في أبريل 2022، أعلن رئيس الوزراء آنذاك بوريس جونسون عن خطة لترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا بموجب ”مشروع قانون سلامة رواندا“ الذي صدر مؤخرًا حيث أثار هذا القانون جدلًا كبيرًا ووُصف بأنه يتعارض مع الالتزامات القانونية للمملكة المتحدة، كذلك قضت كل من المحكمة العليا البريطانية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن مشروع القانون يشكل انتهاكًا للالتزامات القانونية ولا يتوافق مع الاتفاقيات الدولية الموقع عليها من جانب المملكة المتحدة، وفي يونيو عام 2022، أُلغيت أول رحلة جوية تحمل طالبي اللجوء من المملكة المتحدة إلى رواندا قبل دقائق من إقلاعها بعد أن أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أوامر بإيقافها في اللحظات الأخيرة. وبعد مرور عامين، ومع تولي رئيس وزراء جديد منصبه، أقر البرلمان أخيرًا مشروع القانون بالرغم من الضغوط القانونية الدولية. ومع ذلك، لم ينته الجدل بعد؛ فالتكاليف الاقتصادية الباهظة والمخاوف بشأن حقوق الإنسان لا تزال تجعل (مشروع قانون سلامة رواندا) نقطة خلافية وإشكالية.

الجدل المُثار

منذ الإعلان عن بنود مشروع القانون وأحكامه، تعرض لانتقادات من المنظمات الدولية بسبب الانتهاكات المحتملة لحقوق الإنسان والقانون الدولي. إذ سلطت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين الضوء على مخاطر نقل اللاجئين وطالبي اللجوء إلى بلدان أخرى دون ضمانات كافية، مشيرة إلى أن مثل هذه الإجراءات تعامل طالبي اللجوء مثل السلع التي يجري نقلها إلى الخارج لمعالجة طلبات اللجوء، واتهمت المفوضية المملكة المتحدة بمحاولة التهرب من مسؤوليات اللجوء والتزاماتها الدولية.

 

كما أنه قد تبين أن مشروع القانون الجديد يشكل انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية، لا سيما اتفاقيات جنيف، المعروفة أيضًا باسم (الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين) أو (اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951)، والتي وقعت عليها المملكة المتحدة، حيث تنطوي هذه الاتفاقية على مبدأ عدم الإعادة القسرية الذي يضمن عدم إعادة أي شخص إلى بلد قد يتعرض فيه للتعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو غير ذلك من الأضرار التي يتعذر إصلاحها. في منتصف نوفمبر 2023، قضت المحكمة العليا البريطانية بعدم قانونية مشروع القانون، وقررت المحكمة أن الأجانب المفترض إرسالهم إلى رواندا يواجهون خطر الترحيل إلى بلدانهم الأصلية، حيث لا يمكن ضمان سلامتهم. وهذا من شأنه انتهاك المادة (3) من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (ECHR)، والتي وقعت عليها المملكة المتحدة أيضًا. وفي عام 2023، منعت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أول طائرة من مغادرة المملكة المتحدة إلى رواندا، وحظرت على المملكة المتحدة ترحيل المهاجرين من خلال هذا المخطط لحين الفصل في هذه المعركة القضائية. على الرغم من الضغوط المحلية والدولية المتصاعدة لإعادة النظر في هذا التشريع بسبب المخاوف الدائرة حول عدم امتثاله للقانون الدولي، أعلنت الحكومة البريطانية أن مشروع القانون الجديد سيتضمن تدابير لتجاهل الأوامر الزجرية الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

 

سيكون صانعو السياسات البريطانيون متفائلين للغاية إذا اعتقدوا أن مثل هذه الإجراءات لن تضر بسمعة حكومتهم على الساحة الدولية. ومع ذلك، يبدو أنهم أكثر تركيزًا على الانتخابات المقبلة؛ فمع الانتخابات العامة المزمع إجراؤها في المملكة المتحدة هذا العام أو في أوائل عام 2025، تظل الهجرة قضية سياسية رئيسية. تمامًا مثل نظرائهم في الدول الأوروبية الأخرى، يميل صناع السياسات في المملكة المتحدة إلى استرضاء اليمين المتطرف في محاولة لكسب المزيد من الأصوات، فعلى الرغم من أن المسودة الأصلية للقانون قدمها رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، يبدو أن رئيس الوزراء الحالي ريشي سوناك يستغلها لتحقيق مكاسب سياسية خاصة به، حيث إن هذا الاتجاه المتمثل في تبني مواقف متشددة بشأن الهجرة لجذب أصوات اليمين المتطرف أصبح شائعًا بشكل مطرد في أوروبا.

 

على الرغم من ذلك، من المرجح أن تكون استراتيجية السيد سوناك بمثابة رهان خاسر، فاليمين منقسم حول قضية الهجرة لدرجة أن الدوائر الانتخابية اليمينية لا تزال تشكك في أي مرشح من التيار الرئيسي يتبنى خطابهم، ويشير هذا الانقسام إلى أن ترديد وجهات النظر اليمينية بشأن الهجرة لا يضمن حتى أصوات اليمين. بالنظر إلى هذه الحقائق، ليس من المفاجئ أنه على الرغم من جعل (قانون رواندا) سياسة رئيسية، فإن حزب المحافظين البريطاني يسجل أدنى معدلات استطلاعات الرأي على الإطلاق. علاوة على ذلك، لا تحتل الهجرة مرتبة عالية كقضية ملحة للبريطانيين؛ فعندما طُلب منهم ذكر ”أهم القضايا“ التي تواجه المملكة في عام 2023، ذكر 21% فقط من المشاركين في الاستطلاع “الهجرة” كقضية ذات أهمية قصوى، ولذلك فإن تحقيق انتصار سياسي بناء على هذه السياسة أمر مستبعد.

لا يستحق العناء

ورغم أن الضغوط المحلية والدولية تبدو غير كافية لردع صناع السياسات البريطانيين، فمن الضروري تقييم ما إذا كانت هذه السياسة ستحقق النتائج المرجوة منها. بادئ ذي بدء، قد تفوق التكاليف المالية لمشروع القانون مكاسبه السياسية. إذ يقدر المكتب الوطني لمراجعة الحسابات – الهيئة الرقابية الرسمية للإنفاق – أن خطط إرسال طالبي اللجوء إلى رواندا ستكلف المكلفين  1.8 مليون جنيه إسترليني لكل شخص من أول 300 شخص تقوم الحكومة بترحيلهم، وتبلغ التكلفة الإجمالية للمخطط أكثر من 1.5 مليار جنيه إسترليني وفقًا للأرقام الصادرة. التزم سوناك بالفعل بدفع مبلغ 370 مليون جنيه إسترليني من الخزانة العامة على اتفاق مدته خمس سنوات، مما يعني أنه حتى لو لم ترسل المملكة المتحدة أي شخص إلى رواندا، فسيظل هناك مبلغ كبير من المال تم انفاقه. كذلك يثير المبلغ الأولي الضخم والتكاليف المستمرة تساؤلات جدية حول فعالية هذه السياسة من حيث التكلفة.

 

علاوة على ذلك، فإن هذه السياسة ليست مكلفة فحسب، بل قد لا تكون فعالة سياسيًا بما يكفي لتبرير النفقات المتكبدة حيث أن النقل إلى الخارج كاستراتيجية لإدارة الهجرة ليس جديدًا. ففي عام 2001، حاولت أستراليا نقل طالبي اللجوء إلى مراكز الاحتجاز في جزيرة مانوس في بابوا غينيا الجديدة ودولة ناورو في جنوب المحيط الهادئ لمعالجة طلبات اللجوء. كما أن الاتحاد الأوروبي يتبع بالفعل سياسات الاستعانة بمصادر خارجية من خلال تمويل دول المرور العابر الثالثة لإبعاد المهاجرين وطالبي اللجوء عن الشواطئ الأوروبية، كذلك يُقال إن الميثاق الجديد للهجرة سيزيد من ترسيخ هذه السياسة من خلال استحداث ”آلية التضامن“ التي يمكن استخدام أموالها لتمويل مراكز الاحتجاز في دول ثالثة، ومن الحالات المماثلة قيام إسرائيل بترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا. إذ تهدف خطة ”المغادرة الطوعية“ الإسرائيلية إلى نقل اللاجئين الإريتريين والسودانيين إلى رواندا وأوغندا. وقد خُيّر هؤلاء اللاجئون – الذين عاش بعضهم في إسرائيل لأكثر من خمس سنوات – بين العيش في سجن إسرائيلي، وغالبًا في الصحراء، أو قبول ما يقرب من 3,500 دولار أمريكي مقابل ترحيلهم ”طوعًا“ إلى رواندا أو أوغندا.

 

ومع ذلك، لم تفِ رواندا بجانبها من الصفقة، فقد خلص تقرير أعده باحثون إسرائيليون نُشر في عام 2018 أن المرحلين من إسرائيل صودرت وثائق سفرهم عند وصولهم إلى رواندا وحُرموا من الحصول على حق اللجوء، فضلًا عن سلب أموال الكثير منهم أو سجنهم في ”فندق“ عند وصولهم، ولم يبق في رواندا من بين آلاف المرحلين من إسرائيل سوى سبعة أشخاص فقط، بينما واصل الباقون بحثهم عن اللجوء في مكان آخر. يثير هذا المثال تساؤلات جدية حول تعريف ”البلد الآمن“، إذ يستند مخطط المملكة المتحدة ورواندا، الذي يشار إليه أيضًا باسم ”مشروع قانون سلامة رواندا“، إلى كون رواندا بلدًا آمنًا. ومع ذلك، فقد أظهرت التجربة مع طالبي اللجوء الذين تم ترحيلهم من إسرائيل أن رواندا ليست كذلك. كما أنه لا ينبغي تعريف الأمان فقط من خلال انخفاض معدلات الجريمة – وهو معيار قد تحقق فيه رواندا نتائج جيدة – ولكن من خلال سلامة طالبي اللجوء ومعاملتهم، وهو جانب أثبتت رواندا بالفعل أنها غير آمنة فيما يتعلق به.

 

علاوة على ذلك، فإن سياسة رواندا ليست غير إنسانية فحسب، بل من غير المرجح أن تحل مشكلة الهجرة إلى المملكة المتحدة، على سبيل المثال عند الحديث عن ترحيل طالبي اللجوء من إسرائيل، فعلى الرغم من أن السلطات الرواندية كانت متعاونة للغاية في تسهيل حركة اللاجئين إلى أوروبا، إلا أنها لم تكن ملزمة باحتجاز الأشخاص أو معالجة طلبات لجوئهم أو مساعدتهم في العثور على عمل أو فرص جيدة. فما الذي سيدفعهم نحو البقاء؟

 

في نهاية المطاف، يبدو أن مصير (مشروع قانون رواندا) سيكون مشابه لمصير (خطة المغادرة الطوعية الإسرائيلية). فمن غير المرجح أن يردع مشروع قانون المملكة المتحدة ورواندا الهجرة غير الشرعية؛ في الواقع، بعد عام واحد من الإعلان عن مشروع القانون، زادت الهجرة غير الشرعية بواقع 17%، وبانتهاكه لمبادئ القانون الإنساني الدولي، مثل عدم الإعادة القسرية، فإنه يعرض حياة طالبي اللجوء للخطر بتكلفة مالية باهظة. يمكن النظر إلى مشروع قانون ”سلامة رواندا“ على أنه امتداد لسياسات الاستعانة بمصادر خارجية التي يتبناها الاتحاد الأوروبي ودول الشمال العالمي الأخرى، وقد أثبتت هذه السياسات – بعد اختبارها لسنوات – عدم فعاليتها، وهو مت يعني أن الغرب بحاجة إلى تغيير استراتيجياته في إدارة عملية الهجرة وشؤون المهاجرين.

المراجع

Barrett , David. “Dominic Raab Tries to Thwart Rwanda Flight Blockers with New Bill of Rights Set to Be Unveiled next Week Containing Measures to Effectively Ignore European Court of Human Rights Injunctions.” Daily Mail Online, June 18, 2022. https://www.dailymail.co.uk/news/article-10924969/Rwanda-Dominic-Rabb-pledges-rip-Labours-Human-Rights-Act.html

 

Bhalla, Nita, and Lin Taylor. “UK’s Rwanda Plan: Which Other Nations Send Asylum Seekers Abroad?” Context, April 23, 2024. https://www.context.news/socioeconomic-inclusion/besides-britain-which-nations-send-asylum-seekers-overseas

 

Express, The Indian. “What Is the UK Govt’s Recent Bill, Which Could Lead to Some Migrants Being Deported to Rwanda?” The Indian Express, April 23, 2024. https://indianexpress.com/article/explained/explained-global/uk-bill-migrants-rwanda-plan-9286181/

 

Faro, Mireia, and Tarek Megerisi. “UK’s Rwanda Bill Is Doomed for Political Failure.” Social Europe, April 29, 2024. https://www.socialeurope.eu/uks-rwanda-bill-is-doomed-for-political-failure

 

Guardian, The. “Rwanda Plan to Cost UK £1.8m for Each Asylum Seeker, Figures Show.” The Guardian, March 1, 2024. https://www.theguardian.com/uk-news/2024/mar/01/rwanda-plan-uk-asylum-seeker-cost-figures

 

international, amnesty. “Joint Civil Society Statement on the Rwanda Bill.” Amnesty International UK, 2024. https://www.amnesty.org.uk/joint-civil-society-statement-rwanda-bill

 

Lefief, Jean-Philippe. “Understanding the British Government’s Plan to Send Migrants to Rwanda.” Le Monde.fr, April 24, 2024. https://www.lemonde.fr/en/international/article/2024/04/24/understanding-the-british-government-s-plan-to-send-migrants-rwanda_6669425_4.html

 

Mohamed, Hashi. “The Rwanda Plan Has Failed Before.” UnHerd, June 19, 2022. https://unherd.com/2022/06/the-rwanda-plan-has-failed-before/

 

OHCHR. “OHCHR.” United Nations Human Rights Office of The High Commission. Accessed May 2024. https://www.ohchr.org/sites/default/files/Documents/Issues/Migration/GlobalCompactMigration/ThePrincipleNon-RefoulementUnderInternationalHumanRightsLaw.pdf

تعليقات

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *