تلقت إدارة شرطة سان دييغو في 30 نوفمبر موافقةً من مجلس المشرفين لنشر روبوتات قادرة على القتل في حالات الطوارئ، ما يجعلها ثاني مدينة في كاليفورنيا تناقش علنًا استخدام القوة المميتة عن بُعد بعد مدينة أوكلاند في أكتوبر 2022، ولكن أدى هذا القرار إلى ردود فعل عنيفة دفعت مجلس المشرفين إلى تعليق البرنامج عقب التصويت الذي جرى في السادس من ديسمبر.
ربما أوقفت سان دييغو وأوكلاند استخدام “الروبوتات القاتلة” في الوقت الحالي، ولكنها استُخدمت سابقًا في الولايات المتحدة، وتحديدًا في عام 2016 حينما استخدمت شرطة دالاس روبوتًا لقتل مطلق النار الذي قتل خمسة من رجال الشرطة وتسبب في جرح العشرات. وكان هذا الروبوت مُجهزًا بقنابل ومتفجرات، ثم نُقِل إلى جدارٍ خلف مطلق النار قبل أن تنفجر القنابل الموجودة به مما أسفر عن مقتل مطلق النار وإلحاق أضرار طفيفة بذراع الروبوت، لتشهد هذه الحادثة أول استخدام لـ “روبوت قاتل” من قِبَل سلطات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة.
لم تكن هذه أول مرة يُستخدم فيها روبوت لإنفاذ القانون المحلي في إدارات الشرطة الأمريكية، حيث استعان الكثير منها بالروبوتات الشرطية لما يقرب من عقدٍ من الزمان، ولكن اقتصر استخدام تلك الروبوتات على فحص الطرود المشبوهة أو تنفيذ عمليات التسليم والتسلم أثناء مفاوضات الرهائن لتجنب المخاطرة برجل الشرطة وليس لأغراض القتل حتى عام 2016.
على الرغم من أن “الروبوتات القاتلة” تجذب انتباهنا لأنها تجبرنا على تخيل مستقبل بائس يكون فيه تطبيق القانون أشبه بأحداث فيلم روبوكوب “الشرطيّ الآليّ”، فإنه من المرجح أن يكون استخدام الذكاء الاصطناعي في تطبيق القانون أمرًا عاديًا في المستقبل بغض النظر عن أنه يُنظر إليه في الوقت الحالي على أنه أكثر خطورة من “الروبوتات القاتلة”، لذا نحن بحاجةٍ فقط إلى إلقاء نظرة على الصورتين أدناه واختيار أيهما يبدوا أكثر تهديدًا.
هل هو الروبوت المجهز بمدفع أم الروبوت الذي يشبه إلى حدٍّ ما سلة المهملات؟ سنفترض أن “الروبوت القاتل” هو الذي يمثل تهديدًا أكبر لنا، لكن على الرغم من كونه مسلحًا، فإنه لا يتعامل إلا مع العناصر البشرية، وإلا فهو مجرد قطعة معدنية بوزن 400 كجم مزودة بمدفع. وعلى الجانب الآخر، تعمل سلة المهملات اللطيفة بشكلٍ مستقلٍ تمامًا وتراقب الأشخاص باستمرار وتستطيع فحص لوحة الترخيص الخاصة بك وهاتفك المحمول والتعرف عليك فضلًا عن الإبلاغ عن الأشخاص المشتبه بهم. وتعتمد قدرة هذا الروبوت في التعرف على الأشخاص والإبلاغ عن المشتبه بهم على خصائص الذكاء الاصطناعي المثبتة به، مما يجعل نتائجه حيادية وليس بها أي تحيز عنصري، لذا فهو قادر بشكل مثالي على تقييم من يفحصهم ومستوى التهديد الذي يواجهه. وهذا أمر في بالغ الأهمية لأن الذكاء الاصطناعي الحالي بعيد كل البعد عن الكمال، بل وفي بعض الحالات يخطئ في التعرف على الأفراد ذوي البشرة الداكنة أكثر بكثير من ذوي البشرة الفاتحة، مما يشير إلى ضرورة تدريب الذكاء الاصطناعي على البيانات ومختلف ألوان البشرة لأن الأشخاص ذوي البشرة الملونة يشكلون غالبية سكان العالم.
على الرغم من أن التمييز العنصري يمثل مشكلةً خاصة في الولايات المتحدة تتطلب استخدام روبوتات إنفاذ القانون، فإن ذلك لم يقتصر على الولايات المتحدة فحسب، حيث استخدمت الصين الروبوتات المستقلة في مطاراتها وطرقها واستعانت شرطة شنغهاي بالكلاب الآلية والطائرات بدون طيار لمراقبة الامتثال لتدابير الإغلاق المفروضة أثناء جائحة كورونا. كما أطلقت دبي أول شرطي آلي إماراتي لديه كاميرات مدمجة متصلة مباشرةً بمراكز قيادة الشرطة حيث تم نشره في مراكز التسوق وغيرها من المعالم السياحية، فضلًا عن استخدام طائرات بدون طيار خلال معرض إكسبو 2020 لتأمين الحدث بما تتمتع به من قدرةٍ على اكتشاف 92 نوعًا من الحوادث، منها الحرائق وحوادث المرور.
لا شك في أن هذه الروبوتات تُعد أقل تهديدًا مقارنةً بـ “الروبوتات القاتلة” لأنها ليست مسلحة ويجري التسويق لها على هذا النحو، خاصةً في ظل تفاخر الشركات المصنعة لها بقدراتها على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع الأشخاص. لكن تبقى قدرتهم الحالية على الحراسة والمراقبة المقترنة بالابتكار المستمر في مجال الذكاء الاصطناعي تثير مخاوف جدية بشأن مستقبل احترام الخصوصية والمراقبة والعلاقة بين الشرطة والمواطنين.
بالعودة إلى سان دييغو، نجد أن ردود الفعل العنيفة ضد “الروبوتات القاتلة” تركزت على زيادة عسكرة الشرطة، خاصةً وأن شرطة الولايات المتحدة تتمتع بما يكفي من القدرة على تجهيز نفسها بالتكنولوجيا العسكرية من خلال برنامج وزارة الدفاع 1033 الذي يهدف لنقل المعدات العسكرية الفائضة إلى أقسام الشرطة المحلية مثل روبوت التخلص من الذخائر المتفجرة الذي استُخدم في دالاس في عام 2016.
لذا، يتطلب فهم مستقبل الروبوتات والذكاء الاصطناعي بشكلٍ أفضل في مجالات إنفاذ القانون المحلي معرفة التطبيقات العسكرية الحالية حتى نكون على علمٍ بالتقنيات التي يمكن أن تتبناها الشرطة في المستقبل لأن الحرب عادةً ما تكون مصدر الإلهام والابتكار في مثل هذه المجالات.
على الجانب الآخر، تمكنت إسرائيل من اغتيال كبير العلماء النوويين الإيرانيين باستخدام مدفع مزود بالذكاء الاصطناعي قادر على إطلاق 600 طلقة في الدقيقة الواحدة ويعمل على بعد آلاف الكيلومترات عبر الأقمار الصناعية. وهذه التقنية ليست جديدة على إسرائيل لأنها تستخدمها بالفعل في مراقبة الحدود التي تحتلها، لكن يُعد هذا أول استخدام معروف لها في عمليةٍ خارجية. وينضم هذا المدفع المدعوم بالذكاء الاصطناعي إلى طائرة مقاتلة بدون طيار ضمن قائمةٍ طويلة من الروبوتات القادرة على القتل التي تمتلكها إسرائيل، ومع ذلك حينما تُرصد طائرة بدون طيار ويتم إسقاطها في السماء، يصبح العثور على مدفع رشاش بسيط فيها أمرٌ بالغ الصعوبة.
في السابق، كان العنصر البشري هو من يشغل “الروبوتات القاتلة” وليس الروبوت نفسه مما يعني أن الآلة كانت غير قادرة على القتل من تلقاء نفسها، ولكن تغير هذا الوضع في عام 2021 عندما سلط تقرير من الأمم المتحدة الضوء على برمجة الطائرات التركية بدون طيار لمهاجمة الأهداف دون الحاجة إلى التوجيه من العنصر البشري، في إشارةٍ إلى تحول الروبوتات القاتلة من اعتمادها على العنصر البشري إلى روبوتات قاتلة من تلقاء نفسها.
إن توظيف تكنولوجيا الحرب الحالية في مجالات إنفاذ القانون المحلي هي مجرد مسألة وقت لا أكثر وستحدث لا محالة. ووفقًا لأحد استطلاعات الرأي، عارض 61٪ ممن شملهم الاستطلاع أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل، مع عدم إغفال أن النسبة تتباين من بلدٍ لآخر حسب ظروف كل بلد ومن المرجح أن تقل مع تعرض العالم لمستوياتٍ جديدة من التهديدات.
وهذا يثير حفنةً من الأسئلة حول مستقبل الذكاء الاصطناعي في مجال إنفاذ القانون مثل: ماذا سيعمل رجال الشرطة في ظل أتمتة بعض وظائفهم الأكثر تقليدية؟ وكيف ينبغي تثقيف وتدريب مسئولي إنفاذ القانون على استخدام هذه الآلات؟ وكيف سيتم الحفاظ على العلاقة بين الإنسان والروبوت الشرطي؟
حاليًا، قد تبدو الروبوتات الشرطية لطيفة ونجد أنه من الممتع التقاط الصور معها حيث تسوق لها الشركات التي تنتجها على هذا النحو، ولكن عندما ندرك أنها تفعل ذلك لمراقبتنا باستمرار، فهل سنكون متحمسين لالتقاط صور سيلفي معهم أم أن الأمر سيختلف تمامًا؟ وإلى أي مدى سنجدهم لطيفين في ظل امتلاكهم القدرة على القتل والنظر إلينا ببساطة على أننا مجرد بيانات؟ وهل نحن على استعدادٍ لتحمل مواصلة تعريض حياة البشر للخطر في حين أنه يمكن الاستعاضة عنهم بالروبوتات أم ماذا؟
تعليقات