حازت انتخابات البرلمان الأوروبي تاريخيًا على درجة أقل* من اهتمامات الناخب الأوروبي، حيث مالت دومًا القضايا المحلية إلى الهيمنة على الاهتمامات الأوروبية ، الأمر الذي جعل قضايا مثل الدفاع والأمن، تستغرق قدر أقل من النقاش والجدل أثناء الحملات الانتخابية الأوروبية، لكن هذا الوضع تغير جذريًا خلال دوري الانعقاد السابق والحالي بسبب موجات اللاجئين التي باتت تجتاح سواحل الإتحاد الأوروبي، وسُحب الحرب الكثيفة التي أمطرت سماءه وتكد الأقدام الأوروبية على إثرها تنزلق في مُستنقع غير ذي قاع يودي بكل جهود التنمية والإعمار التي جرت خلال السبعين عامًا الماضية.
لذلك بدأ تسييس القضايا الإقليمية واستغلالها في انتخابات البرلمان الأوروبي ، بعدما باتت قضايا الأمن والدفاع أكثر إلحاحًا، وانكفئت الأحزاب تناقش سياسات الاتحاد تجاهها، حيث أصبح لهذه القضايا دورًا أكثر أهمية في تشكيل تفضيلات الناخبين بما يجعلها أكثر تأثيرا في تشكيل النتائج الانتخابية على مختلف مستويات الحكم المحلي وصولًا لمُستوى الاتحاد.
يتناول هذا التقرير مواقف واتجاهات التجمُعات الأساسية داخل البرلمان من قضايا الدفاع الرئيسية المطروحة أمام الاتحاد، وكيفية انعكاس هذه المواقف على الصياغة السياسية لهذه المواقف.
يُمكن تعريف التجمع بأنه رابطة رسمية لأعضاء البرلمان الأوروبي (MEPs) الذين يشتركون في أيديولوجيات وأهداف سياسية متشابهة. لا يعتمد هذا التجمع على الجنسية، بل على الانتماء السياسي، ويجب أن تتوافر في التجمع ثلاث شروط رئيسية وهي:
وتتمثل أهمية هذه التجمعات في قُدرتها الفائقة على تشكيل تشريعات الاتحاد الأوروبي، حيث تلعب الدور الأساسي في تشكيل تشريعات الاتحاد الأوروبي، لا سيما في عمليتي المفاوضات وعمليات صنع القرار داخل أروقته، وبالتالي تحظى الاتجاهات السياسية التي تُمثلها تجمعات بميزة الدفاع عن مصالحها، وفرض وجهات نظرها على أجندة الاتحاد، إذا ما توفر لها الأعداد المطلوبة من الأعضاء، وبهذا التعريف يتكون البرلمان الأوروبي في دورته التاسعة ٢٠١٩- ٢٠٢٤ من سبع تجمُعات سياسية رئيسية، هي:
• مجموعة حزب الشعب الأوروبي (EPP): هي المجموعة الأكبر وهي بشكل عام تتكون من يمين الوسط، مع التركيز على مبادئ الديمقراطية المسيحية والليبرالية الاقتصادية.
• مجموعة التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين (S&D): ثاني أكبر المجموعات وتنتمي أساسًا إلى يسار الوسط، وتروج لقيم الديمقراطية الاجتماعية.
• مجموعة تجديد أوروبا (Renew): وهي مجموعة وسطية تدعم الليبرالية والإصلاح الاقتصادي.
• مجموعة الخضر/التحالف الحر الأوروبي (Greens/EFA): تركز هذه المجموعة على حماية البيئة، والعدالة الاجتماعية، والديمقراطية التشاركية.
• مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين (ECR): مجموعة محافظة تؤكد على السيادة الوطنية والأسواق الحرة.
• مجموعة الهوية والديمقراطية (ID): هذه مجموعة يمينية إلى يمينية متطرفة مع التركيز على القومية والتشكك في أوروبا.
• مجموعة اليسار في البرلمان الأوروبي (GUE/NGL): هذه مجموعة يسارية إلى يسارية متطرفة تدافع عن الاشتراكية ومعاداة الرأسمالية وحماية البيئة.
على مدار الدورات التسع السابقة ظلت المجموعتين الأولى والثانية القوى المهيمنة في البرلمان، وغالبًا ما امتلكتا أغلبية مُشتركة من المقاعد، وفي كُل الأحوال لم تحصل أي مجموعة على الأغلبية المطلقة على الإطلاق، مما أدى إلى الحاجة إلى التعاون وبناء التحالفات لتمرير التشريعات، ويوضح الشكل التالي توزيع مقاعد البرلمان على المجموعات الأوروبية:
تختلف أراء هذه المجموعات من قضايا الدفاع بحسب مواقفها السياسية الأساسية، حيث تأتي مجموعة الملفات الأساسية في الأمن والدفاع ضمن قائمة الأولويات الأوروبية التي يجري إعادة ترتيبها في ظل المُتغيرات الجارية في سياقين أساسيين:
في ظل الوضع الجيوسياسي سياسي السابق، باتت موضوعات الدفاع والأمن تتصدر أجندة الاتحاد بشكلٍ عامٍ، فيما يحوذ مُعظمها اتفاق تام بين جميع الأطراف، فيما تتلخص أشد نُقط الخلاف في الموضوعات التالية:
في إطار ما سبق يُمكن توقع أن تنتهج التجمعات الأساسية داخل البرلمان الأوروبي المواقف التالية بالنسبة للمواضيع الخلافية في الأمن والدفاع:
باختصار، يعد حزب الشعب الأوروبي الذي ينتمي إلى يمين الوسط وحزب تجديد أوروبا الليبرالي أقوى المؤيدين لتوسيع دفاعات الاتحاد الأوروبي، في حين يتخذ حزب الخضر نهجا أكثر حذرا في الموازنة بين الأمن وأولويات أخرى مثل تغير المناخ، لم يتخذ حزب الاشتراكيين والديمقراطيين قرارًا بشأن إنشاء لجنة دفاع، في حين أن المجموعات اليمينية مثل ID و ECR تدعم الدفاع، ولكنها أقل تركيزًا على سياسات المناخ.
*ارتبطت نواتج الانتخابات الأوروبية -تقليديًا- بالأحداث على المستوى الوطني، حيث يميل التركيز فيها على القضايا الداخلية بدلاً من الاهتمامات الأوروبية، مما يؤدي إلى اعتبارها أقل أهمية مقارنة بالانتخابات الوطنية أو العامة.
Clark, N. and Rohrschneider, R. (2009). Second‐order elections versus first‐order thinking: how voters perceive the representation process in a multi‐layered system of governance. Journal of European Integration, 31(5), 645-664. https://doi.org/10.1080/07036330903145906
Braun, D. and Grande, E. (2021). Politicizing europe in elections to the european parliament (1994–2019): the crucial role of mainstream parties. JCMS: Journal of Common Market Studies, 59(5), 1124-1141. https://doi.org/10.1111/jcms.13168
تعليقات