كتب بواسطة

يُعد الحج الركن الخامس من أركان الإسلام، وشعيرة يتوق إليها معظم المسلمين، ومع تزايد أعدادهم وتحسن أحوالهم المادية عالميًا، يزداد الطلب على أداء هذه الفريضة. إلا أن أداء مناسك الحج يواجه تحديات عديدة، من بينها ما يتعلق بمنسك الهدي أو الأضحية، والذي يختتم به الحاج مناسكه بعد رمي الجمرات، حيث يقوم بذبح شاة أو بقرة أو جمل تقربًا لله تعالى، لذلك تهدف هذه الورقة إلى تسليط الضوء على التحديات التي تواجه منسك الهدي بالتحديد.

يُشترط في الهدي حتى يقع صحيحًا: أن يكون من بهيمة الأنعام (الإبل أو البقر أو الغنم)، أن تبلغ السن المعتبرة شرعاً (ستة أشهر فأكثر للإبل، سنتان فأكثر للبقر، سنة فأكثر للضأن، وستة أشهر فأكثر للمعز)، وأن تكون سليمة من العيوب المانعة من الإجزاء (العرج البين، العمى، المرض، الهزال الشديد)، ثم أن تذبح في الأماكن المُقدسة، وأخيرًا أن تُذبح في الوقت المحدد شرعاً (من بعد صلاة عيد الأضحى إلى آخر أيام التشريق).

 

وقد بات هذين الشرطين الأخيرين المُتعلقين بتوقيت الذبح ومكانه يُثيرين تحديًا مُتناميًا أمام أداء فريضة الحج، ينبع من عدم قُدرة الإنتاج في المملكة العربية السُعودية من هذه الأنعام على مُجاراة الطلب المُتزايد من الحُجاج، ولذلك تلجأ المملكة لسد هذه الفجوة عبر استيراد الأنعام الحية من الخارج -حيث يجب أن تُذبح في المكان والزمان المُحددين- خصوصًا من الدول غزيرة الإنتاج منها، وهي استراليا، نيوزلندا، ودول القرن الإفريقي، ولذلك ظلت المملكة العربية السعودية لفترات طويلة تُشكل النسبة الأكبر من سوق الاستيراد لهذه الأنعام في صورتها الحية، كما يوضح الشكل التالي:

 

 

يوضح الشكل أن المملكة العربية السعودية استحوذت على ما يقرب من 41% من إجمالي سوق استيراد الحيوانات الحية في عام 2014، لكن هذه النسبة تراجعت تدريجيًا لتصل إلى 29% فقط في عام 2022، ويعود هذا التراجع بشكل أساسي إلى انخفاض أعداد الحجاج، على الجانب الأخر تواجه هذه الواردات تحديات خارجية نابعة من مصدرين رئيسيين هما جماعات الرفق بالحيوان، والتغيرات المُناخية.

ضغوط جماعات الرفق بالحيوان

تمارس جماعات الرفق بالحيوان ضغوطًا حادة على مُصدري الحيوانات الحية للتوقف عن تصديرها بسبب الظروف الصعبة التي تتعرض لها الحيوانات خصوصًا الأغنام منها خلال عملية الشحن، وقد أسفرت هذه الضغوط عن تبني عدد من أهم المُصدرين قرارات بمنع التصدير الحي، ومن أهمها:

 

  • نيوزيلندا التي نفذت بالفعل قرار الحظر اعتبارًا من أبريل ٢٠٢٣، واُتخذ القرار بعد مراجعة الصادرات الحية في أعقاب انقلاب سفينة متجهة إلى الصين مما أدى إلى مقتل الآلاف من الماشية وعشرات من أفراد الطاقم .

 

  • أستراليا: التي التزمت بالتخلص التدريجي من تصدير الأغنام الحية عن طريق البحر بحلول عام ٢٠٢٨، جرى اتخاذ القرار بعد مشاورات عامة واسعة النطاق وتوصيات مستقلة. ومن المتوقع أن يكون هذا التخلص تدريجيًا، مما يسمح للشركات العاملة في المجال بالتكيف مع الأسواق والممارسات البديلة .

 

  • كذلك بدأ الاتحاد الأوروبي في تبني لوائح أكثر صرامة بشأن صادرات الحيوانات الحية، بما في ذلك متطلبات تحسين ظروف النقل وفرض أوقات رحلات أقصر زمنيًا، إلا إنه مازال هناك جدل مستمر داخل الاتحاد الأوروبي حول ما إذا كان ينبغي تنفيذ الحظر الكامل على الصادرات الحية.

 

  • أخيرًا أصبح موضوع الحظر على جدول أعمال النقاش العام في عدد مُتزايد من الدول مثل كندا…

 

وتُمثل هذه الدول جُزءًا هامًا من تجارة الحيوانات الحية في العالم، والتي كان مُجرد وجودها يخلق عرضًا مُتزايدًا في السوق من ناحية، ويرفع المُنافسة من ناحية أخرى، خصوصًا في ظل إمكانياتها الضخمة من الإنتاج مُقارنة بالعالم، يوضح الشكل التالي تراجع الصادرات الأسترالية في الفترة ما بين ٢٠٠٤ و٢٠٢٣:

 

 

يوضح الشكل التراجع الحاد الذي تُعاني منه الصادرات الاسترالية، وذلك تحت تأثير التحرك إلى تصدير اللحوم وليس الأحياء، يُسيطر ذات الوضع تقريبًا في الدول الغربية الليبرالية على مشهد التصدير، ولذلك فإن الصادرات من مُعظم هذه الدول إن لم تكن قد توقفت فإنها على وشك التوقف، لذلك سيطرت مؤخرًا مجموعة جديدة من الدول على السوق لعل أهمها دول شرق أوروبا مثل المجر، رومانيا وشرق إفريقيا مثل السودان، الصومال وكينيا، الأمر الذي يوحي بأن موضوع حظر الصادرات الحية وإن تأخر فإنها مسألة وقت قبل تنفيذه، عبر استبدال هذه التجارة بتجارة اللحوم المذبوحة المُجمدة، التي لا تفي على الإطلاق بشروط الهدي.

التغيرات المُناخية:

فرضت التغيرات المُناخية من ناحية أخرى تحديات ضخمة أمام تجارة الأغنام والماعز الحية من شرق إفريقيا، والتي كانت قد حلت محل الوجهات التقليدية للواردات السعودية خصوصًا استراليا ونيوزيلندا، خلال الفترات ما بعد ٢٠٠٨، عندما بدأت تظهر بعض الاضطرابات في علاقة هذه القوى التقليدية في سوق الحيوانات الحية مع المملكة، ويوضح الشكل التالي كيف تبدلت العلاقات التجارية لتحتل هذه المجموعة من الدول مكان المُصدر الرئيسي للمملكة:

 

 

يوضح الشكل التحول الكبير في الموردين حيث احتلت في الأساس دول شرق إفريقيا مُقدمة الموردين، على حساب استراليا وعدد أخر من الدول الغربية، الأمر الذي وفى ومازال باحتياجات السوق السعودية بشكل عام وخصوصًا احتياجات الحجاج، لكن هذه القدرة على الاستجابة ليست مُستدامة، وذلك بسبب التغيرات المُناخية الحادة التي باتت تضرب هذه المنطقة مؤخرًا، والتي تؤدي إلى مواسم طويلة من الجفاف، مما يؤدي إلى نفوق مئات الآلاف من الأغنام، وهو ما يوضحه الشكل التالي، الذي يستعرض حجم القطيع لدى هذه الدول:

 

 

يوضح الشكل تراجع عدد القطيع من الأغنام في مُعظم الدول الموضحة، خصوصًا بعد العام ٢٠١٨، حيث بدأت تتعرض المنطقة لتقلبات مُناخية حادة أخرها كان في عام ٢٠٢٢، وهي موجات من المُرجح أن تزداد خلال الفترات القادمة بسبب فشل جهود احتواء ظاهرة الاحتباس الحراري حتى الآن، ما يُنذر بمزيد من موجات الجفاف وبالتالي انخفاض الأعداد، ما يؤثر في النهاية على قُدرة هذه المجموعة على التوريد للمملكة.

النتائج المتوقعة لهذا التهديد:

  • انخفاض أعداد الحجيج في المُستقبل، حيث سيكون أحد عوامل تحديد عدد الحُجاج هو عدد الأنعام المُتاحة، ما سيفرض مزيدًا من القيود على عملية الحج، بالإضافة إلى التكلفة، ومحدودية أماكن المشاعر المُقدسة.

 

  • ارتفاع تكلفة الهدي بسبب محدودية العدد المُتاح منه، وبالتالي سيكون الحُجاج راغبين في دفع مبالغ أعلى لإتمام مناسكهم.

 

خلاصة القول إذن أننا أمام تهديد مُتنامي يتعلق بقدرة المملكة على استيراد الأغنام الحية التي يُشترط ذبحها في المناطق المُقدسة في مكة والمدينة في أوقات الحج حتى تكتمل المناسك بشكل صحيح، وسيتجه هذا التهديد لتنامي في المدى الطويل مع زيادة ضغوط جمعيات الرفق بالحيوان، والتغيرات المُناخية التي تضرب مناطق تواجد القطعان الضخمة من هذه الأغنام.

المراجع

Justin McCurry, Elias Visontay, Cargo ship with 43 crew and nearly 6,000 cattle sank off Japan, survivor says, Available at Cargo ship with 43 crew and nearly 6,000 cattle sank off Japan, survivor says | Japan | The Guardian, Accessed: 25th Jun 2024

 

AlArabia News, Australia to ban live sheep exports by sea from 2028, Available at Australia to ban live sheep exports by sea from 2028 (alarabiya.net), Accessed: 25th Jun 2024.

تعليقات

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *