كتب بواسطة

تولي تركيا اهتمامًا بالغًا بمنطقة القرن الإفريقي باعتبارها بوابة شرق القارة الإفريقية. ومنذ عام 2011، تسارعت وتيرة تقديم المساعدات الإنسانية التركية للصومال ووقعت اتفاقيات عسكرية واقتصادية معها وأسهمت في عملية بناء الدولة من خلال السماح لشركاتها بإنشاء البنية التحتية والمدارس والمستشفيات والمباني الحكومية. وفي عام 2017، افتتحت تركيا أكبر قاعدة عسكرية تعرف باسم "تركسوم" خارج حدودها لتأهيل الجيش الصومالي بشكلٍ كامل لردع التهديد الناشئ عن حركة الشباب التي صنفتها الولايات المتحدة منظمةً إرهابية منذ عام 2008.

 

وفي فبراير 2024، وقعت تركيا اتفاقيات عسكرية واقتصادية مهمة مع الصومال، ما جعلها لاعبًا رئيسيًا في سياسة القرن الإفريقي. وبموجب الاتفاقية التي تبلغ مدتها عشر سنوات، تلتزم تركيا بمساعدة الصومال في الدفاع عن مياهها الإقليمية ضد القرصنة والتهريب والتدخل الأجنبي من إثيوبيا. كما تلتزم تركيا بموجب بنود هذه الاتفاقية بتدريب وإعادة بناء القوات البحرية الصومالية، حيث تشمل عملية إعادة البناء تسليح القوات البحرية الصومالية بأسلحة تركية مصنعة محليًا تتضمن فرقاطات مصنعة بشكلٍ أساسي للبحرية الصومالية، ما يعني أن السنوات المقبلة ستشهد زيادة الطلب على الصادرات العسكرية التركية، وهذا قد يحفز دولًا أخرى على شراء الأسلحة التركية خاصةً إذا أثبتت الأسلحة التركية كفاءتها في تأمين المياه الصومالية. كما تمكن هذه الاتفاقيات تركيا من العمل على استخراج الموارد الطبيعية من المياه الإقليمية الصومالية مقابل نسبة متفق عليها لتركيا، حيث كشفت بعض التقارير أن تركيا ستحصل على 30% من عائدات المنطقة الاقتصادية الخالصة للصومال بالإضافة إلى فتح المجال الجوي الصومالي بالكامل للاستخدام العسكري التركي. لذا، يستكشف هذا التحليل الدوافع التركية لتوقيع هذه الاتفاقية والتحديات التي قد تواجهها أثناء تنفيذها.

لماذا الآن؟

من المعروف أن إثيوبيا دولة حبيسة غير ساحلية، وقد سعت دائمًا إلى الوصول إلى البحر الأحمر لأغراضٍ تجارية وعسكرية. وفي يناير 2024، اتخذت إثيوبيا خطوة مثيرة للجدل من خلال التوقيع على مذكرة تفاهم مع جمهورية أرض الصومال المعلنة من جانب واحد وغير المعترف بها. وبموجب هذا الاتفاق، ستقوم إثيوبيا بتأجير ميناء صومالي على البحر الأحمر مقابل اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال كدولةٍ مستقلة. وقد أدانت الحكومة الفيدرالية الصومالية هذا الاتفاق واعتبرته غير قانوني ويشكل تهديدًا لسلامة ووحدة الصومال. ونتيجة لذلك، سارعت الصومال إلى توقيع اتفاقيات دفاعية واقتصادية مع تركيا لتأمين مياهها الإقليمية من التهديد الإثيوبي.

 

ومن بين العديد من الدول التي قد تكون مهتمة بالتواجد العسكري في الصومال، اختارت مقديشو تركيا للعب هذا الدور بناءً على العلاقات المتبادلة القوية بين البلدين منذ عام 2011 عندما دخلت تركيا إلى الصومال واستثمرت وتبرعت بالمال وافتتحت أكبر سفارة لها هناك. وكانت زيارة أردوغان إلى الصومال في أغسطس 2011 هي الزيارة الأولى لزعماء غير أفارقة إلى الصومال منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، حيث شهدت هذه الزيارة تقديم تركيا أكبر مساعدات إنسانية في تاريخها إلى الصومال، كما أخذت تركيا زمام المبادرة وعقدت اجتماعا طارئا لمنظمة التعاون الإسلامي وأقنعت الدول الأعضاء بالتبرع بمبلغ 350 مليون دولار للصومال، ما جعل تركيا حليفًا موثوقًا به للصومال. وفي عام 2017، قامت تركيا ببناء أكبر قاعدة عسكرية لها في الصومال لمساعدة الصومال في إعادة بناء قواته العسكرية لردع التهديدات الداخلية الناشئة عن حركة الشباب. وحتى الآن، قامت تركيا بتدريب ما يقرب من 16,000 جندي صومالي ونفذت تسعة عشر غارة معلنة بمسيرات ضد حركة الشباب منذ عام 2022. وفي أبريل 2023، باعت تركيا المسيرة “بيرقدار تي بي 2” إلى الصومال لتعزيز جهودها في ردع التنظيم الإرهابي.

الدوافع التركية وراء الاتفاقية

حاولت تركيا باعتبارها قوة صاعدة مؤخرًا تقديم نفسها كبديل للقوى الغربية من خلال المساهمة في دعم الأنظمة السياسية ومحاربة الإرهاب ودعم حلفائها ضد أعدائهم. وقد تجلى ذلك بشكل واضح في التدخل التركي في ليبيا لدعم حكومة الوفاق الوطني ضد قوات الجيش الوطني الليبي بالإضافة إلى الدعم التركي لأذربيجان ضد أرمينيا في إقليم ناجورنو كاراباخ. ويعد الصومال ساحة أخرى لتركيا لإثبات قدرتها على دعم حكومات الدول الهشة، ما قد يحفز دولًا إفريقية أخرى على زيادة اعتمادها تدريجيًا على تركيا بدلًا من القوى الأجنبية مثل فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.

 

وبما أن تركيا تعتبر الصومال بوابتها إلى شرق إفريقيا، فإنها تسعى إلى الحفاظ على الأمن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن لضمان تأمين سفنها التجارية المحملة بالمنتجات التركية المصدرة إلى الصومال دون استهدافها. وفي ظل معاناة منطقة البحر الأحمر من الهجمات العسكرية التي تشنها جماعة الحوثي ضد السفن المتجهة إلى إسرائيل، بات من الضروري لتركيا أن تعزز من تواجدها العسكري في هذه المنطقة لحراسة سفنها دون الحاجة إلى الاعتماد على القوات الأوروبية العاملة هناك.

 

ومن بين الأسباب التي دفعت تركيا إلى توقيع هذه الاتفاقية مع الصومال هو تحويل الصومال إلى عميل عسكري لتركيا نظرًا لأن السوق العالمية للأسلحة تنافسية للغاية ومن الصعب على القوى الصاعدة أن تجد أسواقًا لأسلحتها المصنعة محليًا لأن معظم المشترين يفضلون الأسلحة التي أثبتت كفاءتها في الحروب على الرغم من ارتفاع أسعارها. لكن بعد توقيع هذه الاتفاقية، باتت تركيا اللاعب الرئيسي في الأمن الصومالي، ما يسمح لها ببيع كميات غير محدودة من الأسلحة ومن ثم تستفيد تركيا من خلال اختبار أسلحتها في منطقة جغرافية جديدة وفي ظروف مختلفة، ما قد يحفز دولًا إفريقية أخرى على شراء الأسلحة التركية بعد دراسة دورها في تأمين الأراضي الصومالية. ويوضح الرسم البياني الخطي التالي مدى زيادة الصادرات العسكرية التركية إلى الصومال منذ عام 2011.

 

 

كما لعبت الدوافع الاقتصادية دورًا بارزًا في تحفيز تركيا على إبرام هذه الصفقة حيث يمر الاقتصاد التركي بتحدياتٍ اقتصادية هائلة ومعدل تضخم مرتفع للغاية (مع وصوله إلى 51.79% في أغسطس 2024 وفقًا لمعهد الإحصاء التركي). وفي عام 2023، استهلكت تركيا حوالي 6% من ناتجها المحلي الإجمالي من واردات الطاقة. ونتيجةً لذلك، بدأت تركيا حملة واسعة للتنقيب محليًا عن حقول النفط والغاز في البحر الأسود، ونجحت في العثور على بعض الحقول التي قد تساعد البلاد على تقليل إنفاقها العام على الطاقة. ومع ذلك، فإن احتياطيات النفط والغاز الصومالية البالغة 30 مليار برميل قد تساعد تركيا على تغطية قدر كبير من احتياجاتها من الطاقة. وبموجب الاتفاقية الموقعة بين الصومال وتركيا، ستحصل الأخيرة على 30% من عائدات المنطقة الاقتصادية الخالصة للصومال، ما يسمح لتركيا بالاستفادة ليس فقط من النفط الصومالي ولكن أيضًا من صيد الأسماك، إذ تشير التقارير إلى أن الصومال يخسر 500 مليون دولار بسبب الصيد غير القانوني على طول شواطئه. وتتولى تركيا مسؤولية البيع والتوزيع، ما يسمح لها بزيادة نفوذها في السوق العالمية للنفط خاصةً إذا تزامن ذلك مع اكتشافات النفط والغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط.

تحديات التنفيذ

من المتوقع بعد توقيع هذه الاتفاقيات أن يكون النفوذ التركي غير محدود في الصومال بعد منح أنقرة الحق القانوني في التعامل مع البحر الصومالي كمناطق سيادة لا يمكن المنازعة فيها. وبما أن الصومال وقعت هذه الاتفاقية ردًا على الاتفاق الإثيوبي مع أرض الصومال المعلنة من جانب واحد، فمن المتوقع أن تعمل تركيا بشكلٍ مباشر على منع إثيوبيا من الوصول إلى البحر الأحمر، الأمر الذي قد يؤدي إلى تدهور العلاقات بين تركيا وإثيوبيا، وهذه معضلة أخرى لتركيا لكونها ثاني أكبر مستثمر في إثيوبيا بعد الصين، ما يعني أنها لا تريد تدهور علاقاتها مع إثيوبيا. كما تزود تركيا إثيوبيا بمسيرات ودعمت حرب رئيس الوزراء الإثيوبي في إقليم تيجراي. وبناءً على ذلك، فإن الخيار الأفضل لتركيا الآن هو إقناع إثيوبيا بتعليق أو إلغاء اتفاقها مع أرض الصومال والتفاوض مع الحكومة الفيدرالية الصومالية بشأن استئجار ميناء للأغراض الاقتصادية، وإلا فإن تركيا قد تجد نفسها في مواجهةٍ مباشرة مع إثيوبيا. وفي حال مضت إثيوبيا في خططها ولم تتصدى تركيا لذلك، فقد تتضرر سمعة تركيا كحليف يمكن الوثوق به، وهو ما سيؤثر سلبًا على خططها للتوسع في مناطق أخرى من العالم. وتُظهر الخريطة التالية البلدان التي تتمتع فيها تركيا بوجود عسكري نشط.

 

 

بالفعل، أثار الوجود التركي في الصومال منافسةً مع الولايات المتحدة التي بادرت للتوسط بين الصومال وإثيوبيا، وعقدت “مولي فيي”، كبيرة الدبلوماسيين الأمريكيين لشؤون منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، اجتماعات في إثيوبيا والصومال لتهدئة التوترات على أمل أن تتمكن الولايات المتحدة من الحفاظ على نفوذها في المنطقة من خلال التوسط بين البلدين. كما وقعت الولايات المتحدة اتفاقيةً مع الصومال في فبراير 2024 لبناء ما يصل إلى 5 قواعد عسكرية للجيش الصومالي، على أن تكون تلك القواعد الجديدة مرتبطة بلواء “داناب” الصومالي الذي أُنشئ بدعمٍ من الولايات المتحدة الأمريكية عام 2017 كقوة للرد السريع ضد أي حركات تمرد في الصومال. ونتيجة لذلك، قد تجد تركيا نفسها مضطرة إلى التنسيق مع الولايات المتحدة أثناء القيام بأنشطتها الجوية والعسكرية.

 

كما قد يواجه الوجود التركي في الصومال تُهديدًا من قبل حركة الشباب التي قد تستهدف المصالح التركية لإجبار تركيا على التراجع عن دعم الحكومة الفيدرالية لأن آخر شيء تريده حركة الشباب هو رؤية حكومة فعالة تعمل في العاصمة وتعطي الأولوية لمحاربة الجماعات الإرهابية. وكان الصومال قد اتهم إثيوبيا مرارًا وتكرارًا بدعم حركة الشباب، لذا إذا كان هذا الادعاء صحيحًا، فقد تستمر إثيوبيا في دعم حركة الشباب لتهديد المصالح التركية.

 

عادة ما تقوم الدول بتصنيع الأسلحة أو شرائها لتلبية احتياجاتها الأمنية، وعندما يوقع مصنعو الأسلحة صفقات عسكرية مع حلفائهم، فإنهم لا يبيعون من احتياطياتهم من الأسلحة، بل يصنعون أسلحة جديدة بغرض بيعها بدلًا من ذلك. وبناءً على ذلك، قد يكون من الصعب على تركيا تأمين الشواطئ الصومالية في ظل وجود نزاعات مع اليونان في شرق البحر الأبيض المتوسط. وبعبارة أخرى، فإن تأمين الشواطئ الصومالية قد يدفع تركيا إلى إرسال بعض أسلحتها إلى الصومال، وهذا من شأنه أن يقوض الدفاعات التركية ضد اليونان. وبالمثل، تقوم تركيا ببعض الأنشطة للتنقيب عن الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، لذا سيؤدي إرسال بعض هذه السفن إلى الصومال إلى الحد من الأنشطة التركية في شرق المتوسط.

 

ختامًا، تتمتع الصومال بعلاقاتٍ قوية مع تركيا منذ عام 2011، وقد وصلت هذه العلاقات إلى ذروتها في عام 2017 عندما افتتحت تركيا قاعدةً عسكرية لمساعدة الصومال على ردع هجمات التنظيمات الإرهابية، كما وقعت تركيا اتفاقية عسكرية لتأمين المياه الإقليمية الصومالية، ما يجعل تركيا لاعبًا رئيسيا في سياسة القرن الإفريقي.

المراجع

Baez, Kiran. “Turkey Signed Two Major Deals With Somalia. Will It Be Able to Implement Them?” Atlantic Council, June 18, 2024. https://www.atlanticcouncil.org/blogs/turkeysource/turkey-signed-two-major-deals-with-somalia-will-it-be-able-to-implement-them/

 

Baser, Ada. “Turkey’s Long Game in Somalia Goes Naval — Columbia Political Review.” Columbia Political Review, April 27, 2024. https://www.cpreview.org/articles/2024/4/turkeys-long-game-in-somalia-goes-naval

 

Emirates Policy Center. “The Turkish-Somali Agreement: A Calculated Adventure or a Step into the Unknown?” Emirates Policy Center, April 15, 2024. Accessed September 11, 2024. https://epc.ae/en/details/brief/the-turkish-somali-military-agreement-a-calculated-adventure-or-a-step-into-the-unknown-

 

DIPLOMATIC TIMES. “U.S. Top Diplomat to Africa Molly Phee Meets With ETHIOPIA PM Ahmed to Resolve SUDAN Crisis,” May 16, 2023. https://diplomatictimes.net/2023/05/16/u-s-top-diplomat-to-africa-molly-phee-meets-with-ethiopia-pm-ahmed-to-resolve-sudan-crisis/

 

Donelli, Federico. “Red Sea Politics: Why Turkey Is Helping Somalia Defend Its Waters.” The Conversation, 28 February 2024. https://theconversation.com/red-sea-politics-why-turkey-is-helping-somalia-defend-its-waters-224377

 

Faruk, Omar. “US To Build 5 New Military Bases for Somali Army, Which Faces a Rebellion by an Extremist Group | AP News.” AP News, February 15, 2024. https://apnews.com/article/somalia-us-cooperation-new-military-bases-74e4a4d96a75990bf08dba75cf19ef3a

 

Takambou, Mimi Mefo. “Somalia-Turkey Security Deal: How Does It Impact Ethiopia?” Com, February 27, 2024. https://www.dw.com/en/somalia-turkey-security-deal-how-does-it-impact-ethiopia/a-68375405

 

“Turkey Leases Libya’s Port of Khoms for 99 Years to Deploy Military Base There — TV.” TASS, August 17, 2023. https://tass.com/defense/1661555

 

Turkish statistical Institute. Consumer Price Index August 2024. https://data.tuik.gov.tr/Bulten/Index?p=Consumer-Price-Index-August-2024-53624&dil=2

تعليقات

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *