كتب بواسطة

يدلي الناخبون الإيرانيون بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية المبكرة المقرر انعقادها 28 يونيو بعد وفاة رئيسها المتشدد إبراهيم رئيسي في حادث غير متوقع نتيجة تحطم طائرة هليكوبتر في مايو الماضي. حيث شهد النظام الإيراني سيناريوهات مماثلة في السابق، ففي عام 1981، تم عزل أبو الحسن بني صدر، أول رئيس للجمهورية بعد الثورة، من قبل مجلس الشورى بسبب عدم كفاءته السياسية. وفي نفس العام، تكرر هذا السيناريو باغتيال الرئيس محمد علي رجائي خليفة بني صدر، بتفجير حقيبة مفخخة عام 1981، وبالتالي فإن الفراغ السياسي والدستوري الحالي ليس بجديد على إيران، فقد حدث مرتين من قبل في فترة من عدم الاستقرار السياسي، وهذه المرة لا تقل أهمية عن سابقاتها.

 

وكان رئيسي من الشخصيات القليلة التي تحظى بثقة المؤسسة الأمنية وحراس النظام من رجال الدين، وكان من المخطط له الأشراف على تصعيد مرشد أعلى جديد بعد وفاة علي خامنئي أو ربما قد يصبح هو نفسه المرشد الأعلى، وبالتالي فإن وفاة رئيسي ستشكل تحدياً لنظام الملالي في طهران في ظل تحديات داخلية وخارجية شهدتها إيران في الآونة الأخيرة.

 

ومن ناحية أخري، مهد المرشد الأعلى الإيراني على خامنئي الطريق لإجراء الانتخابات الرئاسية الإيرانية عبر اختيار ستة مرشحين فقط، اجتازوا الفحص الذي أجراه مجلس صيانة الدستور -المكون من أثني عشر رجل دين يعيّنهم المرشد الأعلى، بترشيح من السلطة القضائية وموافقة البرلمان عليهم- من بين 80 مرشحا تقدموا بطلبات ترشحهم للمنصب، وفقاً لمعايير فضفاضة يجري تفسيرها وتأويلها من قبل مجلس صيانة الدستور مما يعطيه قول الفصل في اختيار أو استبعاد بعض المرشحين فعلي سبيل المثال لا يستثني الدستور الإيراني صراحة المرأة من حقها في الترشح للانتخابات الرئاسية ولكن يمنعها مجلس الصيانة من ذلك الحق حيث سجلت أربع سيدات أسماءهن في قائمة الترشح للرئاسة وغيرهم على مدار الثلاثة عشر انتخابات رئاسية ماضية، لم تتم الموافقة على ترشيح أي امرأة إلى الرئاسة بسبب المادة 115 من الدستور التي تنص على أن يكون الرئيس من بين "رجال السياسة والدين من أصل إيراني، ومواطناً إيرانياً، ومديراً وحكيماً، يتمتع بسمعة طيبة وأمانة وتقوى، ويؤمن بأسس جمهورية إيران الإسلامية وبالدين الرسمي للبلاد" ، علاوة على وضع معايير أخري تتعلق بالقدرة على الإدارة والتدبير، بخلاف ذلك الافتراض العام بأن خامنئي يريد رئيسًا مخلصًا ومحافظًا لا يعارضه يؤمن بالثوابت الخاصة بالنظام متمثلة في قدسية وطاعة ولي الأمر وإطاعة المرشد.

 

لذا يسعي هذا التحليل إلى توضيح أهمية هذه الانتخابات، وكيفية إداراتها، وأولويات التي يبحث عنها الناخب والنظام في الرئيس القادم.

لماذا تعتبر هذه الانتخابات مهمة؟

تأتي هذه الانتخابات وسط تحديات داخلية وخارجية كبيرة، في خضم اقتصاد يعاني من ارتفاع معدلات التضخم والبطالة بعد موجة من الاحتجاجات الغير مسبوقة التي شهدتها البلاد في عام 2022 نتيجة ممارسات شرطة الأخلاق عبر فرض ما يسمي بالحجاب الإلزامي، وحرباً مع إسرائيل أكثر التحاماً من أي وقت مضي، وأعاده تموضع للسياسية الخارجية في المنطقة محور تغيرها طهران، علاوة على التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم موسع على حزب الله الوكيل الرئيسي لطهران في المنطقة، ويأتي ذلك جنباً إلى جنب مع التوترات الدبلوماسية المستمرة والتدقيق الدولي لبرنامج إيران النووي، والصراع في غزة. بالإضافة إلى مجموعة من الملفات الهامة وإدارة العلاقات مع دول المنطقة مثل أذربيجان واستكمال مسار تعزيز العلاقات مع دول الخليج، فإن إيران تحتاج إلى “رؤية شاملة”.

 

أما بالنسبة للنظام الإيراني ذاته فإن الحدث يُعد بمثابة فرصة لإظهار قدرته على التعامل مع كارثة كُبرى غير مُتوقعة، مما يعني أن النظام لن يترك المجال مفتوح لأي حسابات قد تعكر صفوه، أو قد تربك المشهد وتشكل زعزعة لاستقرار البلاد، حتى في الوقت الذي تتسارع فيه الاحتجاجات الداخلية والتوتر مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

 

كما تمثل هذه الانتخابات فرصة لحكومة البلاد “لتصحيح المسار”، أو العمل على إعادة بناء علاقتها مع قسم كبير من الشعب الإيراني وتحسين صورتها، و للموازنة بين ضمان نسبة مشاركة مرضية في الانتخابات الرئاسية حيث شهدت الانتخابات الرئاسية الأخيرة، في عام 2021، أدنى نسبة إقبال على الإطلاق، حيث لم يكلف سوى 48% من الناخبين عناء الإدلاء بأصواتهم. لذا فإن النظام يحتاج إلى أن يبدو جديراً بالمصداقية بما يكفي لاستعادة ثقة الإيرانيين في العملية السياسية، وهو ما يستلزم فتح باب المشاركة أمام مختلف الانتماءات السياسية دون تدخلات وخاصة مع تهديدات الإصلاحيون بمقاطعة الانتخابات إذا لم يسمح لأي من مرشحيهم بالترشح، أو الحفاظ على الوضع الراهن بضمان وصول الموالين له إلى السلطة، إلا أن هذا الخيار قد يؤدي إلى انخفاض نسبة المشاركة مما يفاقم الاحتقان الداخلي.

 

وترجع أهمية الانتخابات إلى الدور الذي سيشارك به الرئيس المٌقبل عن كثب في عملية اختيار خليفة لخامنئي البالغ من العمر 85 عاماً ويعاني من مشاكل صحية، لذا يحاول النظام ضمان هيمنة المرشحون الذين يشاركونه نفس وجهات نظره المتشددة في المنافسة الرئاسية.

كيف تدار الانتخابات الرئاسية في إيران

عندما يتعلق الأمر بالانتخابات، فإن السلطة الحقيقية ترجع إلى مجموعة صغيرة من رجال الدين ورجال القانون تسمى مجلس صيانة الدستور، والتي تملك نوعاً من التحكم في العملية الانتخابية من خلال عزل أو إقالة أو وضع عراقيل لمنع أسماء بعينها من الترشح لمنصب رئيس الجمهورية أو حتى مناصب البرلمان ومجلس الشورى. كما يحدد الفصل السابع من الدستور الإيراني الإطار الأساسي لإجراء الانتخابات الرئاسية، وتوضح المادة 114 من الدستور الإيراني، أن “رئيس الجمهورية ينتخب مباشرة عن طريق الاقتراع المباشر لمدة 4 سنوات، ولا يجوز له تولي المنصب لأكثر من دورتين متتاليين”.

 

ويمر المرشح لمنصب الرئاسة في إيران، بخمس مراحل أساسية؛ تبدأ بتقديم الأوراق الرسمية، ثم مصادقة مجلس صيانة الدستور على أهليته للتأكد من أنها تتماشى مع المثل العليا للجمهورية الإسلامية -من الناحية العملية، يعني هذا في كثير من الأحيان التأكد من ولاء المرشح للمرشد الأعلى ورؤيته- ثم يليها مرحلة خوض السباق الانتخابي والحصول على نحو 50%+1 من أصوات الناخبين على أقل تقدير وإذا لم يكن هناك فائز في الجولة الأولي، تجرى جولة ثانية من التصويت بين المرشحين اللذين حصلا على أعلى الأصوات بعد أسبوع، على غرار الجولة الثانية التي عقدت للمرة الأولي خلال انتخابات عام 2005 التي شهدت منافسة شديدة بين رفسنجاني وأحمدي نجاد، ويلي ذلك تنفيذ حكم رئاسته على يد المرشد الأعلى، تمهيدا لتنصيبه وتأدية اليمين الدستورية تحت قبة البرلمان.

 

 

وتقدم نحو 80 مرشح للمنصب مع فتح باب الترشح إلا ان مجلس صيانة الدستور قد وافق على 6 مرشحين فقط لخوض السباق، من بينهم مرشح إصلاحي واحد مسعود بيزشكيان تم اختياره على وجه التحديد لأنه من غير المرجح أن يفوز ففي الماضي، وصل حسن روحاني إلى الرئاسة مدعوماً بدعم الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني؛ ولكن بيزشكيان ليس لديه مثل هذا الراعي القوي. وفي حالة فوزه، فإن أولئك الذين في القمة سيظلون واثقين من أنه لن يشكل مشكلة. علاوة على الحاجة الحتمية التي تلوح في الأفق إلى استبدال المرشد الأعلى علي خامنئي الذي يبلغ من العمر 85 عاماً ويعاني من مشاكل صحية، فمن غير المرجح أن يترك النظام الكثير للصدفة. حيث يعتقد خامنئي وحلفاؤه أن هذه لحظة حاسمة بالنسبة للاستمرارية والأمن.

 

أولويات الناخب الإيراني

تظهر الدعاية الإعلامية اهتمام الإيرانيين بالحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسة إلا أن الحقيقة هي أن المواطن في إيران لم يعد يهتم كثيرا بالقضايا الكبرى والمسائل السياسية التي تعيشها إيران، لأنه بات غارقا في همومه الاقتصادية ومشكلاته المعيشية والاجتماعية علاوة على عدم ثقته بالسياسيين والمسؤولين، ويمكن حصر القضايا التي تشغل الناخب الإيراني فيما يلي:

 

المطالب الاقتصادية

 

ظل التضخم أحد التحديات الاقتصادية الرئيسية للمواطن الإيراني، وقد أطلق المرشد الأعلى للبلاد، آية الله خامنئي، على السنة التقويمية الإيرانية الحالية اسم “عام السيطرة على التضخم”. وهذا يعكس الأهمية السياسية للتضخم في إيران. ففي مارس 2023، وصل التضخم السنوي لمتوسط أسعار المستهلك إلى ما يقرب من 64%، ووصل التضخم في بعض المواد الغذائية إلى أكثر من 90%، و منذ بداية الحرب في غزة، شهد الريال حلقة أخرى من انخفاض قيمة العملة.

 

وبسبب تزايد حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي، قام الإيرانيون بتحويل مدخراتهم من الأصول القائمة على الريال إلى أصول سائلة مثل النقد الصعب بالعملة الأجنبية والذهب، ويهدف هذا في الغالب إلى التحوط من قيمة مدخراتهم ضد انخفاض قيمة العملة الوطنية. ومع ذلك، أدى هذا إلى زيادة تدفق رأس المال إلى الخارج والطلب على ما يسمى “مدخرات الحقيبة” على مدى السنوات القليلة الماضية. لذلك يأتي الملف الاقتصادي على قمة هرم الناخبين والتي يبحث الناخب عنها في برامج المرشحين الستة.

 

 المطالب المتعلقة بالحريات

 

يلعب المجتمع المدني دوراً حقيقياً في المجتمع الإيراني من خلال المطالبات المستمرة بزيادة مساحة الحريات الاجتماعية مثل حرية التعبير وحرية التصرف وحرية اللباس والتي تسببت في إغراق البلاد في موجة عارمة من الاحتجاجات كان أخرها تلك التي تفشت رداً على مقتل الكردية الإيرانية ماهسا أميني التي احتجزتها شرطة الأخلاق بسبب الحجاب.

 

و لا تزال قضية “الحجاب الإلزامي” معضلة خطيرة في إيران ولها العديد من المعارضين الجادين، وبالتالي يمكن للمرشح المعارض للحجاب الإلزامي أن يحظى بدعم المتظاهرين ضد النظام الحالي. وبالنظر إلى قائمة المرشحون نجد تجنب المرشحون الخمسة المتشددون مناقشة الحريات الاجتماعية والسياسية خلال حملاتهم الانتخابية أو في مناظراتهم التلفزيونية الخمس، إلا أن المرشح الإصلاحي بيزشكيان موقف على ما يبدو أنه ضد الحجاب الإلزامي، مما يميزه عن المرشحين الآخرين.

 

كما تصاعدت وتيرة العنف ضد المرأة حيث أعدمت إيران عددًا من النساء أكثر من أي دولة أخرى في العالم في العام الماضي، فوفقًا لتقرير صدر في 22 أبريل حول عقوبة الإعدام في إيران، وذكر أنه من بين 24 امرأة تم إعدامهن على مستوى العالم في عام 2022، تم إعدام 16 امرأة في إيران. ويُعتقد أن العدد الفعلي للنساء اللاتي سيتم إعدامهن في إيران في عام 2022 أعلى من ذلك. وأضاف التقرير أنه تم إعدام ما لا يقل عن 188 امرأة في إيران بين عامي 2010 و2022. وتزايد قلق الأمم المتحدة بشأن عدم المساواة بين الجنسين في إيران في السنوات الأخيرة. في أعقاب إعلان الحكومة الإيرانية في 15 أبريل عن حملة قمع ضد منتهكي الحجاب الإلزامي، ووصفت الأمم المتحدة إنفاذ التشريع بأنه “اضطهاد على أساس النوع الاجتماعي”. كما أدت المخاوف بشأن معاملة النساء والفتيات خلال الاحتجاجات الأخيرة المناهضة للحكومة إلى قيام الأمم المتحدة في ديسمبر بتنحية إيران من لجنتها المعنية بوضع المرأة، و الذي تمت الموافقة عليه بأغلبية 29 صوتا مؤيدا وثمانية ضد وامتناع 16 دولة عن التصويت.

 

ويشكل الشباب نسبة كبيرة من القاعدة الانتخابية في إيران كما كانوا جزءاً من الحراك الذي شهده الشارع الإيراني في الاحتجاجات الأخيرة حيث لعب الجيل Z والشباب في إيران على نطاق أوسع دورًا محوريًا في الحركة الاحتجاجية في الفترة 2022-2023. وقد دفعتهم مطالبهم وخصائصهم المتميزة إلى صدارة الحوار السياسي الإيراني، بما في ذلك في الدورة الانتخابية الحالية. وهو ما يحاول المرشح الإصلاحي مسعود بيزشكيان القيام به. وفي تناقض صارخ، يرفض المتشددون، مثل المرشح الرئاسي سعيد جليلي، أي فكرة عن وجود فجوة بين الأجيال، ويعلنون بثقة: “نحن نفهم لغة الجيل Z، والجيل Z يفهم لغتنا”.

أولويات نظام الملالي

يحتاج النظام إلى شخصية اقتصادية قادرة على معالجة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد دون التطرق إلى ما يطلق عليهم أعداء النظام وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية. فعلى الرغم من أطلاق المرشد الأعلى لما يسمي “اقتصاد المقاومة”. وجوهره الاكتفاء الذاتي، أو القومية الاقتصادية، حيث يتم إنتاج كل شيء في الداخل ويتم رفع مستوى العلوم والأبحاث إلا أنه يحتاج إلى شخصية اقتصادية أكثر من أي وقت مضى.

 

كما يشعر خامنئي بالقلق من أن الشخصيات السياسية المعروفة التي قد تخلق حركات داخل هيكل النظام، والتي يمكن أن تشكل تحدياً له نتيجة معرفتهم بآليات عمل النظام. ولذلك، لذا فهو يفضل الشخصيات غير المعروفة وغير الكاريزمية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالإصلاحيين. فهو يحتاج إلى شخص يحشد قاعدته المحافظة و يمكنه رفع الروح المعنوية بين الشباب المتشددين وتحفيزهم أيديولوجياً لاحتواء المتظاهرين في الشوارع والقتال على جبهات النظام المختلفة، أو في أماكن أخرى إذا وسعت إيران وجودها المباشر.

 

كما يسعي النظام إلى أضفاء الشرعية على الانتخابات عبر رفع نسب المشاركة للتأكيد على شرعية النظام دولياً وهو ما دفع المرشد الأعلى إلى التحرك في خطاب متلفز إلى دعوة الناخبين للمشاركة في الانتخابات، مؤكداً على أهمية المشاركة المرتفعة في الانتخابات لأنّها مصدر فخر للجمهورية الإسلامية.

التحديات التي تواجه النظام في الانتخابات

بينما تتجه إيران نحو انتخاباتها المثيرة للجدل، فإن البيئة المحيطة بها تتسم بالتخبط والشكوك وأزمة الشرعية. وتؤكد الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في شهر مارس الماضي، والتي شهدت إقبالاً منخفضاً على الهوة المتزايدة بين الحكومة ومواطنيها. ويمكن حصر هذه التحديات فيما يلي:

 

تراجع معدلات التصويت

 

أظهر استطلاع جديد أجراه معهد جامان بعنوان “مواقف الإيرانيين تجاه انتخابات 2024″، على مدار ثلاثة أيام من 17 إلى 19 يونيو عبر الإنترنت 2024، على عينة بلغت 77,216 شخصًا. أن 65% من الناخبين سيقاطعون الانتخابات الرئاسية المقبلة، كما أكد 22% من المشاركين في الاستطلاع أنهم سيصوتون بالتأكيد، بينما ظل 12% مترددين. وتكرر هذا السيناريو في الانتخابات الرئاسية السابقة كما يوضح الشكل التالي:

 

 

كذلك الانتخابات البرلمانية في مارس 2024 التي انخفضت فيها نسبة المشاركة إلى 41%، نتيجة مقاطعة التيار الإصلاحي المشاركة فيها ، و امتنع الرئيس الأسبق محمد خاتمي لأول مرة عن التصويت، ووصف إيران بأنها “بعيدة جدا من إجراء انتخابات حرة وتنافسية”. وجاء هذا القرار نتيجة استبعاد العديد من المرشحين الجادين من قبل مجلس صيانة الدستور. وفي كلتا الانتخابات، كانت نسبة إقبال الناخبين أقل بكثير من 50%. كما تراجعت المشاركة في الانتخابات في السباق البرلماني لعام 2020 عندما مُنع مئات من الذين اعتبروا معتدلين للغاية من التنافس. ونتيجة لذلك، اكتسح المتشددون أغلبية المقاعد وسط نسبة مشاركة تقل عن 50%. كما يشكل انعدام الثقة في الحكومة إلى تضاؤل الكفاءة وانعدام الرغبة العامة في المشاركة في العملية السياسية.

تشتت جبهة المحافظين

لا يشكل المرشحون المحافظون كتلة موحدة. فهي تمزقها المنافسات الفئوية والشخصية، فضلاً عن الخلافات حول السياسة. وعلى الرغم من أنهم ينتمون عمومًا إلى نفس القماشة الأيديولوجية التي ينتمي إليه رئيسي، حيث يعتنقون القيم الثورية ويبشرون بالمرونة الاقتصادية، إلا أنهم يختلفون في مدى التزامهم الصارم بهذه المبادئ، مما يؤدي إلى اختلافات حول السياسة. ويختلف المتنافسان الرئيسيان من هذا المعسكر، قاليباف وجليلي، حول أهمية ضمان تخفيف العقوبات الأمريكية كوسيلة لتعزيز التجارة وتأمين الاستثمار الأجنبي؛ فالأول يفترض ذلك كضرورة، في حين يؤكد الأخير على تحسين الإنتاج المحلي والتجارة مع ما يسمى بالجنوب العالمي. ويواجه قاليباف ورفاقه أيضًا مزاعم بالفساد المالي، لكنهم معروفون بأنهم تكنوقراط من ذوي الخبرة. ومن ناحية أخرى، يُنظر إلى جليلي على أنه غير فاسد ولكنه يفتقر إلى الخبرة العملية في الحكم.

 

ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية ناشدت الشخصيات المتشددة ووسائل الإعلام في إيران المرشحين المحافظين أن يتحدوا خلف منافس واحد – أو المخاطرة بالخسارة أمام الإصلاحيين. ويأتي ذلك في الوقت الذي أشارت فيه استطلاعات الرأس الأخيرة إلى ارتفاع نسبة المرشح الإصلاحي الوحيد، مسعود بيزشكيان، وفقاً للاستطلاع الذي أجراه مركز استطلاع الرأي العام للطلاب الإيرانيين كما هو موضح في الشكل التالي:

 

 

ويخشى المتشددين من ارتفاع نسبة التصويت للإصلاحين على غرار انتخابات الرئاسية في العام 2009 التي خاض فيها السباق مير حسين موسوي، المرشح الإصلاحي، بين الرئيس المحافظ أحمدي نجاد.

من سيحسم السباق؟

تحتاج إيران إلى وجه جديد للرئاسة يقدم فرصة لإعادة ضبط الغضب الشعبي وعلاقات البلاد مع الغرب. مما يجعل التنبؤ بمن سيصبح الرئيس صعباً. يحاول الجدول التالي توضيح المعايير التي يعتمد عليها كل مرشح في الانتخابات للفوز في الانتخابات القادمة،
ويتم احتساب نقاط مختلفة لكل معيار على حسب وزنه، في حال توافرها لكل مرشح.

 

 

يتوقع أن يتنازل بورمحمدي وزكاني والهاشمي لصالح قاليباف وجليلي لأن فرص فوزهم ضئيلة بشكل كبير. ولكن هذا الانسحاب سيكون وراءه ترتيبات لما بعد فوز أحدهما. حيث يفتقر بور محمدي، المرشح الوحيد الذي يمثل رجال الدين، إلى احتمالات قوية للفوز وقد ينسحب من الميدان، وهو ما قد يفيد قاليباف. لكن وضع جليلي يختلف بعض الشيء؛ وعلى الرغم من افتقاره إلى فرصة الفوز، إلا أنه قد يكون من بين المتسابقين الأوائل. ومع ذلك، فمن المرجح أن يتم ذكر انسحابه لاحقًا.

 

لقد حظي بيزشكيان باهتمام أكبر مقارنة بالمرشحين الآخرين، وحتى وسائل الإعلام الأجنبية التي تنتقد الجمهورية الإسلامية تركز عليه أكثر وتسلط الضوء على سجله الحافل. حيث يعرف عنه إنه خلال فترة عمله في المناصب الحكومية (كوزير للصحة في الولاية الثانية لمحمد خاتمي وخمس فترات كعضو في البرلمان عن تبريز)، ظل خاليًا من الفساد، وهو الجانب الذي يفتقر إليه منافسوه، وخاصة قاليباف. وربما لهذا السبب فهو يتحدث بشكل مباشر أكثر في المناظرات والمنتديات مقارنة بالمرشحين الآخرين. إن التأكيد على أنه ظل خاليًا من الفساد يمكن أن يعزز حملته بشكل كبير وسط ديناميكيات الانتخابات.

 

ويحتل قاليباف مكانة بارزة في الأواسط العسكرية، وهو ما يفتقر إليه بيزيشكيان، و يُنظر إلى قاليباف على أنه المرشح الوحيد بين المحافظين الذي لديه فرصة للفوز يمكن أن تكون أرضية مواتية له. وقد تولى مناصب مهمة جعلته أقرب إلى نواة القوة الصلبة وأكسبته تأييدا بين المحافظين.

 

ومن الممكن أن يلعب جليلي دورًا في تأمين انتصار قاليباف أو تعريضه للخطر. وفيما يتعلق بجليلي، هناك سيناريوهان: الأول، انسحابه من الميدان لصالح قاليباف، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا بموافقة الأواسط العسكرية. وإذا لم يتحقق هذا السيناريو، فقد يكون الوضع لصالح بيزشكيان، حيث قد تنقسم أصوات المحافظين. ويتنافس جليلي بشدة مع قاليباف على الرغم من كونهما محافظين. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان تغيير موقف جليلي أو ثباته سيؤثر على النتيجة. ومع ذلك، فإن احتمال انتقال الانتخابات إلى جولة ثانية ليس مستبعدًا، حيث سيواجه بيزيشكيان وقاليباف مرة أخرى.

 

وتعتمد فرص بيزشكيان بشكل كبير على جذب الملايين من الناخبين المحبطين، وأغلبهم من الشباب الذين بقوا في منازلهم في الانتخابات منذ عام 2020، ومع ذلك، لا تزال القوة الانتخابية للإصلاحيين غير مؤكدة، حيث يعتقد بعض الناخبين أنهم فشلوا في توفير قدر أكبر من الحريات خلال فتراتهم السابقة في السلطة.

المراجع

تفروين، يوسف. 2024. “ضبابية المشهد السياسي تضاعف تحديات انتخابات إيران بعد رئيسي”، الشرق الاخبارية، 24 مايو 2024.

 

صیفی‌کاران, فرزاد. 2024. “الانتخابات الرئاسية الإيرانية 2024: وصول سيدة إلى الرئاسة حلم مؤجل”، بي بي سي عربي، 24 يونيو 2024، متاح للاطلاع على الرابط التالي:https://www.bbc.com/arabic/articles/cy99zx54pkzo

 

استبعد نجاد ولاريجاني. “صيانة الدستور’ يوافق على قبول 6 مرشحين لانتخابات الرئاسة في إيران” 2024. إيران إنترناشيونال،9 يونيو2024، متاح للاطلاع على الرابط التالي: https://www.iranintl.com/ar/202406091052

 

Editorial. 2024. “The Guardian View on Iran’s Presidential Election: More Choice, but Little Real Hope of Change.” The Guardian, June 14, 2024. https://www.theguardian.com/commentisfree/article/2024/jun/14/the-guardian-view-on-irans-presidential-election-more-choice-but-little-real-hope-of-change

 

Azizi, Arash. 2024. “Who Will Be Iran’s Next President?” The Atlantic, June 13, 2024. https://www.theatlantic.com/international/archive/2024/06/iran-next-president-after-raisi/678665/

 

Hafezi, Parisa. 2024. “Iran’s Presidential Election Dominated by Khamenei Loyalists.” Reuters, June 25, 2024. https://www.reuters.com/world/middle-east/irans-presidential-election-dominated-by-khamenei-loyalists-2024-06-25/

 

Phillips, Natasha. 2023. “Iran Executed More Women in 2022 Than Any Other Country, Report Says.” KAYHAN LIFE. May 2, 2023. https://kayhanlife.com/authors/iran-executed-more-women-in-2022-than-any-other-country-report-says/

 

Gamberll, Jon. 2024. “Iran’s Supreme Leader Warns Sole Reformist in Presidential Race, While Calling for ‘maximum’ Turnout.” ABC News. June 25, 2024. https://abcnews.go.com/International/wireStory/irans-supreme-leader-calls-maximum-turnout-presidential-election-111394270

 

“Survey Reveals Massive Disinterest in Iranian Presidential Debates.” 2024. Iran International. June 20, 2024. https://www.iranintl.com/en/202406201333

 

Wintour, Patrick, and Haroon Janjua. 2024. “Iran Election Turnout Drops to 41% as Reformists Criticise Poll.” The Guardian, March 2, 2024. https://www.theguardian.com/world/2024/mar/02/iran-election-turnout-drops-to-41-as-reformists-criticise-poll

 

Vaez, Ali, and Naysan Rafati. 2024. “Iran’s Presidential Election: A Preview |.” Crisis Group. June 26, 2024. https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/gulf-and-arabian-peninsula/iran/irans-presidential-election-preview

تعليقات

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *