بين الديمقراطيين، حيث رأى 75٪ أن نهج إسرائيل خاطئ، كما تتراجع الآراء الإيجابية بشكل عام لإسرائيل، خاصة بين الأمريكيون الأصغر سنًا، كما رفعت الاحتجاجات الجماهيرية في حرم الجامعات الكبرى من مكانة القضية الفلسطينية في الولايات المتحدة، مع قرب الانتخابات الأمريكية.
كما واجهت إسرائيل انتقاضات متزايدة بشأن إساءة معاملة ووفاة الفلسطينيين المعتقلين منذ بداية الحرب، حيث ظهرت لقطات من فظائع مزعومة مختلفة، وذكرت الأمم المتحدة أن ثلاثة وخمسين فلسطينيًا لقوا حتفهم أثناء الاحتجاز منذ السابع من أكتوبر ، ودعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى إجراء تحقيقات في هذه التقارير فضلًا عن تقارير سابقة عن استهداف المدنيين بشكل عشوائي أو متعمد، وقضت محكمة العدل الدولية في مايو 2024 بأن إسرائيل ملزمة بحماية المدنيين وتلبية الاحتياجات الأساسية، لكن المحكمة تفتقر إلى آلية إنفاذ في غياب تحرك الأمم المتحدة. وبدأت سبع حكومات في تقييد المساعدات المقدمة لإسرائيل. في سبتمبر 2024، علقت المملكة المتحدة شحنات الأسلحة إلى إسرائيل بسبب مخاوفها من انتهاكات القانون الدولي.
وعلى الرغم من مكاسب إسرائيل المحدودة، إلا أن خسائرها كانت هائلة. فقد رفضت حماس إطلاق سراح أكثر من 130 من أصل 240 رهينة احتجزتهم في السابع من أكتوبر ، على الرغم من أن العديد منهم ربما ماتوا. ولم تتمكن إسرائيل من انتشال عدد قليل خلال استخدام القوة العسكرية، بينما تم إطلاق سراح الآخرين من خلال وقف إطلاق نار قصير وتبادل الأسرى. ويشير هذا السجل إلى الصعوبة غير العادية المتمثلة في إنقاذ الرهائن -وهو تحد صعب دائما- عندما يتم إخفاء الرهائن بعناية وحراستهم جيدًا، ولا تستطيع إسرائيل مهاجمة حماس ومبادلتها بالرهائن في الوقت نفسه، حيث تطالب حماس بوقف إطلاق النار كجزء من التبادل. والقضية عاطفية للغاية بالنسبة للإسرائيليين، ولا توجد إجابة جيدة لها.
كما أن المعركة في غزة لم تنته، ولكن الجزء الأكبر من القتال قد انتهى، تتمثل المهمة الرئيسية للجيش الإسرائيلي في مراقبة ممرين: أحدهما يقطعه إلى نصفين، مما يمنع عودة مليون مدني نازح إلى مدينة غزة، والآخر على طول حدود غزة مع مصر، مما يمنع المسلحين من الهروب ودخول الأسلحة. لقد تم تفكيك هيكل قيادة حماس ولكن الآلاف من مقاتليها ما زالوا طلقاء، وبعضهم يشن هجمات حرب العصابات. ولا يستطيع الجيش الإسرائيلي تنفيذ هجمات كبيرة لمطاردة هذه البقايا لأن الكثير من القوة البشرية تم إرسالها إلى الشمال. إن أغلب وقت القوات المتبقية يقضي في حماية نفسها من الكمائن، وتفجير أقسام من شبكة أنفاق حماس، ومرافقة القوافل الإنسانية. كما أن إحدى الطرق لحشد المزيد من القوات تتمثل في تجنيد المزيد من الطلاب المتدينين المتشددين، الذين يعفون من الخدمة العسكرية الإلزامية وهو الأمر الذي أمرت المحكمة العليا الحكومة بفعله على أي حال. ومن الناحية النظرية، قد يكون نحو 60 ألف رجل متدين متشدد مؤهلين للتجنيد. ولكن محاولة جيش الدفاع الإسرائيلي لتجنيد بضعة آلاف منهم أدت إلى أعمال شغب خارج مكاتب التجنيد. وهددت الأحزاب المتدينة المتشددة في ائتلاف نتنياهو بإسقاط الحكومة إذا استمر في مثل هذه السياسة أو اللجوء لمرتزقة مقابل المال.
ومن ناحية أخري إن إسرائيل ليس لديها خطة لليوم التالي في غزة وقد تجد نفسها غارقة في حرب أبدية في القطاع أو مضطرة للانسحاب والسماح لحماس المنهكة بالعودة إلى السلطة والمطالبة بالنصر النهائي. حيث لا يزال غلاف غزة المجاور للقطاع خاليًا من الإسرائيليين، كما أن قصف حزب الله في الشمال منع أكثر من 100 ألف إسرائيلي من مغادرة منازلهم. كما إن تكلفة المترتبة على إبقاء مئات الآلاف من جنود الاحتياط في الخدمة تدفع الأسر والشركات الإسرائيلية إلى الدمار، وقد خفضت وكالات التصنيف الائتماني التصنيف السيادي لإسرائيل، إلى جانب تصنيفات أكبر أربعة بنوك في البلاد، وهو ما من شأنه أن يتسبب في ارتفاع تكاليف الاقتراض حتى بعد الحرب. حيث يتوقع إن الصراع قد كلف إسرائيل نحو 68 مليار دولار.
إجمع الخبراء داخل إسرائيل وخارجها في الأيام والأسابيع التي أعقبت السابع من أكتوبر، أن أيام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو السياسية أصبحت معدودة. فقد أشرف نتنياهو الذي حكم البلاد لفترة طويلة على الفشل الأمني الهائل الذي سبق هجوم حماس على جنوب إسرائيل، وهبطت معدلات تأييده، التي كانت منخفضة بالفعل بعد أشهر من التصرفات الاستقطابية من جانب ائتلافه اليميني المتطرف بشكل حاد، وبدا أن منافسيه على استعداد للإطاحة به في اللحظة التي تنتهي فيها الأعمال العدائية.
ومع استمرار الحرب العقابية ضد حماس في غزة، ظل العشرات من الرهائن الإسرائيليين في أسر حماس، ووجد نتنياهو نفسه في خلاف مع جنرالاته بشأن الطريق إلى الأمام، و نزلت جماعات المجتمع المدني وعائلات الرهائن إلى الشوارع، مقتنعين بأن نتنياهو كان يماطل في مفاوضات وقف إطلاق النار لإرضاء حلفائه من اليمين المتطرف والتشبث بالسلطة.
لقد أدى تدمير غزة، وعدد القتلى المذهل الناجم عن القصف الإسرائيلي، والكارثة الإنسانية المتصاعدة الناجمة عن حرب غزة إلى تحويل الرأي العام العالمي ضد إسرائيل، وأصبح نتنياهو هدف مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، وتم في عهده أدانة إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية.
ويدرك نتنياهو يدرك أن حياته السياسية قد انتهت إذا تم التوصل إلى صفقة لوقف إطلاق النار، كما أن القوميين اليمينيين المتطرفين في ائتلافه -ولا سيما إيتامار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش – سوف ينسحبون من الحكومة، كما أن الحزبين المتدينين المتطرفين – شاس ويهودية التوراة الموحدة – أكثر مرونة فيما يتصل بصفقة الرهائن ووقف إطلاق النار، وسوف يصوتان لصالحها. و لأن سقوط الحكومة سوف يتطلب انتخابات جديدة. وبالتالي، فهو لا يملك أي حافز لإبرام صفقة، وهو مستعد للمخاطرة بحياة الرهائن الإسرائيليين مع بقاءه في السلطة، و يفضل إبقاء الحرب في غزة على نار هادئة، حتى يتمكن من تأجيل لحظة الحساب مع الناخبين الإسرائيليين.
وبعد أشهر من الضغوط الدولية والمحلية المتزايدة، وفي ظل الجهود المتوقفة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن في غزة، استعاد نتنياهو الزخم. تحول الأمر لصالح نتنياهو حيث حققت سياسة الاغتيالات لقادة محور المقاومة في حماس وحزب الله إلى إعادة الزخم حوله مرة أخري، كما عزز نتنياهو موقفه من خلال الترحيب بمنافسه السابق جدعون ساعر مرة أخرى، وهي المناورة التي توسع قليلاً من أغلبية رئيس الوزراء وتحميه بشكل أكبر من محاولات حرمانه من التفويض البرلماني. ومثل نتنياهو، ساعر معارض لحل الدولتين مع الفلسطينيين؛ كما دعا إسرائيل إلى جعل غزة أصغر بعد انتهاء الحرب. إن قرار ساعر، الذي ترك ائتلاف نتنياهو في مارس بعد الدفع باتجاه اتخاذ إجراءات أكثر عدوانية في غزة، يشكل دفعة سياسية لنتنياهو، كما أن ديناميكيات ائتلاف نتنياهو الحالي، الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، جعلته مستقرًا بشكل غير عادي. لقد سمح موقف الشخصيات اليمينية المتطرفة مثل إيتامار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش، الذين يعارضون أي صفقة من شأنها أن تؤدي إلى وقف إطلاق النار في غزة، لنتنياهو بتجنب الضغوط الأمريكية لوقف إطلاق النار وإطالة أمد الحرب. وهذا بدوره أدى إلى إرجاء احتمال إجراء الانتخابات إلى ما هو أبعد من ذلك.
ومن ناحية أخري يستفيد نتنياهو من عدم وجود خليفة واضح. فقد فشل الزعيم الرسمي للمعارضة ورئيس الوزراء السابق، يائير لابيد، وهو من الوسط، في صياغة بديل واضح لسياسات نتنياهو، وهو يتراجع في استطلاعات الرأي. وعلى مدار معظم العام الماضي، بدا بيني جانتس، وهو من الوسط وقائد سابق في جيش الدفاع الإسرائيلي، المرشح الأكثر ترجيحا. وانضم إلى حزب العمل القومي.
كما منحت المنافسة مع حزب الله وداعمته إيران نتنياهو المنصة التي أرادها دائمًا. ففي منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2024، أحضر مجموعة أخرى من الخرائط كدعائم: صورة واحدة، بعنوان “البركة”، تسلط الضوء على قوس من البلدان من إسرائيل عبر الخليج إلى الهند والتي يمكن ربطها معًا في شراكات وتجارة أوثق؛ والأخرى، بعنوان “اللعنة”، تسلط الضوء على إيران والعراق وسوريا واليمن وجنوب لبنان – أينما تعمل وكلاء إيران.
وصارت نبرة نتنياهو أكثر حدة تجاه إيران، قائلاً: “اضربونا، سنضربكم. لا يوجد مكان في إيران لا تستطيع الذراع الطويلة لإسرائيل الوصول إليه، وهذا ينطبق على الشرق الأوسط بأكمله”.كما حصل على الضوء من الولايات المتحدة لتوجيه ضربات مباشرة إلى أهداف على الأراضي الإيرانية، بما في ذلك مصافي النفط.
بالنسبة لإسرائيل، أصبحت على استعداد لإظهار قدر أقل من التسامح تجاه التهديدات التي تشكلها حماس وحزب الله وإيران. وعلى مر السنين، أدرك الإسرائيليون حقيقة مفادها أن مجموعة متنوعة من الدول والفصائل المسلحة، مثل حماس وحزب الله، تعتبر إسرائيل هدفًا رئيسيًا وهي على استعداد لضرب شعبها ومؤسساتها على مستوى العالم، وحتى السابع من أكتوبر، كان بوسع الحكومة الإسرائيلية أن تطمئن شعبها إلى أن سلطة حماس في غزة تبدو رادعةً، وأن الاستخبارات الإسرائيلية لديها القدرة على اعتراض أي هجوم كبير ينطلق من تلك المنطقة، وأن قوات الدفاع الإسرائيلية قادرة على صد أي محاولة توغل من جانب حماس إلى الأراضي الإسرائيلية بسرعة. ولكن الأحداث التي وقعت قبل عام، عندما شنت حماس هجوماً على إسرائيل، حطمت هذه المعتقدات الأساسية الثلاثة، وكشفت عن خلل مؤلم في الاستخبارات والسياسة.
إن شبح وقوع هجوم غير متوقع آخر يخيم على إسرائيل، الأمر الذي يلقي بظلال من الشك على قدرة الزعماء الإسرائيليين في المستقبل على ضمان نجاح الأجهزة العسكرية والاستخباراتية في تحديد وإحباط أي خطر وشيك، سواء كان نابعاً من حزب الله أو حماس أو أي عدو آخر. ومن المتوقع أن تتزعزع الثقة في أجهزة الاستخبارات، وخاصة في توقعاتها للسلام، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تقليص الثقة بين عامة الناس في إسرائيل. ونتيجة لهذا فمن المرجح أن تتبنى الحكومة الإسرائيلية موقفًا أكثر استباقية يقوم على معلومات محدودة، خوفًا من أن يؤدي الفشل في القيام بذلك إلى ضربة أخرى غير متوقعة. وفي الوقت نفسه، سوف يكون هناك انخفاض في التسامح مع الاستفزازات البسيطة التي كانت تتجاهلها إسرائيل في السابق. وسوف يشعر صناع السياسات الإسرائيليون بأنهم مجبرون على إعادة ترسيخ الردع، بعد أن أدركوا أن الهجوم الفعال الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر أدى إلى تآكل هذا العنصر الحاسم من الأمن الوطني. وقد أبرز هذا الحادث مدى ضعف إسرائيل في مواجهة الجماعات المصممة على إصرارها، وأكد على ضرورة اتخاذ إجراءات وقائية لإعادة ترسيخ الردع قبل أن تتجسد التهديدات.
وفيما يتعلق بالسلطة الفلسطينية، فقد شهدت تراجع ملحوظ في أهميتها مقارنة بوضعها قبل السابع من أكتوبر. فقبل هجوم حماس، كان يُنظَر إليها على نطاق واسع باعتبارها سلطة فاسدة وغير فعّالة؛ كما لعبت قواتها الأمنية دورًا محوريًا في قمع حماس في الضفة الغربية، و شكلت محورًا لأي حل متصور لحل الدولتين. وعلى الرغم من تحول المفاوضات على نحو متزايد إلى عدم. وبعد الهجمات، تضاءل الدعم الفلسطيني للرئيس محمود عباس ومنظمة فتح من أدنى إلى أدنى، ولكن هذا لم يدفع عباس إلى الاستقالة. كما أكدت العمليات العسكرية الإسرائيلية في جنين وغيرها من مناطق الضفة الغربية في سبتمبر 2024 على تراجع ثقة إسرائيل في السلطة الفلسطينية كحليف أمني، وأدت الهجمات الإسرائيلية وتصاعد عدوان المستوطنين ضد الفلسطينيين العاديين إلى تشويه سمعة السلطة الفلسطينية، وإدامة حلقة مدمرة، حيث من المرجح أن يستمر العنف في الضفة الغربية بمستويات مرتفعة.
وما يزيد من تعقيد هذه المسألة افتقاد عباس، البالغ من العمر 88 عاماً، خليفة واضح. وأي صراع محتمل على السلطة، حتى ولو كان سلميًا، من شأنه أن يزيد من إضعاف السلطة الفلسطينية، ونتيجة لهذا فإن إسرائيل سوف تجد نفسها محرومة من شريك أمني وتفاوضي في الضفة الغربية. وعلى المدى القصير، قد لا يشكل هذا قضية كبيرة ـ فمن غير المرجح أن تستأنف محادثات السلام على المدى البعيد، قد يكون لهذا الأمر وزنه. ومن المرجح أن تتزايد الضغوط الأميركية على هذه الجبهة، مع تأكيد دول مثل المملكة العربية السعودية على إحجامها عن إضفاء الطابع الرسمي على السلام مع إسرائيل إلى أن تتجسد الدولة الفلسطينية. والواقع أن غياب التعاون الأمني الفلسطيني يشكل ضربة أشد قسوة، وقد تضطر إسرائيل إلى تنفيذ المزيد من التوغلات في الضفة الغربية وفرض ضوابط وقواعد أكثر صرامة على الحدود وهي التدابير التي قد تثبت أنها أقل فعالية من ضبط النفس الفلسطيني وأكثر تكلفة بالنسبة لإسرائيل.
وفيما يتعلق بحماس، فقد تتمكن من بناء تحالفات جديدة في الصراعات المقبلة، وهو احتمال من شأنه أن يثير مخاوف إسرائيل. ذلك أن الأعمال العدائية بين حزب الله وإسرائيل، وإيران وإسرائيل، والحوثيين وإسرائيل، والتي أشعلها الصراع مع حماس، تستنزف الموارد الإسرائيلية، وتشكل مخاطر وتحديات للولايات المتحدة وشركائها العرب، وتزيد من تفاقم الوضع الهش بالفعل. وفي المواجهات المستقبلية، قد تتوقع حماس دعم هؤلاء الحلفاء، إلى حد ما، وبالتالي تعزيز قدراتها الهجومية حيث يعمل هؤلاء الحلفاء كمضاعفات للقوة. وحتى إذا أخطأت حماس في تقدير نوايا هؤلاء الحلفاء المحتملين، في ظل كون دعمهم الفعلي ضئيلاً، فقد تظل إسرائيل تخشى التهديد المتمثل في تدخلهم، مما يدفعها إلى التفكير في اتخاذ إجراءات وقائية.
وقد تنطوي التكرارات اللاحقة للمناوشات الطفيفة نسبيًا بين إسرائيل وحماس التي سبقت السابع من أكتوبر على طيف أوسع من الجهات الفاعلة، مما يؤدي إلى إدامة معضلة إقليمية مستمرة. وهناك تحذير من انحراف الأحداث غير العادية التي وقعت في السابع من أكتوبر ورد فعل إسرائيل بشكل كبير عن الاشتباكات السابقة بين إسرائيل وحماس في غزة. وبالتالي، هناك احتمال بأن يختار حزب الله والحوثيون التغاضي عن الصراعات الأصغر حجماً، والتعبير عن التضامن مع حماس، ولكن مع الامتناع عن المشاركة الفعالة. ومع ذلك، فإن خطر التصعيد الإقليمي، سواء كان متعمدًا أو عرضيًا، يظل قائمًا.
وأخيراً غزة، تسير على مسار نحو التحول إلى منطقة فاشلة. وتبدو المقترحات المختلفة لحكم غزة بعد وقف إطلاق النار، سواء كانت تتضمن إشراف السلطة الفلسطينية، أو إعادة فرض حكم حماس، أو الاحتلال الإسرائيلي المطول، غير قابلة للتطبيق، وبعض هذه المقترحات تعتبر غير مقبولة من جانب الإسرائيليين أو الفلسطينيين، في حين أن البدائل مثل قوة حفظ السلام العربية أو الدولية غير عملية إلى حد كبير، وبالتالي فإن السيناريو الافتراضي يستلزم غياب الحكم الفعال في غزة، مما يؤدي إلى جيوب متفرقة من الاستقرار إلى جانب مناطق مستمرة من العنف.
والنتيجة المحتملة هي أن غزة سوف تتطور إلى مصدر دائم للصراع الإقليمي، يتميز بأزمات ثانوية متقطعة وأعمال عدائية منخفضة المستوى مستمرة. وسوف يستمر سكان غزة في تحمل المصاعب، وإن كان ذلك مع تضاؤل التركيز الدولي، مع تذبذب الوضع الإنساني بين الفقر والكارثة.
ختاماً، يزعم البعض أن نتنياهو والسنوار لديهما مصالح مشتركة في إطالة أمد الحرب. وبعد ما يقارب العام، لا تزال هذه الأطروحة المركزية صامدة، على الرغم من تغير بعض التفاصيل التكتيكية. وعلى الرغم من المحاولات التي لا تعرف الكلل من قِبَل إدارة بايدن ومصر وقطر، فلا تزال نهاية الحرب غير واضحة.
ما زال الإسرائيليون منقسمين ليس فقط بشأن الطريق إلى الأمام في غزة، حيث لا تزال قوات الدفاع الإسرائيلية تقاتل حماس، بل وأيضاً بشأن الدروس المستفادة من السابع من أكتوبر. فقبل بدء الحرب، كانت إسرائيل ممزقة بسبب الاحتجاجات على الإصلاحات التي اقترحتها الحكومة اليمينية على القضاء، والتي اعتقد كثيرون أنها كانت لتؤدي إلى تقليص الضوابط المفروضة على الحكومة وبالتالي إضعاف سيادة القانون. وعلاوة على ذلك، ألقى العديد من الإسرائيليين باللوم على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتسامحه مع سيطرة حماس على غزة كوسيلة لتقويض الوحدة الفلسطينية والدعم داخل إسرائيل لأي شكل من أشكال الحكم الذاتي الفلسطيني. ومع استمرار الحرب في غزة، استنتج العديد من الإسرائيليين أن حكومته مهتمة بإطالة أمد القتال أكثر من اهتمامها بإنقاذ الرهائن الناجين.
One Year of a War Without Rules Has Left Gaza Shattered,” Doctors Without Borders – USA, October 2, 2024, https://www.doctorswithoutborders.org/latest/one-year-war-without-rules-leaves-gaza-shattered
Eric Reidy, “One Year of War in Gaza,” The New Humanitarian, October 4, 2024, https://www.thenewhumanitarian.org/feature/2024/10/04/one-year-war-gaza
Yossi Mekelberg, “Israel’s Wars Have Sustained the Destructive Leadership Which Brought It to This Crisis,” Chatham House, October 3, 2024, accessed October 4, 2024, https://www.chathamhouse.org/2024/10/israels-wars-have-sustained-destructive-leadership-which-brought-it-crisis
Raphael S. Cohen, “Why Biden Hasn’t Been Able to End Israel’s Year-old Gaza War,” Los Angeles Times, October 4, 2024, https://www.latimes.com/opinion/story/2024-10-04/oct-7-anniversary-israel-gaza-hamas-lebanon-hezbollah-iran-biden-war
Peter Beaumont, “How Netanyahu Weathered the Storm in the Year Since Hamas Attacked,” The Guardian, October 1, 2024, https://www.theguardian.com/world/2024/oct/01/how-netanyahu-weathered-the-storm-in-the-year-since-hamas-attacked
The Economist, “A Year on, Israeli Society Is Divided About the Lessons of October 7th,” The Economist, October 3, 2024, https://www.economist.com/briefing/2024/10/03/a-year-on-israeli-society-is-divided-about-the-lessons-of-october-7th
Simon Martelli and Chase Winter, “Gaza, Mideast Conflict: One Year On,” Energy Intelligence Group, October 3, 2024, accessed October 4, 2024, https://www.energyintel.com/00000192-4e86-d9e0-a5df-7f9e8c330000
Daniel Byman, “Israel-Hamas One Year on: What to Expect After the War in Gaza Ends,” Foreign Policy, October 3, 2024, https://foreignpolicy.com/2024/10/03/more-wars-failed-state-step-back-by-united-states/
Steven A. Cook et al., “One Year After the October 7 Attacks: The Impact on Four Fronts,” Council on Foreign Relations, October 2, 2024, https://www.cfr.org/article/one-year-after-october-7-attacks-impact-four-fronts
AFP, “Israel to Press Lebanon Offensive Until ‘objectives’ Met, Netanyahu Tells UN,” France 24, September 27, 2024, https://www.france24.com/en/live-news/20240927-no-place-in-iran-that-israel-can-t-reach-netanyahu-warns-at-un
Daniel Egel, “From the Ashes of Hamas-Israel War, Can Economics Drive Peace?,” RAND, November 28, 2023, accessed October 9, 2024, https://www.rand.org/pubs/commentary/2023/11/from-the-ashes-of-hamas-israel-war-can-economics-drive.html
تعليقات