يستعد مواطنو الاتحاد الأوروبي خلال شهر يونيو الجاري، للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية المرتقبة. ولطالما كانت الهجرة قضية مهمة لكل من الناخبين والمرشحين، ومع ذلك، وفقًا للعديد من المعلقين الذين استشهدوا باستطلاعات الرأي، فإن الهجرة ربما لم تعد تشكل مصدر قلق رئيسي، حيث طغت عليها قضايا أخرى مثل عدم الاستقرار الاقتصادي، وكوفيد-19، وتغير المناخ. من ناحية أخرى، تشير المزيد من التحليلات إلى أن الهجرة لا تزال قضية محورية، وفي حين أن المشاركين في استطلاعات الرأي قد لا يذكرون الهجرة صراحةً عند سؤالهم عن اهتماماتهم الأساسية، إلا أن أهميتها تبدوا واضحة جلية في مواقف المرشحين وتركيزهم على القضية، ويسلط الضوء على كونها عاملًا أساسيًا في الانتخابات المقبلة وتأثيرها المحتمل على النتائج.
مع اقتراب موعد الانتخابات الأوروبية، تشكل استطلاعات الرأي أهمية بالغة في التنبؤ بالفائزين المحتملين وتحديد المتخلفين عنهم، وتساعد هذه الاستطلاعات أيضًا في فهم القضايا والمتغيرات الرئيسية التي تهيمن على المشهد السياسي. وقد أسفرت دراسات حديثة حول الانتخابات الأوروبية المقبلة عن إحصاءات تقيس أهمية قضايا محددة، بما في ذلك الهجرة، بالنسبة للناخبين وتأثيرها المحتمل على نتائج الانتخابات. على سبيل المثال، في استطلاع حديث للرأي، ردًا على سؤال جاء فيه: “أي من القضايا التالية غيرت بشكل كبير نظرتك للمستقبل على مدار العقد الماضي؟” احتلت الهجرة المرتبة الرابعة، بعد كوفيد-19، وتغير المناخ، والاضطرابات الاقتصادية. وفي حين يفسر بعض الخبراء هذه النتائج على أنها إشارة إلى تضاؤل أهمية الهجرة، يمكن القول إن هذه الأرقام قد تكون مضللة لعدة أسباب.
في البداية، قد يتلقى الباحثون استجابات متباينة من نفس الشخص بناءً على أسلوب السؤال وصياغته. فعلى سبيل المثال، في الاستطلاع المذكور أعلاه، عندما يُسأل المستجيبون عن المستقبل، يميل معظمهم إلى التفكير في القضايا المرتبطة عادة بالمخاوف المستقبلية في الخطاب السائد، مثل القضايا البيئية والظروف الاقتصادية، وقد لا تتبادر الهجرة إلى الذهن على الفور في هذا السياق. ومع ذلك، فإن تغيير الصياغة وطرح السؤال بطريقة مختلفة قد يثير استجابات متباينة، فعلى سبيل المثال، إذا تم سؤال الأوروبيين بشكل مباشر عن تصورهم للهجرة باعتبارها تهديدًا أو فائدة، فإن الإجابات قد تختلف وتتباين بشكل ملحوظ.
في نفس الدراسة، سُئل الناخبون الأوروبيون أيضًا عن آرائهم حول تعامل الاتحاد الأوروبي مع القضايا الرئيسية، بما في ذلك تغير المناخ، والهجرة، وكوفيد-19، والغزو الروسي لأوكرانيا، والاضطرابات الاقتصادية. وحصلت الهجرة على أعلى نسبة من الردود السلبية، حيث وصف 71% من المشاركين طريقة تعامل الاتحاد الأوروبي معها بأنها “سيئة للغاية”. ويشير هذا إلى أنه على الرغم من تصنيفها في مرتبة أدنى من بين الاهتمامات المستقبلية، إلا أن الهجرة تظل قضية مهمة بالنسبة للعديد من الناخبين.
تدعم هذه الأرقام الحجة القائلة بأن صياغة السؤال يمكن أن تؤدي إلى نتائج مختلفة. فعندما يتم ذكر الهجرة صراحة، فإنها تبرز باعتبارها القضية الأهم. ومع ذلك، فإن إرجاع هذا الاختلاف إلى صيغة السؤال فقط ليس تفسيرًا شاملاً، فالسبب الآخر الذي قد يجعل الهجرة لا تتبادر إلى الذهن على الفور عندما يُسأل المجيبون عن أهم القضايا التي تواجه الكتلة هو طبيعتها الفريدة وخصائصها الخاصة.
ويقال إن العوامل الرئيسية التي تشكل المواقف تجاه الهجرة تنبع عادة من التنشئة الاجتماعية في وقت مبكر من الحياة، والميول النفسية، والموقف السياسي الشامل للفرد، وتتميز هذه العناصر بثباتها وقدرتها على الصمود في مواجهة التغييرات. ومع ذلك، وعلى الرغم من طبيعتها الدائمة، فإن المواقف تجاه الهجرة ربما تتأثر بعوامل خارجية وليس داخلية، فالتغيرات في البيئة، بما في ذلك التحولات الهيكلية والتعديلات في المتغيرات الأخرى، قد تسبب تقلبات مؤقتة في المواقف تجاه الهجرة. وبالتالي، فإن أهمية الهجرة، كعامل خارجي، لا يمكن التنبؤ بها إلى حد كبير وتتأثر بالأحداث المتعلقة بالهجرة مثل موجات التدفق أو الأزمات، والظروف الاقتصادية، وبروز قضايا مجتمعية أخرى.
مع الأخذ في الاعتبار أن الهجرة كمشكلة لا تنشأ من فراغ، إلا أنه كثيراً ما تؤدي المخاوف بشأن ارتفاع تكاليف المعيشة والفقر والبطالة إلى اعتبار الهجرة كبش فداء في وسائل الإعلام والخطاب السياسي، وهو ما يشكل التصور العام والذي يؤثر على كيفية تعاطي المجتمع مع قضية الهجرة. وقد تتزامن هذه المخاوف أيضًا مع تفاقم المخاوف بشأن زيادة وصول المهاجرين وطالبي اللجوء إلى أوروبا. ويكشف استطلاع يوروباروميتر، الذي يُقَيِم المشاعر العامة بشكل متكرر، أن الناخبين الذين يستعدون لانتخاب برلمان أوروبي جديد يعطون الأولوية لمخاوف مثل الفقر، وتكاليف المعيشة، والاستبعاد الاجتماعي. وقبل الهجرة، تحظى قضايا مثل الصحة والتوظيف والدفاع والأمن، وحتى أزمة المناخ، بأهمية أكبر في أذهان عامة الناس.
ويستمر هذا الاتجاه حتى في دول مثل إيطاليا، حيث شهدت الهجرة غير النظامية من تونس عبر البحر الأبيض المتوسط ارتفاعًا ملحوظًا خلال العام السابق، وكذلك في المجر والبرتغال ورومانيا وسلوفاكيا. كما أن بروز هذه المخاوف في طليعة قائمة القضايا الأكثر إلحاحًا لا يقلل من أهمية الهجرة؛ بل يؤكد على أهميتها، مع الأخذ في الاعتبار أن كل هذه المتغيرات تتقاطع مع الهجرة وتتأثر بها بطرق مختلفة.
على الرغم من أن الأرقام قد تكون مضللة في بعض الأحيان، إلا أن المرشحين الأوروبيين يظهرون ذكاءً وفهمًا عميقًا لمشاعر ناخبيهم، وغالبًا ما يتجاوزون مجرد الاعتماد على نتائج استطلاعات الرأي، كما أن نظرة فاحصة على الأحزاب البارزة المتنافسة على الانتخابات البرلمانية الوشيكة تكشف عن الأهمية الملحوظة للهجرة في برامج جميع الأحزاب الأوروبية، وتتعمق هذه الوثائق بشكل مكثف في مفهوم الهجرة وتقترح طرقًا للاتحاد الأوروبي لمعالجتها. ومع ذلك، تؤكد السياسة المحلية والإقليمية على الأهمية المتزايدة للهجرة كقضية محورية. وقد أجبر ارتفاع شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة بين الناخبين صناع السياسات الوسطيين والأحزاب السائدة على تكييف خطابهم، وتبني موقف أكثر معاداة للهجرة. ومن أمثلة هذا التحول سن قانون جديد للهجرة من قبل البرلمان الفرنسي في ديسمبر الماضي وتغيير رئيسة البرلمان الأوروبي “أورسولا فون دير لاين” لموقفها بشأن الهجرة.
وقد انتقلت بعض الأحزاب، مثل حزب الشعب الأوروبي، الذي كان يُنظر إليه في البداية باعتباره يمين الوسط، نحو اليمين المتطرف، وخاصة في نهجها في التعامل مع المسائل المرتبطة بالهجرة. ويدعو بيانهم الانتخابي إلى “تغييرات جوهرية في نظام اللجوء الأوروبي” ويؤكد على أهمية تحديد كل من المستفيدين من اللجوء وأماكن منحه. وتكتسب الطبيعة التفصيلية لهذه الأحكام أهمية خاصة، وتحديدًا عند النظر إلى نماذج مثل ترتيبات “المملكة المتحدة ورواندا”. وعلى نحو مماثل، تروج الأحزاب اليمينية مثل المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين في برامجها الانتخابية لتدابير أمنية معززة على الحدود، وتدعو إلى اتخاذ “تدابير استباقية خارج الحدود” لوقف تدفقات المهاجرين. ويحتل ميثاق الهجرة واللجوء مكانة بارزة في هذه البرامج الانتخابية، ويُنظر إليه على أنه خطوة أولية نحو تعزيز أمن أوروبا.
وفي حين تحولت بعض الأحزاب الرئيسية والسياسيين صوب اليمين، حافظ آخرون على موقف يميل إلى اليسار في بياناتهم الرسمية. على سبيل المثال، تؤكد مبادرة “تجديد أوروبا” على أهمية دعم حقوق الإنسان والمعاملة الكريمة لطالبي اللجوء، إلى جانب ضرورة التحلي بالوضوح القانوني والشفافية في التعامل مع قضاياهم. وعلى العكس من ذلك، انتقد كل من حزب الخضر وحزب اليسار الأوروبي ميثاق الهجرة واللجوء الذي أقره البرلمان الأوروبي مؤخرًا. وقد أدان حزب الخضر ما يعتبرونه “صفقات قذرة” مع دول ثالثة وطالبوا بقدر أكبر من المساءلة لوكالة “فرونتكس”، وهي مهمة البحث والإنقاذ التي يقودها الاتحاد الأوروبي في البحر الأبيض المتوسط. وفي الوقت نفسه، اتخذ حزب حزب اليسار الأوروبي موقفًا أكثر تطرفًا، حيث دعا إلى إلغاء اتفاقية دبلن وأيضًا الإلغاء الكامل للاتفاقية الجديدة. ويدعو التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين من يسار الوسط إلى إنشاء حدود آمنة وضمان حماية حقوق الإنسان في معاملة المهاجرين.
وتؤكد الاستراتيجيات التي اعتمدها صناع السياسات والمرشحون الأوروبيون في معالجة قضية الهجرة على أهميتها، ودورها المحوري في الانتخابات المقبلة. ورغم أن هناك تحولًا سائدًا نحو المواقف ذات التوجه اليميني، إلا أن بعض الأحزاب تتبنى نهجًا يساريًا. وفي حين أن هذه المواقف ترتكز عادة على أيديولوجيات الحزب ومبادئه، فمن المرجح أن تلعب الاعتبارات السياسية أيضًا دورًا في عمليات صنع القرار.
ربما تستفيد الأحزاب اليسارية بشكل استراتيجي من الأبحاث الأخيرة التي تشير إلى أن محنة اللاجئين الفارين من الصراعات وأزمات المناخ، سواء من غزة أو أوكرانيا أو القرن الأفريقي، تضرب على وتر حساس لدى الأوروبيين، مما قد يخفف من مقاومتهم للهجرة. وتسلط هذه الرؤية الضوء على مدى تعقيد قضية الهجرة، التي تتجاوز مجرد البيانات الرقمية والإحصائيات وتتشكل بفعل عوامل مختلفة والمشهد الهيكلي الأوسع. وبالتالي، فإن استطلاعات الرأي التي تشير إلى افتقار قضية الهجرة إلى الزخم قد لا تدرك بشكل كامل أهميتها الحقيقية، مما يدفع إلى الدعوة إلى إجراء تحقيق وتحليل أعمق لسبر أغوارها. وبالتالي، تبرز الهجرة كعنصر حاسم في السياسة الأوروبية، بل وله تأثير كبير على نتائج الانتخابات الأوروبية الوشيكة.
Kustov, Alexander. “How Immigration Could Shape the Elections of 2024.” EUROPP, February 19, 2024. https://blogs.lse.ac.uk/europpblog/2024/02/19/how-immigration-could-shape-the-elections-of-2024/
Leonard, Mark, and Ivan Krastev. “A Crisis of One’s Own: The Politics of Trauma in Europe’s Election Year.” ECFR, February 8, 2024. https://ecfr.eu/publication/a-crisis-of-ones-own-the-politics-of-trauma-in-europes-election-year/
Matteo__Pedra, Matteo Pedrazzoli, Federico Baccini @federicobaccini, Simone De La Feld @SimoneDeLaFeld1, and Emanuele Bonini emanuelebonini. “From Asylum Pact to Border Pact. Von Der Leyen’s Change of Narrative on Migration.” Eunews, March 12, 2024. https://www.eunews.it/en/2024/03/07/from-asylum-pact-to-border-pact-von-der-leyens-change-of-narrative-on-migration/
Matteo__Pedra, Matteo Pedrazzoli, Federico Baccini @federicobaccini, Simone De La Feld @SimoneDeLaFeld1, and Emanuele Bonini emanuelebonini. “The Parties’ Electoral Agendas/ 3: Migration between Externalization, New Pact and Strengthened Borders.” Eunews, May 21, 2024. https://www.eunews.it/en/2024/05/14/european-elections-manifesto-migration/
Merritt, Giles. “Migration Will Decide the EU Elections: True or False?” Friends of Europe, April 23, 2024. https://www.friendsofeurope.org/insights/migration-will-decide-the-eu-elections-true-or-false/
Millender, Michaela. “Intelbrief: How Will Migration Impact the Electoral Prospects of Europe’s Far-Right?” The Soufan Center, January 9, 2024. https://thesoufancenter.org/intelbrief-2024-january-10/
O’Carroll , Lisa. “Poverty Is Bigger Issue for EU Voters than Migration, Survey Shows.” The Guardian, April 17, 2024. https://www.theguardian.com/world/2024/apr/17/poverty-is-bigger-issue-for-eu-voters-than-migration-survey-shows
Party, EPP – European People’s. “European People’s Party.” EPP, 2024. https://www.epp.eu/papers/epp-manifesto-2024
تعليقات