أطلق الجيش الإسرائيلي حملة تجنيد تعرض على طالبي اللجوء الإقامة في إسرائيل مقابل الخدمة في الجيش الإسرائيلي، حيث تعاني الحكومة الإسرائيلية بالفعل من نقص في القوى البشرية اللازمة لحربها على مختلف الجبهات وتحديدًا غزة وعلى طول الحدود اللبنانية. وفي حين أن هذه السياسة ليست فريدة من نوعها بالنسبة لإسرائيل، إلا أنها تثير قضايا قانونية وإنسانية كبيرة وتزيد من حالة عدم اليقين بالنسبة للاجئين وطالبي اللجوء في أوروبا. ومع الضغوط الناجمة عن حرب روسيا وأوكرانيا ومعضلات التجنيد الإجباري، هناك مخاوف من أن أوروبا قد تتبنى استراتيجيات مماثلة، مما يضيف المزيد من عدم الاستقرار إلى السكان المعرضين للخطر.

من الحماية إلى العسكرة

من المفارقات أن إسرائيل ــ الدولة التي أسسها اللاجئون ــ كانت تنظر تاريخيا إلى الهجرة باعتبارها قضية معقدة. وكانت الهجرة موضوعا مثيرا للانقسام، وساهم في تشكيل السياسات المحلية والآراء المجتمعية على مر السنين، وشهد عدد اللاجئين انخفاضًا ملحوظًا داخل المجتمع الإسرائيلي؛ فعلى سبيل المثال، انخفض عدد اللاجئين في إسرائيل من 48,490 لاجئًا في عام 2012 إلى 1,235 فقط في عام 2023، حيث تلقت إسرائيل في ذلك العام 6,618 طلب لجوء وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين واتخاذ 2,972 قرارًا بشأن طلبات اللجوء الأولية. ومع ذلك، لم يُمنح سوى حوالي 1% من المتقدمين حق اللجوء، مما يسلط الضوء على فجوة كبيرة بين طالبي اللجوء وأولئك المعترف بهم رسميا كلاجئين.

 

 

لقد أدى المناخ السياسي في إسرائيل إلى تغذية اتجاه متزايد للمقاومة للاجئين بين القادة السياسيين. وقد اشتدت هذه المشاعر خلال المناقشات الساخنة حول خطة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإصلاح القضاء، حيث زعم المؤيدون أن قضية المهاجرين كانت سبباً لكبح السلطة القضائية، واتهموا المحاكم بعرقلة الجهود الرامية إلى طرد المهاجرين. في سبتمبرل 2023، قبل شهر واحد من اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس، اندلعت أعمال عنف في تل أبيب في أعقاب احتجاجات من قبل مجموعة من الإريتريين في جنوب تل أبيب، مما أسفر عن إصابة العشرات. وفي خضم هذه التوترات، ركز السرد السياسي على تأمين وجود اللاجئين داخل المجتمع الإسرائيلي. على سبيل المثال، أعلن نتنياهو عن نيته ترحيل جميع المهاجرين الإريتريين المتورطين في أعمال العنف الأخيرة وذهب إلى أبعد من ذلك، فأمر بطرد جميع المهاجرين الأفارقة من البلاد. وطلب خطة لإزالة “جميع المتسللين غير الشرعيين الآخرين” وأشار إلى أن بعض أحكام المحكمة العليا ألغت التدابير التي تهدف إلى الضغط على المهاجرين للمغادرة. ويؤكد هذا الخطاب على التحول نحو نهج أمني للهجرة في الخطاب السياسي الحالي في إسرائيل.

 

وكانت إسرائيل قد جربت عدة تكتيكات لترحيل اللاجئين وطالبي اللجوء قسرًا من خلال إرسال بعضهم إلى سجون نائية أو اقتطاع أجزاء من أجورهم للضغط عليهم لمغادرة البلاد أو تقديم مدفوعات نقدية لهم كحافز للمغادرة. وعلى غرار المملكة المتحدة ورواندا، خططت الحكومة الإسرائيلية لإرسال 1000 طالب لجوء إلى قبرص، كما توصلت إلى اتفاقيات مع دولتين – يُعتقد بشكلٍ كبير أنهما أوغندا ورواندا – لترحيل اللاجئين إليهما على الرغم من أن تلك الاتفاقيات غير قانونية وفقا لمبدأ عدم الإعادة القسرية المنصوص عليه في اتفاقية عام 1951 التي وقعت عليها إسرائيل. وتضمنت إجراءات الترحيل إلى بلدان ثالثة منح اللاجئين أموالًا وتذكرة سفر إما إلى بلدانهم الأم أو إلى دولة ثالثة لم يُذكر اسمها، بينما يواجه من يرفض الترحيل الاعتقال لأجل غير مسمى. ولدى وصول هؤلاء المرحلين إلى الدولة الثالثة، يكتشفون أن الوعد الإسرائيلي بالحصول على أوراق إقامة في تلك الدولة لم يكن صحيحًا، لذا يجدون أنفسهم في وضع غير قانوني، ما يعرضهم لخطر الطرد القسري إلى بلدهم الأم، ومن ثم لا يكون لديهم خيار سوى مواصلة رحلتهم عبر شمال إفريقيا ومحاولة عبور البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا.

 

ويبدو أن سياسات التأمين تلك قد تحولت إلى سياسات التسليح والعسكرة في ظل انخراط إسرائيل في معارك على عدة جبهات، خاصة في غزة ولبنان، ومن أجل الحفاظ على الإمدادات اللازمة من القوى البشرية، يبدو أن الحكومة الإسرائيلية تبحث عن حل لمشكلة التجنيد في الجيش. وفي الأشهر الأخيرة، ظهر تجنيد اليهود المتشددين كحل مقترح، لكن لا يبدو أنه حل فعال بسبب ارتفاع تكاليفه السياسية والمجتمعية، لذا يُستخدم اللاجئين كأسلحة من خلال تخييرهم بين الخدمة في الجيش الإسرائيلي مع الحافز المتمثل في الإقامة الدائمة أو ترحيلهم. وفي حين أن عدم قانونية هذا الأمر واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار وفقًا لمبدأ عدم الإعادة القسرية الذي أشرنا إليه آنفًا، إلا أن اللجوء في هذه الحالة سيعود بأضرار في المستقبل لأنه لا يُمنح على أساس الجدارة والاستحقاق، ولكنه أصبح صفقة بين طالبي اللجوء والحكومة الإسرائيلية. وإذا حصل طالبو اللجوء على صفة لاجئ نظير خدمتهم في جيش الدفاع الإسرائيلي، فهذا يعني أحد أمرين؛ إما أنهم يُمنحون هذه الصفة لمجرد خدمتهم في الجيش وليس لأنهم يستحقونها، أو أنهم يُمنحون هذه الصفة في حالة استحقاقهم لها سواء خدموا في الجيش أم لا، حيث يعني الأول أن القرار غير قانوني والثاني يعني أنه لا فائدة منه.

سياسات مكررة

من المعلوم أن السياسات الإسرائيلية لتجنيد اللاجئين في الجيش مأخوذة من تجارب دول أخرى مثلها مثل أي شيء آخر في إسرائيل؛ فقبل إسرائيل، حاولت حكومات دول أخرى تجنيد طالبي اللجوء واللاجئين ضمن جيوشها أو كمجموعات مرتزقة للقتال في حروبها المستمرة التي تخوضها في مناطق خارج حدودها. وخلال الحرب الأهلية السورية، استغلت إيران طالبي اللجوء الأفغان لتعزيز مصالحها على الأراضي السورية، حيث كشف المنفيون الأفغان الذين تهربوا من التجنيد الإجباري في إيران أن الحكومة الإيرانية استدرجتهم “للتطوع” في الصراع من خلال منحهم إقامة دائمة ومزايا المواطنة وأجور شهرية تتراوح بين 300 إلى 400 دولار. ومع ذلك، لم يكن تجنيدهم قرارًا طوعيًا، حيث واجه من رفض القتال خطر الترحيل إلى أفغانستان أو السجن لفتراتٍ طويلة أو حتى الإعدام.

 

ولفترة من الزمن، مثلت الحرب الأهلية السورية أرض اختبار لمختلف الدول التي تطبق تلك السياسة؛ فعلى سبيل المثال، أنشأت تركيا ميليشيات متمردة في سوريا ولا سيما الجيش السوري الحر الذي شكل في البداية العمود الفقري لحركة التمرد السورية حتى تعاظم ليصبح أكبر قوة معارضة ضد النظام السوري. وفي وقت لاحق، وسعت تركيا استراتيجيتها من خلال تجنيد الآلاف من أعضاء تلك الميليشيات ونشرهم في الصراعات في كل من أذربيجان وليبيا، ومؤخرا في النيجر، حيث ذكرت منظمات حقوقية أن تركيا أرسلت في عام 2020 نحو 20 ألف مرتزق سوري للقتال في أذربيجان وليبيا عبر شركة سادات التركية التي تصف نفسها بأنها شركة استشارات عسكرية خاصة. ويعمل هؤلاء المرتزقة كقوة موازية للجيش التركي الرسمي، ما دفع العديد من المعلقين إلى تشبيههم بمجموعة فاجنر في روسيا. كما شارك السوريون أيضًا في العمليات العسكرية الروسية، حيث أفادت عدة تقارير في عام 2022 أن روسيا نشرت 500 مقاتل سوري في ساحات القتال في أوكرانيا، معظمهم جنود سوريون نظاميون “تطوعوا” من قبل نظام الأسد لدعم جهود بوتين. من جانبها، حاولت وسائل الإعلام السورية إثارة الحماس وحشد الدعم الشعبي وتحفيز المتظاهرين الجامعيين لدعم روسيا. ولتعزيز هذا الالتزام، عرضت شعبة الاستخبارات العسكرية (الفرع 217) عقودًا على المتطوعين مقابل 3000 دولار للمقاتلين و7000 دولار للجرحى بالإضافة إلى تخصيص حصص غذائية لأسر المتطوعين ودفع تأمين بقيمة 15000 دولار في حالة الوفاة.

 

وعلى الرغم من هذه الجهود، فإن نجاح هذه الاستراتيجية لا يزال محل شك؛ فعلى سبيل المثال، باءت محاولة روسيا لإغراق أوكرانيا بالمقاتلين الأجانب بالفشل إلى حدٍّ كبير، حيث أكد الجنرال كينيث ماكنزي جونيور في مشاة البحرية الأمريكية أنه لم يكن هناك تدفق كبير للمقاتلين السوريين وأن أولئك الذين تطوعوا لم يحققوا التأثير المتوقع منهم نظرًا لضعف مهاراتهم العسكرية بشكلٍ عام وانطلاقهم أساسًا بدافع جمع المال. ويتشابه الوضع إلى حد كبير في إسرائيل، حيث يفتقر اللاجئون الإريتريون والصوماليون على وجه الخصوص في كثير من الأحيان إلى القدرات البدنية اللازمة للخدمة في جيش الدفاع الإسرائيلي فضلًا عن أن المرتزقة منهم يفتقرون إلى الولاء لأنهم لا ينطلقون عادةً بدافع تحقيق النصر ولكن بهدف جني المال، ما يجعل من غير المرجح أن يخاطروا بحياتهم من أجل قضية ما لأنهم إذا كانوا قد فروا بالفعل من بلدانهم الأم بحثًا عن حياة أفضل، فمن المشكوك فيه أنهم سيضحون بكل شيءٍ عن طيب خاطر في القتال.

ما وراء تل أبيب

ماذا يعني هذا بالنسبة للاجئين وطالبي اللجوء في جميع أنحاء العالم وفي أوروبا على وجه الخصوص؟ في الوقت الحالي، تشهد أوروبا ارتفاعًا حادًا في طلبات اللجوء، وهو ما يذكرنا بأزمة المهاجرين في عام 2015. ومع احتدام الحرب بين روسيا وأوكرانيا، تحتاج بروكسل إلى تعزيز قدراتها العسكرية، ولكن نظرًا لارتفاع تكلفة إرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا، سيتحول طالبو اللجوء من نقمة إلى نعمة.

 

أثارت الحرب الروسية الأوكرانية قلق الزعماء الأوروبيين من أن قواتهم المسلحة ليست مستعدة للحرب بما فيه الكفاية. وإدراكًا منهم لهذه الحقيقة، يعمل زعماء أوروبا على زيادة ميزانياتهم الدفاعية وشراء أسلحة جديدة وزيادة القدرات الصناعية الدفاعية في بلادهم. كما تظهر أيضًا ساحة المعركة في أوكرانيا للزعماء الأوروبيين أنهم لم يعد بوسعهم أن يتجاهلوا النقص الذي طال أمده في تجنيد القوى البشرية. وتبلغ هذه التحديات ذروتها نظرًا لمشكلات التجنيد الإجباري في جميع أنحاء القارة؛ ففي حين علقت غالبية الجيوش الأوروبية التجنيد الإجباري بعد الحرب الباردة، احتفظت به بعض الجيوش الأخرى. وقد أعادت العديد من البلدان في السنوات الأخيرة التجنيد الإجباري استجابةً للظروف المحيطة المتغيرة. ولسنواتٍ عديدة، افترض معظم القادة العسكريين الأوروبيين أن الحرب ستكون خارج نطاق منطقتهم وستعتمد على التكنولوجيا. ولكن في الآونة الأخيرة، فكرت عواصم أوروبا الغربية، بما في ذلك برلين ولندن، في العودة إلى الخدمة العسكرية الإلزامية؛ فعلى سبيل المثال، تتضمن خطة المستشار الألماني أولاف شولتس لتغيير نموذج الدفاع العسكري هدف زيادة عدد أفراد القوات المسلحة الألمانية إلى 203,000 جندي بحلول عام 2031. ولكن على الرغم من الجهود المبذولة لزيادة عدد القوات، انخفضت القوات المسلحة الألمانية من 183,050 جندي في عام 2022 إلى حوالي 181,500 رجل وامرأة في عام 2023.

 

ورغم الاعتراف بتلك الحقائق الجديدة، فإن التجنيد الإجباري لن يكون مهمة سهلة بالنسبة للجيوش الأوروبية نظرًا للتكاليف الباهظة التي تتحملها القوات المسلحة الوطنية والمجندون وسوق العمل لأنه يُعد عبئًا بيروقراطيًا على عاتق الجيش الذي يجب بدوره أن يضمن وجود عدد كافٍ من الأشخاص والمدربين وأماكن الإقامة. بالإضافة إلى ذلك، يعطل التجنيد الإجباري مسيرة المجندين المهنية أو التعليمية، مما قد يؤثر على سوق العمل. قد تنظر القوات المسلحة الأوروبية، التي تعاني من عجز في القوى العاملة، إلى طالبي اللجوء كبديل ممكن، على غرار السياسات الإسرائيلية الأخيرة ــ وهو الحل الذي يثير قضايا معقدة تتعلق بحقوق الإنسان والقانون.

 

ختامًا، ورغم أن فعالية تجنيد طالبي اللجوء في الجيوش الوطنية لم تثبت بعد، فإن التأثير الأوسع نطاقا على المشهد الإسرائيلي والأوروبي والدولي أمر لا مفر منه. والأمر الهام هنا هو أنه في غياب مسارات الهجرة الآمنة والحماية القانونية، قد تشعر الدول بقدر متزايد من الجرأة على استغلال الأفراد الضعفاء الباحثين عن اللجوء.

المراجع

Bank, World. “Refugee Population by Country or Territory of Asylum – Israel.” World Bank Open Data, 2024. https://data.worldbank.org/indicator/SM.POP.REFG?locations=IL

 

Bar’el, Zvi. “From Russia to Libya: Israel Has Adopted the Appalling Practice of Drafting Asylum Seekers.” Haaretz.com, September 16, 2024. https://www.haaretz.com/israel-news/2024-09-16/ty-article/.premium/from-russia-to-libya-israel-has-adopted-the-appalling-practice-of-drafting-asylum-seekers/00000191-fa8e-df2d-a795-ff8e8dd20000

 

Bossel, Pierre. “Syrian Mercenaries in Ukraine: Delusion or Reality? – Carnegie Endowment for International Peace | Carnegie Endowment for International Peace.” Carnegie endowment, 2022. https://carnegieendowment.org/sada/2022/06/syrian-mercenaries-in-ukraine-delusion-or-reality?lang=en

 

Bourcier, Nicolas, Frédéric Bobin, and Morgane Le Cam. “Sadat, the ‘Turkish Wagner’ Whose Shadow Hangs over West Africa.” Le Monde.fr, June 7, 2024. https://www.lemonde.fr/en/le-monde-africa/article/2024/06/07/sadat-the-turkish-wagner-whose-shadow-hangs-over-west-africa_6674134_124.html

 

Goldenberg, Tia. “Netanyahu Orders Plan to Remove African Migrants after Eritrean Groups Clash in Israel.” PBS, September 4, 2023. https://www.pbs.org/newshour/world/netanyahu-orders-plan-to-remove-african-migrants-after-eritrean-groups-clash-in-israel

 

JONAH, Anaelle. “Israeli Military Recruits African Asylum-Seekers for War in Gaza.” France 24, September 16, 2024. https://www.france24.com/en/middle-east/20240916-israel-military-recruits-african-asylum-seekers-for-gaza-strip-war-hamas-sudan-eritrea

تعليقات

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *