أعلنت المفوضية الأوروبية في يونيو 2022 أنها منحت أوكرانيا صفة "الدولة المرشحة لعضوية الإتحاد الأوروبي"، ورغم ذلك، لا تزال المشكلات المتعلقة بأوكرانيا مثل معاناتها من مشكلات اقتصادها ونظامها السياسي مطروحة على الطاولة وتدفع للنظر لها بوصفها تعاني العديد من المعوقات التي تحول دون انضمامها لا سيما عند مقارنتها بالمرشحين الأوروبيين الآخرين، وبالنظر إلى الإنضمام للاتحاد الأووروبي نجد أنه يتم عقب إجراء عملية تقييم تستند إلى ما يعرف ب"معايير كوبنهاجن. (Copenhagen Criteria) التي أعلن مسؤولون أوروبيون أنها ستظل القواعد الحاكمة لعملية انضمام أوكرانيا، وعلى نفس المنوال، منحت المفوضية مولدوفا والتي تعتبر جزءًا من دائرة نفوذ روسيا نفس الصفة الممنوحة لأوكرانيا، وبمراعاة كل ما سبق، وفي ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، يتعين هنا طرح سؤال جوهري حول ما إذا كان قرار ترشيح أوكرانيا للإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي يستند إلى الاستحقاق أم أنه قرارًا مسيسًا؟ تُـرى هل سيتكرر مع أوكرانيا سيناريو التوسع السادس لانضمام بلغاريا ورومانيا وهما غير مؤهلين باعتباره مكافأة على دورهما في حرب كوسوفو؟ ومع الأخذ في الاعتبار ما ورد أعلاه، يتناول التحليل الراهن دلالات وأسباب قبول منح أوكرانيا صفة دولة مرشحة لعضوية الإتحاد الأوروبي" ، وتقييم مدى التزامها بمعايير كوبنهاجن، والتي تتضمن ما يلي:
يُعد التقييم السياسي التقييم الأول من بين المعايير الثلاثة لكوبنهاجن، والذي يستند إلى معايير كوبنهاجن المتعلقة باستقرار المؤسسات التي تضمن الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان واحترام الأقليات وحمايتها، ويوضح هذا الجزء من التحليل ما إذا تطورت الديمقراطية الأوكرانية من 2021 إلى 2022 مما يؤهلها للحصول على صفة المرشح، ويمكن في البداية مناقشة مسألة الديمقراطية في أوكرانيا. على سبيل المثال، وضح مؤشر ﻓرﻳدم ﻫﺎوس (Freedom House) بعض أوجه القصور في النظام الديمقراطي الأوكراني مما منحه درجة إجمالية تبلغ 39 من أصل 100 وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تصنيفها على أنها نظام انتقالي/ هجين (Transitional/ Hybrid) . كما تجدر الإشارة إلى انخفاض تصنيف وسائل الإعلام الذي يعتبر من أهم مؤشرات الديمقراطية في دولة معينة في 2022 من 3.75 إلى 3.50 نظرًا لفرض عقوبات على الصحفيين المحليين وإغلاق ثلاث قنوات تلفزيونية، وتؤدي مقارنة الدرجات الممنوحة لأوكرانيا بتلك الممنوحة للدول الأخرى التي لم تمنح بعد حق الترشح إلى الاتحاد الأوروبي إلى إثارة تساؤلات بشأن صحة قرار المفوضية الأوروبية، وتعتبر جورجيا وكوسوفو مرشحتين محتملتين يسجلان 56 و 38 على التوالي، وتتجاوز كلتا الدرجتين نظيرتها في أوكرانيا ، ويعد مثال جورجيا أكثر وضوحًا بشكل مثير للاهتمام في إظهار كيف يتم النظر إلى دولة “شبه حرة” (Partly Free) على أنها أقل ملاءمة من دولة أخرى ذات نظام (Hybrid) ، ورغم ذلك، فإن مقارنة أوكرانيا بنفسها توضح أنه بين 2021 و 2022 لم تحدث اختلافات كبيرة لتبرير ارتقاء الدولة من صفة محتملة(Potential Candidate) إلى صفة مرشح، وتبين من التقرير السنوي للمفوضية الأوروبية لسنة 2021 وجود ثغرات في نظامها الديمقراطي، وتتعلق هذه الثغرات بشكل أساسي بالحاجة الملحة لإصلاح المحكمة الدستورية والجهود اللازمة لمكافحة الفساد وعمليات غسيل الأموال فضلًا عن مكافحة الجريمة المنظمة وما يثير الدهشة أنه في تقرير سنة 2022 الذي يعترف بأوكرانيا بصفتها مرشح لم يذكر التحسينات المتعلقة بالقضايا ذاتها الواردة في الإصدار السابق. كما أنه لا تزال المحكمة الدستورية في حاجة ماسة للإصلاح بالإشارة إلى التشريع المعلق في البرلمان، ولا تزال قضايا غسل الأموال كذلك قائمة مع ضرورة الامتثال لأنظمة مجموعة العمل المالي المتعلقة بعمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. وفي الختام، لا يزال الفساد يمثل مشكلة وفقًا لتقرير عام 2022 الذي أشار إلى 72 حكمًا ضد أعضاء البرلمان ووكلاء نيابة والقضاة ورؤساء الشركات المملوكة للدولة وهذا من شأنه أن يكشف عن سجل حافل من قضايا الفساد والتدخلات السياسية في عمل وكالات إنفاذ القانون .
تستند المعايير الاقتصادية إلى معايير كوبنهاجن المتعلقة بوجود اقتصاد سوق فعال والقدرة على مواجهة الضغوط التنافسية وقوى السوق داخل الاتحاد، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن تقييم الاتحاد الأوروبي لسنة 2022 بشأن أوكرانيا قد تم في ظروف غامضة للغاية تتعلق بالحرب القائمة في أوكرانيا. كما يستند في العديد من أجزائه إلى بيانات ما قبل الحرب، وأشار التقرير إلى أوجه الضعف في أجزاء كثيرة من الاقتصاد الأوكراني والتي تعكس إلى حد ما وجود خلل وظيفي في اقتصاد السوق الذي يعد شرطًا أساسيًا للحصول على العضوية الأوروبية، وتعاني بيئة الأعمال في أوكرانيا من أوجه قصور من شأنها أن تؤدي إلى نقص الاستثمارات نظرًا لضعف المؤسسات وانتشار الهيمنة على السوق وعدم فعالية سياسة مكافحة الاحتكار، ومن الجدير بالذكر أن بصمة الدولة في الاقتصاد الأوكراني لا يستهان بها وذلك بوجود أكثر من 3500 شركة مملوكة للدولة تمثل 18 ٪ من العمالة، ولا تزال أسواق رأس المال والوساطة المالية غير المصرفية في مرحلة مبكرة للغاية مقارنة بالمعايير العالمية والأوروبية مما يجعلهم عاجزين عن تقديم أي خيارات تمويل قابلة للتطبيق للشركات، كل هذا من شأنه أن يجعل أوكرانيا غير قادرة على مواجهة القدرة التنافسية لقوى السوق داخل الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى مشكلة أخرى طرأت وهي تدهور حالة البنية التحتية بسبب العدوان الروسي بصورة أساسية. وفي الختام، انكمش التنوع الاقتصادي والانفتاح على حد سواء خلال السنوات الماضية وزاد الوضع سوءًا بسبب الحرب، وبناءً عليه لا تظهر مقارنة التقرير المتعلق بأوكرانيا بتقرير السنوات السابقة الكثير من التطور ، كما تبقى حقيقة مهمة للغاية وهي أن تقرير سنة 2022 اعتمد بشكل أساسي، لا سيما في الجزء المتعلق بالمعايير الاقتصادية على بيانات من سنوات ما قبل الحرب مما أثار شكوكًا بشأن مصداقية قرار المفوضية. ويثير تساؤلا مؤداه: هل تغير أي شيء عن السنوات الماضية باستثناء العدوان الروسي؟
يتعلق التقييم الثالث لمعايير كوبنهاجن بقدرة الدولة على تحمل التزاماتها فيما يتعلق بتنفيذ تشريعات الاتحاد الأوروبي والوفاء بالتزاماتها السياسية والاقتصادية، حيث خلص أحدث تقارير التقييم التي صدرت قبل الحرب إلى أن أوكرانيا غير مؤهلة بعد، وشهدت سنوات ما قبل الحرب أزمة كوفيد- ١٩ التي أثرت بشكل كبير على الجهود الحكومية في الإصلاحات مما أدى إلى عدم الامتثال لاتفاقية الشراكة الموقعة مع الاتحاد الأوروبي، وأشارت الملاحظات الختامية للتقرير إلى الحاجة إلى بذل الجهود في قطاعات مثل حوكمة الشركات في الشركات المملوكة للدولة وإجراء الإصلاحات الحاسمة في مجال القضاء وسيادة القانون. كما أوصي تقرير سنة 2022 بمنح أوكرانيا صفة المرشح بناءً على السجل المرضي لتنفيذ تشريعات الاتحاد الأوروبي، ولم تذكر بيانات محددة في هذا الجزء من السجل، وهو ما يؤدى إلى القول بأنها تستند بصورة أساسية إلى تحليل سطحي للوضع الحالي في أوكرانيا أو ربما تحليل متحيز لأنه ببساطة ما الذي يمكن إنجازه على هذه المستويات في أوكرانيا خلال الحرب؟ هل تمكن المسؤولون الأوكرانيون من العمل على تحقيق تشريعات الاتحاد الأوروبي أثناء الحرب؟
عندما صرح الرئيس الفرنسي ماكرون بأن قبول انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي يستغرق عقودًا، واقترح أن الدولة بإمكانها أن تنضم إلى “المجتمع الأوروبي الموازي” “A parallel European community”، يعزز الحجة التي تم طرحها في التحليل، حيث يعد قبول الاتحاد الأوروبي ترشيح أوكرانيا على الرغم من إدراكه أن انضمامها يستغرق عقودًا، قرارًا مسيسًا بحتًا لا يستند إلى تقييم موضوعي قائم على المعايير الواردة في تشريعات الاتحاد الأوروبي، وبعد الاطلاع على تقارير 2022 والسنوات السابقة، يتضح أن شيئًا واحدًا فقط قد تغير في أوكرانيا، وهو الذي أدى إلى هذه الترقية، ألا وهو العدوان الروسي. وعلى أية حال، يمتلك الاتحاد الأوروبي سوابق في اتخاذ مثل هذه القرارات المسيسة مثل: انضمام بلغاريا ورومانيا على النحو المذكور من قبل، ورغم ذلك، يختلف الأمر قليلًا هذه المرة لأنه لن يؤدي إلى الانضمام النهائي لأوكرانيا في المستقبل القريب على الأقل.
Gitlan, Victor. “The European Union Awards Moldova Candidate Status.” GRATA International, 2022. https://gratanet.com/publications/the-european-union-awards-moldova-candidate-status
Boldrin, Michele, and Fabio Canova. “Regional Policies and EU Enlargement,” 2023.
Lex, EUR. “Accession Criteria (Copenhagen Criteria).” EUR, 2023. https://eur-lex.europa.eu/EN/legal-content/glossary/accession-criteria-copenhagen-criteria.html
House, Freedom. “Ukraine: Nations in Transit 2022 Country Report.” Freedom House, 2022. https://freedomhouse.org/country/ukraine/nations-transit/2022
Commission, European. “EU Candidate Countries’ & Potential Candidates’ Economic Quarterly (CCEQ) – 1st Quarter 2022.” Economy and Finance, April 29, 2022. https://economy-finance.ec.europa.eu/publications/eu-candidate-countries-potential-candidates-economic-quarterly-cceq-1st-quarter-2022_en
House, Freedom. “Georgia: Freedom in the World 2022 Country Report.” Freedom House, 2022. https://freedomhouse.org/country/georgia/freedom-world/2022
House, Freedom. “Kosovo: Freedom in the World 2022 Country Report.” Freedom House, 2022. https://freedomhouse.org/country/kosovo/freedom-world/2022
Commission, European. “European Neighbourhood and Enlargement Negotiations.” European Commission, 2022. https://commission.europa.eu/about-european-commission/departments-and-executive-agencies/european-neighbourhood-and-enlargement-negotiations_en
Lex, EUR. “Lex – 32022R1906 – En – EUR-Lex.” EUR, 2022. https://eur-lex.europa.eu/legal-content/EN/TXT/?uri=CELEX%3A32022R1906
تعليقات