لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا بارزًا في إعادة تشكيل سرديات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ اندلاع أحداث السابع من أكتوبر، فلم يعد تداول الأخبار والمعلومات مقتصرًا فقط على وسائل الإعلام التقليدية، بل صار لمنصات التواصل الاجتماعي صدى أقوي من صدى السلاح، وقسمت الحرب العالم بين إسرائيل وفلسطين، وحتى شبكات التواصل الاجتماعي إلى مؤيد ومعارض مما جعلها عرضه لضغوط بسبب المحتوى المتعلق بالحرب، ووضعت الحرب على غزة تطبيق تيك توك (TikTok)مرة أخرى في قلب جدال ساخن حول مخاطر وتأثير التطبيق باعتباره مساحة عالمية يمكن للأشخاص العاديين إبداء آرائهم من خلالها، ويمكن للفصائل السياسية أن تتقاتل للسيطرة على السرد، خاصة مع تقلص جمهور المنافذ الإخبارية التقليدية.
وانتشرت مؤخرًا العشرات من مقاطع الفيديو الأكثر مشاهدة على تطبيق تيك توك المتعلقة بحرب غزة مع الوسوم المؤيدة للفلسطينيين، ما دفع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى الاجتماع مع المديرين التنفيذيين لتيك توك في فبراير 2024، معرباً عن قلقه من تزايد المحتوي المعادي للسامية على التطبيق منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس، ووعدوا الرئيس هرتسوغ بأنهم سيعالجون المشكلة بشكل أكبر في المستقبل. وفي نفس السياق، أبدت شركات التواصل الاجتماعي التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها بالفعل استعدادها لفرض رقابة على المحتوى المؤيد لفلسطين. ووثقت هيومن رايتس ووتش (Human Rights Watch) في تقريرها الصادر ديسمبر 2023 أكثر من 1050 عملية إزالة وقمع لمحتوى على إنستغرام وفيسبوك نشره الفلسطينيون ومؤيدوهم بين أكتوبر ونوفمبر 2023.
وفي هذا السياق تحركت دعوات من قبل مشرعين أمريكيين وناشطين محافظين ومستثمرين في مجال التكنولوجيا لحظر تطبيق تيك توك في واشنطن نتيجة تزايد مخاوف متعلقة بالتطبيق، والتي لقت صدى واسعًا في 13 مارس 2024 حينما صوت مجلس النواب الأمريكي بأغلبية ساحقة لصالح مشروع قانون يضع بايت دانس (ByteDance) الشركة الأم للتطبيق أمام خيارين أحلاهما مر إما بيع التطبيق لشركة أمريكية أو مواجهة حظر التوزيع من خلال المنصات الرئيسية ومتاجر التطبيقات، وأعرب الرئيس جو بايدن (Joe Biden) عن دعمه لمشروع القانون وأشار أنه مستعد للتوقيع عليه ليصبح قانونًا بعد موافقة مجلس الشيوخ عليه. ولكن التحرك الأمريكي هذه المرة يحمل في طياته مخاوف أخرى لا تتعلق بالأمن القومي الأمريكي فحسب بل تمتد إلى تأثير التطبيق على سمعة إسرائيل التي تضررت في جميع أنحاء العالم نتيجة الانتشار السريع للمحتوي المتعلق بالجرائم التي تمارسها إسرائيل ضد المدنيين في قطاع غزة.
لذا يسعي هذا التحليل إلى توضيح لماذا تغيرت الرؤية الأمريكية لتيك توك من المخاوف الأمنية إلى الترويج بأن التطبيق يسعي لمعاداة السامية؟ وما هي مآلات تطبيق الحظر على كلً من الولايات المتحدة وإسرائيل؟
سبق أن تعرض تيك توك للعديد من الانتقادات خلال السنوات الماضية بسبب ملكية التطبيق، و ما يصاحبه من مخاوف بشأن سيطرة الحكومة الصينية على التطبيق حيث يتفق كل من الديمقراطيين والجمهوريين على أن التطبيق يُشكل تهديدًا للأمن القومي والبيانات الشخصية للمستخدمين الأمريكيين. وواجه التطبيق عددًا من محاولات الحظر في السنوات الأخيرة حين قامت ولايات متعددة في الأشهر الأخيرة إما بإدخال أو تنفيذ حظره على الأجهزة الحكومية بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي وخصوصية البيانات، وتصاعدت شدة مخاوف المشرعين الأمريكيين من أن التطبيق يمكن أن يؤثر بشكل كبير على الانتخابات الرئاسية المقبلة نهاية العام الجاري.
وترجع أولى المحاولات لحظر تيك توك إلى إدارة الرئيس دونالد ترامب (Donald Trump) ، حينما أقترح أمرًا تنفيذيًا لحظر التطبيق في الولايات المُتحدة عبر سلسلة من الأوامر التنفيذية لمحاولة إجبار متاجر التطبيقات على عدم تقديم تيك توك وإجبار الشركة الأم على فصل التطبيق عنها. وتعثرت هذه الجهود وسط تحديات قانونية، علاوة على ضغوط مارسها المانح الجمهوري المؤثر جيف ياس (Jeff Yass) ، الذي تمتلك شركته الاستثمارية ما يقدر بنحو 15% من بايت دانس، وقد دفعت هذه المحاولة إدارة التطبيق إلى الدخول في مفاوضات مع الحكومة الأمريكية حول كيفية تأمين البيانات الشخصية للأمريكيين، وتحرك تيك توك لتخزين بيانات المستخدم الأمريكية على خوادم في الولايات المٌتحدة تسيطر عليها شركة أوراكل (Oracle).
وتوالت القرارات حيث أصدر الكونجرس قرار في ديسمبر 2022 بحظر التطبيق على الأجهزة الحكومية الفيدرالية استناداً على قانون تفويض الدفاع الوطني (NDAA)، وتلي ذلك قيام عدد من الولايات الجمهورية مثل تكساس وجورجيا وألاباما بحظر التطبيق على الأجهزة الحكومية، كما قامت بعض الجامعات مثل جامعة أوكلاهوما وجامعة أوبورن بحظر التطبيق من الوصول إلى شبكة Wi-Fi داخل الحرم الجامعي، وفي مارس 2023 طالبت لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة (CFIUS) التي تقودها الخزانة الأمريكية الشركة الأم ببيع أسهمها في التطبيق أو مواجهة احتمال حظر التطبيق، لكن لم يتم اتخاذ أي إجراء في هذا الصدد.
وأعطي البيت الأبيض الوكالات الفيدرالية في فبراير 2023 مهلة 30 يومًا لحذف التطبيق من الأجهزة الحكومية، وقد منعت مدن مختلفة الموظفين الحكوميين من تحميله، وتم طرح جهود مختلفة لمراقبة تيك توك وكيفية تعامله مع بيانات المستخدم الأمريكية في الكونجرس في العام الماضي، وأشارت إدارة التطبيق بأن بيانات المستخدم الأمريكية لا يتم الاحتفاظ بها في الصين ولكن في سنغافورة والولايات المتحدة، حيث يتم توجيهها عبر البنية التحتية السحابية التي تديرها شركة (Oracle)، ولكن لم تكن هذه الإجراءات كافية بالنسبة للعديد من المشرعين الأمريكيين، وفي الشهر التالي، استجوب المشرعون في مجلس النواب الرئيس التنفيذي لتيك توك شو زي تشيو (Shou Chew)، لمدة خمس ساعات تقريبًا حول علاقة التطبيق بالشركة الأم وتأثيرات الصين المحتملة على المنصة. ومؤخرًا قدمت لجنة الطاقة والتجارة بمجلس النواب مشروع قانون يدعو تيك توك إلى قطع العلاقات مع شركتها الأم في غضون ستة أشهر أو مواجهة الحظر في الولايات المُتحدة.
استهدفت إدارات أوباما، وترامب، وبايدن بنشاط النفوذ الاقتصادي والسياسي والتكنولوجي والدبلوماسي للصين باعتباره غير مقبول لمصالح الولايات المُتحدة في الهيمنة والسيطرة العالمية، وتعددت الأسباب وراء محاولات الإدارات الأمريكية المختلفة لحظر تيك توك.
تكمن مشكلة تيك توك في حجم ونطاق المنصة في أن عددًا كبيرًا من الأمريكيين يستخدمونه، مما يعطي لصين القدرة على توجيه المعلومات المضللة من خلاله، فضلا عن جمع البيانات منه حيث يعتمد ثلث السكان البالغين على تلقي أخبارهم من التطبيق، كما أن سدس الأطفال الأمريكيون يستخدمون التطبيق باستمرار، مما يجعل التطبيق منصة هامة لعمليات جمع المعلومات، و للمراقبة، كما يري الخبراء العسكريون الأمريكيون أن الاختراقات السيبرانية الصينية هي الأكثر انتشارًا في العالم، ويعتقد قادة الصين أن تحقيق الهيمنة المعلوماتية سيمكنهم من الاستيلاء على المبادرة الاستراتيجية والحفاظ عليها، وهو ما تخشاه الولايات المُتحدة.
لذا أثار الارتفاع السريع للمنصة قلق بعض المشرعين ممن يعتقدون أن الشركة الأم لتيك توك لديها القدرة على جمع بيانات المستخدمين الحساسة ومراقبة المحتوى الذي يتعارض مع الحكومة الصينية، حيث وصف المسؤولون الأمريكيون تيك توك على أنه أكثر إدمانًا وتأثيرًا من نظرائه في الولايات المٌتحدة، ويخشي المسؤولون من أن قوانين الاستخبارات الصينية يمكن أن تمكن بكين من التطفل على معلومات المستخدم التي يجمعها تيك توك، ربما عن طريق إجبار الشركة الأم على تسليم البيانات، ويحذر صناع السياسات الحكومة الصينية قد تستخدم المعلومات الشخصية لتحديد الأهداف الاستخباراتية أو لتسهيل حملات التضليل الجماعية التي يمكن أن تعطل الانتخابات على غرار ما حدث في الانتخابات الامريكية عام 2016. كما يمكن للحكومات شراء البيانات الشخصية من وسطاء البيانات أو استخدام برامج التجسس التجارية لاختراق الهواتف الفردية بسهولة.
أصبح تيك توك مصدر الأخبار الرئيسي لملايين الشباب منذ إطلاقه في الولايات المٌتحدة عام 2018، حيث يمثل التطبيق المصدر الرئيسي للمعلومات للجيل Z، ووفقاً لاستطلاع رأى أصدره مركز بيو للبحوث (Pew Research Center) في عام 2023 فإن حوالي ثلث الشباب الأمريكي في الفئة العمرية بين 18 و29 عامًا يتلقون الأخبار بانتظام على تيك توك، وهي نسبة أعلى مما كانت عليه في السنوات السابقة، وهذا بالمقارنة مع 15% ممن تتراوح أعمارهم بين 30 إلى 49 عامًا، و7% ممن تتراوح أعمارهم بين 50 إلى 64 عامًا، و3% فقط ممن تبلغ أعمارهم 65 عامًا فيما فوق.
أصدر الزعيم الصيني شي جين بينغ (Xi Jinping) تعليماته إلى مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني حول وسائل الإعلام عام 2016 “لبناء منافذ إعلامية دعائية خارجية رائدة تتمتع بنفوذ دولي قوي”، وبعد خمس سنوات، فسرت وسائل الإعلام الحكومية الصينية تعليقات مماثلة لشي من خلال تسمية تيك توك كوسيلة لتحقيق هدف الأمين العام المتمثل في “سرد قصة الصين بشكل جيد”.
“أينما كان القراء، وأينما كان المشاهدون، فهذا هو المكان الذي يجب أن تمد فيه التقارير الدعائية مخالبها.”
شي جين بينغ، فبراير2016
حيث مارست الصين جهود تأثير واسعة النطاق، حيث تحتفظ بكين بترسانة من التكتيكات والقنوات للتأثير على لمشهد المعلوماتي الأمريكي، تطبيقات الوسائط الاجتماعية المملوكة لشركات مقرها الصين ولها سجلات رقابية ومراقبة داخل الصين، ولا سيما WeChat التابعة لشركة Tencent و التيك توك التابع لشركة ByteDance، حيث نمت شعبية تيك توك، بشكل كبير في الولايات المٌتحدة، حيث تم تصنيفه باستمرار بين أفضل عشرة تطبيقات تم تنزيلها في عامي 2019 و2020. وفي عام 2021، كان تيك توك هو التطبيق الأكثر تنزيلًا في الولايات المُتحدة. إلى جانب زيادة واسعة النطاق في استخدام التطبيق، ساهمت وسائل الإعلام الرئيسية بما في ذلك (CNN، وMSNBC، وواشنطن بوست) والقادة السياسيون (مثل الرئيس السابق باراك أوباما) في فتح حسابات على التطبيق للتواصل مع الجمهور من الشباب، كما تخطي تطبيق تيك توك باقي التطبيقات المملوكة لشركات أمريكية فيما يتعلق بالحصول على الأخبار حيث بلغت نسبة المستخدمين إلى 44% في عام 2023 مقارنة ب 22% في عام 2022، مع تراجع تطبيق إكس إلى 53% في عام 2023 مقارنة ب 59% في عام 2023.
مع اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس شهدت الصورة العامة لإسرائيل تراجعًا كبيرًا لعدة اعتبارات يأتي على رأسها دور وسائل التواصل الاجتماعي، حيث سعت إسرائيل لعقود إلى زيادة شرعيتهم و نزع شرعية حماس، وتقديم أنفسهم كضحية، وإلقاء اللوم على الجانب الآخر عبر وسائل الأعلام التقليدية، ولكن ظهر العكس بعد السابع من أكتوبر فقد شهد المحتوى المؤيد لفلسطين طفرة على تيك توك. ففي مقابل كل منشور مؤيد لإسرائيل، كان هناك 54 منشورًا مؤيدًا لفلسطين. على الرغم من إنفاق وزارة الخارجية الإسرائيلية 1.5 مليون دولار على موقعي YouTube وX في أول شهرين من الحرب في إطار حملة إعلامية لتبرير اجتياحها لقطاع غزة.
كما لعبت المعارضة المتزايدة على تيك توك دورًا فعال في تحويل الرأي العام الأمريكي ضد إسرائيل، مما أثار هذا الأمر قلق اللوبي المؤيد لإسرائيل في الولايات المُتحدة، وبات يشعر بالقلق من قدرة التطبيق على تقويض وسائل الإعلام التقليدية، التي نجحت على مدى عقود من الزمن في السيطرة على السردية التي تصور إسرائيل على أنها ضحية، وصورتها بشكل إيجابي لعقود من الزمن على الرغم من ارتكاب العديد من الجرائم والتجاوزات ضد الشعب الفلسطيني، مما جعل المؤيدين لإسرائيل يدقوا أجراس الإنذار بشأن تأثير تيك توك على وجه الخصوص.
أصبحت المنصة هدفًا للعديد من جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل مثل رابطة مكافحة التشهير (ADL). وتشكلت حالة من حالات القلق لدي المٌشرع الأمريكي والمجموعات اليهودية الكبري في الولايات المٌتحدة من أن هذه المنشورات قد تضر بالمخططات الإسرائيلية للسيطرة على رأي الشباب الأمريكي وإعادة صياغة وعيهم ورؤيتهم في هذا الصدد، لذلك اتهمت الاتحادات اليهودية ورابطة مكافحة التشهير تيك توك بالسماح بانتشار معاداة السامية والمشاعر المعادية لإسرائيل.
ظهر تيك توك في إسرائيل منذ عام 2019، ومثلت الجولات السابقة من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني جزءاً كبيراً من حرب الصور على وسائل التواصل الاجتماعي على الرغم من هيمنة فيسبوك وتويتر ويوتيوب على خطاب وسائل التواصل الاجتماعي إلا أن تيك توك لفت انتباه الصحفيين والسياسيين بشكل خاص. خاصة مقاطع الفيديو التي أنشأها شباب فلسطينيون والتي تظهر العنف تجاه اليهود الإسرائيليين في الأسابيع التي سبقت الحرب، وصفها الصحفيون بأنها “انتفاضة تيك توك”.
وسم وعلى الصعيد العالمي، هيمن المحتوى المؤيد لفلسطين بشكل كبير، حيث حقق #freepalestine و#standwithpalestine وسم مليار مشاهدة كما تضاعفت أعداد مشاهدات ومنشورات التي تستخدم (#Stand_with_Palestine) على تطبيق تيك توك على مستوى العالم إلى ما يقرب من أربعة أضعاف مقارنة بالمشاركات التي تستخدم (#Stand_with_Israel) ،
وبمنتصف نوفمبر 2023 كان عدد مقاطع الفيديو المؤيدة للفلسطينيين التي شاهدها الأمريكيون على تطبيق تيك توك أكبر من إجمالي عدد الزيارات إلى المواقع الإخبارية الأمريكية العشرة الأكثر زيارة، ووفقًا لتجربة أجرتها Generation Lab بعد بدء الحرب، كان مستخدمو تيك توك من الولايات المُتحدة الذين تقل أعمارهم عن ثلاثين عامًا والذين أمضوا ثلاثين دقيقة يوميًا على الموقع أكثر عرضة بنسبة 17 % لمشاهدة المحتوي المؤيد لفلسطين من أولئك غير المتواجدين على المنصة.
فلم تكن مقاطع فيديو تيك توك حول غزة السبب وراء خيبة الأمل لدى الشباب الأميركيين تجاه إسرائيل، ولكنها أدت إلى تفاقمها. فقبل السابع من أكتوبر، وجد استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث في عام 2014، قبل أربع سنوات من إطلاق تطبيق تيك توك في الولايات المتحدة، أن الشباب الأميركيين كانوا أكثر ميلا إلى إلقاء اللوم على إسرائيل من حماس في العنف الذي دمر قطاع غزة، حيث يعيش مليوني فلسطيني تحت سيطرة حماس منذ 2007. ووجد استطلاع آخر أجراه مركز بيو عام 2022 انقسامًا مماثلًا، حيث ينظر الأمريكيون تحت سن الثلاثين إلى الشعب الفلسطيني بشكل أكثر إيجابية، والحكومة الإسرائيلية بشكل أقل تفضيلًا.
وقد بدأ الأمريكيون بالفعل في الانحياز بشكل أكبر للقضية الفلسطينية، وللمرة الأولى يقول الديمقراطيون إنهم أكثر تعاطفاً مع الفلسطينيين (49%) من الإسرائيليين (38%)، وفقاً لاستطلاع غالوب (Gallup Poll) 2023. حيث يدعم 42% الفلسطينيين ويدعم 40% الإسرائيليين. وأدت الحرب إلى تفاقم هذا الاختلاف فمن منتصف أكتوبر إلى منتصف نوفمبر، قفز الدعم لفلسطين بين الشباب من 26% إلى 52%، وفقًا لاستطلاع أجرته جامعة كوينيبياك (Quinnipiac University). على الرغم من أن معظم الأمريكيين لا يزالون يدعمون إسرائيل (أظهر استطلاع للرأي أجرته NPR مؤخرًا أن 65% من البالغين يقولون إن الولايات المتحدة يجب أن تظهر دعمًا عامًا لإسرائيل).
وأصبحت الحرب بين إسرائيل وحماس حافزاً للكثير من الأمريكيين لقراءة المزيد عن تاريخ الولايات المُتحدة في الشرق الأوسط، ففي نوفمبر 2023، نشر عدد قليل من الأشخاص على تيك توك ردود أفعالهم على رسالة زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن في عام 2002 بعنوان “رسالة إلى أمريكا، حيث لم يثنوا على تصرفات بن لادن، لكنهم قالوا إنها جعلتهم ينظرون إلى السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بشكل أكثر انتقادًا.
قادت الاتحادات اليهودية في أمريكا الشمالية، إلى جانب رابطة مكافحة التشهير (ADL) – إحدى مجموعات الضغط المؤيدة لإسرائيل الأكثر نفوذاً في الولايات المُتحدة – حملة للدفاع عن حظر تيك توك في أمريكا، وقد دافعت الاتحادات اليهودية ورابطة مكافحة التشهير بقوة عن الموافقة على مشروع قانون الحظر تحت غطاء معاداة السامية وسبق أن أصدر مجلس النواب 5 ديسمبر 2023 قراراً ينص على أن “معاداة الصهيونية هي معاداة للسامية”. وبالنسبة لإسرائيل تمثل حماية الأمريكيين من النفوذ السياسي لتيك توك مكسبًا لمكانة إسرائيل أهم حليف لها، حيث غيرت الحرب بين إسرائيل وحماس النظرة الخاصة بالشباب، على الأقل على وسائل التواصل الاجتماعي. بالنسبة لأي شاب يقضي وقتًا على هذه المنصات، فإن الأصوات المؤيدة لفلسطين موجودة في كل مكان.
يشكل الناخبون من الجيل Z مجموعة ديموغرافية سياسية قوية بشكل متزايد، وخاصة بالنسبة للديمقراطيين والتقدميين. وقد ثبت ذلك في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022، حيث ساعد الإقبال الكبير بين الناخبين الشباب على درء “الموجة الحمراء” المتوقعة، مما أدى إلى الحفاظ على مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون والانقسام شبه المتساوي في مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون في الكونجرس الجديد، كما شهدت الانتخابات النصفية لعام 2022 ثاني أعلى نسبة إقبال بين الناخبين الشباب منذ ثلاثة عقود (بعد عام 2018 مباشرة) حيث صوت ما يقدر بنحو 27% من الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 29 عامًا في الانتخابات النصفية، وبالنسبة للتقدميين الذين يعيشون في مناطق أكثر محافظة أو معزولة سياسيًا، يمكن أن يكون تيك توك شريان حياة وتذكيرًا بأن التصويت لا يزال مهمًا.
لذا يخشى العديد من الديمقراطيين أن يكون حظر تيك توك في الفترة التي تسبق الانتخابات بمثابة كارثة سياسية، خاصة عندما يتعلق الأمر بمغازلة الناخبين الشباب، حيث سيؤدي حظر تيك توك إلى خسارة الديمقراطيين حرفيًا لكل ناخب تحت سن 35 عامًا إلى الأبد، حيث كان للناخبين الشباب دور محوري في رفع بايدن إلى البيت الأبيض في عام 2020. ومع ذلك، تظهر بعض استطلاعات الرأي أن بايدن يتخلف عن الرئيس السابق دونالد ترامب بين جيل Z وجيل الألفية الشباب.
ختاماً، يبدو أن جريمة تيك توك الوحيدة هي قدرته على تضخيم الأصوات المؤيدة للفلسطينيين التي خضعت للرقابة والإسكات لفترة طويلة في الولايات المُتحدة، ويفسر قدرة الشباب على الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي عن موقفهم الأكثر انتقادًا لإسرائيل والدعم الأمريكي للدولة اليهودية.
ولا يزال مشروع القانون يواجه معركة شاقة ليصبح قانونًا. وفي حين أكد بايدن أنه سيوقع عليه، إلا أنه لا يزال يتعين عليه إقراره من خلال تصويت في مجلس الشيوخ. وحتى لو تم إقرار مشروع القانون، فمن المرجح أن يواجه تحديات مماثلة على أساس حرية التعبير التي منعت تشريعات مماثلة. ونظرًا للطبيعة اللامركزية للإنترنت، فإن فرض الحظر سيكون أمرًا معقدًا. ومن شأن مشروع القانون الذي أقره مجلس النواب أن يعاقب متاجر التطبيقات يوميًا لجعل تيك توك متاحًا للتنزيل، ولكن بالنسبة للمستخدمين الذين لديهم التطبيق بالفعل على هواتفهم، سيكون من الصعب إيقاف الاستخدام الفردي، وقد يضطر مقدمو خدمات الإنترنت أيضًا إلى حظر عناوين IP المرتبطة بتيك توك، ولكن يمكن تجنب مثل هذه الممارسات بسهولة على متصفحات الكمبيوتر باستخدام VPN، أو الشبكة الخاصة الافتراضية، التي تعيد توجيه اتصالات الكمبيوتر إلى مواقع أخرى لتقييد الوصول إلى التيك توك بشكل كامل.
كما أن التداعيات الكاملة لحظر تيك توك من شأنه أن يلغي مكانًا مهمًا للأمريكيين للتحدث والاستماع إليهم، وسيكون ذلك بمثابة استهزاء بحقوق حرية التعبير لمئات الملايين من الأمريكيين الذين يعتمدون على التطبيق للتواصل والتعبير عن أنفسهم وحتى كسب لقمة العيش وهو ما سيؤدي إلى خسارة بايدن أصوات كثيرة وخاصة من الشباب في الانتخابات المٌقبلة. و الأهم من ذلك، أنه سيزيد من بلقنة الإنترنت العالمية. لذا سيتعين على حكومة الولايات المٌتحدة استخدام الأساليب التي تنظم الإنترنت بطريقة تجعل قيود المحتوى قابلة للتنفيذ بسهولة أكبر.
Jerusalem Post Staff. 2024. “President Herzog Meets with TikTok Senior Global Management.” The Jerusalem Post, February 7, 2024. https://www.jpost.com/israel-news/article-785561
Human Rights Watch. 2023. “Meta: Systemic Censorship of Palestine Content,” December 21, 2023. https://www.hrw.org/news/2023/12/20/meta-systemic-censorship-palestine-content
Explainers, Fp. 2023. “Is TikTok Pushing anti-Israel Content? Why Are Calls to Ban the App Growing in US?” Firstpost, November 2, 2023. https://www.firstpost.com/explainers/is-tiktok-pushing-anti-israel-content-ban-us-hamas-propoganda-13334882.html
David Ingram, and Kat Tenbarge. 2023. “Critics Renew Calls for a TikTok Ban, Claiming anti-Israel Bias on the Platform.” NBC News, November 1, 2023. https://www.nbcnews.com/tech/social-media/tiktok-ban-israel-gaza-palestine-hamas-account-creator-video-rcna122849
Oshin, Olafimihan. 2023. “The Hill.” The Hill, November 8, 2023. https://thehill.com/homenews/senate/4298458-hawley-calls-tiktok-ban-israel-hamas/
Fung, Brian. 2024. “House Panel Unanimously Approves Bill That Could Ban TikTok.” CNN, March 8, 2024. https://edition.cnn.com/2024/03/07/tech/congress-bill-bans-tiktok-america/index.html
Morrison, Sara. 2023. “The US Government’s TikTok Bans, Explained.” Vox, February 2, 2023. https://www.vox.com/recode/2023/1/17/23552716/tiktok-ban-cfius-bytedance
Maheshwari, Sapna, and Amanda Holpuch. 2024. “Why The U.S. Is Weighing Whether to Ban TikTok.” The New York Times, March 12, 2024. https://www.nytimes.com/article/tiktok-ban.html
U.S. Department of Defense. 2024. “Leaders Say TikTok Is Potential Cybersecurity Risk to U.S.” March 1, 2024. https://www.defense.gov/News/News-Stories/Article/Article/3354874/leaders-say-tiktok-is-potential-cybersecurity-risk-to-us/.
Goldbloom, Anthony. 2024. “Why TikTok Needs to Be Sold or Banned Before the 2024 Election.” TIME, March 7, 2024. https://time.com/6836078/tiktok-sold-banned-2024-election/
Nita Farahany. 2024. “Congress Is Right to Want to Curtail TikTok’s Power and Influence.” The Guardian, March 15, 2024. https://www.theguardian.com/commentisfree/2024/mar/15/congress-tiktok-ban-addiction-security-risk.
Sarah Cook. 2020. “Beijing’s Global Megaphone.” Freedom House. https://freedomhouse.org/report/special-report/2020/beijings-global-megaphone
Basaran, E. (2024, March 15). Why a potential US ban on TikTok will favor Israel. Anadolu Agency. https://www.aa.com.tr/en/middle-east/why-a-potential-us-ban-on-tiktok-will-favor-israel/3165329
Samuels, Ben. 2024. “‘This Is AIPAC at Work’: Landmark TikTok Vote in U.S. House Provokes Conspiracy Theory.” Haaretz.Com, March 14, 2024. https://www.haaretz.com/us-news/2024-03-14/ty-article/.premium/this-is-aipac-at-work-landmark-tiktok-vote-in-u-s-house-provokes-conspiracy-theory/0000018e-3dd0-d9ae-ad9f-3dd44d100000?lts=1711531885761
Asaf Elia- Shalev. (2024, March 14). Major US Jewish group backs bipartisan bill that could see TikTok banned. The Times of Israel. https://www.timesofisrael.com/major-us-jewish-group-backs-bipartisan-bill-that-could-see-tiktok-banned/
Yarchi, Moran, and Lillian Boxman-Shabtai. “The Image War Moves to TikTok Evidence from the May 2021 Round of the Israeli-Palestinian Conflict.” Digital Journalism, (2023), 1–21. doi:10.1080/21670811.2023.2291650
Fischer, Sara. 2023. “On TikTok, Views of pro-Palestine Posts Far Surpass Views of pro-Israel Posts.” Axios, October 31, 2023. https://www.axios.com/2023/10/31/tiktok-views-pro-palestine-posts-israel
Cole S. Aronson. 2024. “Israel’s TikTok Problem – Jewish Review of Books.” Jewish Review of Books. March 13, 2024. https://jewishreviewofbooks.com/foreign-policy/15881/israels-tiktok-problem/
Blake, Aaron. 2014. “Young Americans Take a Dim View of Israel’s Actions.” Washington Post, July 29, 2014. https://www.washingtonpost.com/news/the-fix/wp/2014/07/29/young-americans-take-a-dim-view-of-israels-actions/
Becka a. Alper. 2022. “Modest Warming in U.S. Views on Israel and Palestinians.” Pew Research Center. May 26, 2022. https://www.pewresearch.org/religion/2022/05/26/modest-warming-in-u-s-views-on-israel-and-palestinians/
Saad, Lydia. 2024. “Democrats’ Sympathies in Middle East Shift to Palestinians.” Gallup.Com, February 7, 2024. https://news.gallup.com/poll/472070/democrats-sympathies-middle-east-shift-palestinians.aspx
Montanaro, Domenico. 2023. “Americans Strongly Support Israel, but There Are Generational and Racial Divides.” NPR, October 13, 2023. https://www.npr.org/2023/10/13/1205627092/american-support-israel-biden-middle-east-hamas-poll
Jennings, Rebecca. 2023. “TikTok Isn’t Intentionally Pushing pro-Palestine Content to Young Americans.” Vox, December 13, 2023. https://www.vox.com/culture/23997305/tiktok-palestine-israel-gaza-war
Demirjian, Karoun. 2023. “House Declares Anti-Zionism Is Antisemitism, Dividing Democrats.” The New York Times, December 5, 2023. https://www.nytimes.com/2023/12/05/world/middleeast/house-anti-zionism-antisemitism.html
Sofia Andrade. 2023. “The Growing Political Power of TikTok.” The Nation, January 25, 2023. https://www.thenation.com/article/politics/tiktok-election-gen-z-voters/
تعليقات