يركز برنامج الدراسات السياسية على العلاقات الدولية والتحولات الجيوسياسية التي لها انعكاس مباشر على منطقة الشرق الأوسط، نأمل في تعزيز فهم واقعي لسياسات المنطقة في ظل التحديات الإقليمية والدولية.
لطالما كانت الاغتيالات السياسية سمة سائدة في السياسة العالمية، بيد أن استخدامها كأداةٍ سياسية لم يعد يقتصر على الدول أو زعمائها فحسب، بل إن أي شخص يطلق النار على شخصية سياسية يحصل على لقب "قاتل" سياسي، وتؤدي المشاركة في العملية السياسية بأي صفة كانت إلى تعريض صاحبها لمثل هذه الأعمال الانتقامية. وفي حين لا يزال المسلحون والمتعصبون يشكلون تهديدًا كبيرًا، إلا أن الجهات الفاعلة الحكومية غالبا ما تكون في طليعة تنسيق هذه الأعمال. وخلال الحرب الباردة، كانت الاغتيالات إلى حد كبير حكرًا على القوى العظمى، حيث وجهت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي عمليات استهدفت شخصيات بارزة مثل فيدل كاسترو رئيس كوبا، وسلفادور أليندي رئيس تشيلي، وجوزيب بروز تيتو رئيس جمهورية يوغوسلافيا. وقد اكتسبت بعض "النتائج" الناجمة عن الاغتيالات شهرةً أكبر من غيرها مثل اغتيال الزعيم البلشفي المنشق "ليون تروتسكي" في مكسيكو سيتي باستخدام فأس الجليد على يد الشرطة السرية لستالين.
تواصل روسيا والولايات المتحدة، اللتان كانتا ذات يوم القوتين العظميين العالميتين المهيمنتين، ممارساتهما طويلة الأمد المتمثلة في القضاء على الخصوم المتصورين. ويتمسك الكرملين بتقليد قديم يعود إلى قرن من الزمان في القضاء على المنشقين السياسيين داخليًا وخارجيًا لإرسال رسائل تحذيرية إلى المعارضين الآخرين، حيث اُغتيل طيار روسي انشق إلى أوكرانيا في إسبانيا في شهر فبراير 2024 من خلال إطلاق النار عليه ست مرات ثم دهسه بالسيارة مع ترك أغلفة الرصاص روسية الصنع في مكان الحادث فيما يُعد تحذيرًا فظًا لغيره من المعارضين الآخرين. ومؤخرًا، كشفت الاستخبارات الأميركية عن مؤامرة روسية لاغتيال الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات الألمانية القوية التي تعمل في مجال تصنيع الأسلحة وتنتج قذائف مدفعية ومركبات عسكرية لأوكرانيا. كما واصلت الولايات المتحدة أيضًا ممارساتها في تنفيذ اغتيالات رفيعة المستوى كان آخرها اغتيال قاسم سليماني، قائد قوات فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني، الذي قُتل في بغداد في ضربةٍ أظهرت كيف أن الولايات المتحدة لا تكترث كثيرًا بالقانون الدولي.
وتتباين الدول في مستويات خبرتها في تنفيذ عمليات الاغتيال، وغالبًا ما تُعتبر إسرائيل هي المايسترو في هذه الممارسة ولطالما كان الاغتيال مبدأً أساسيًا لها، حيث استهدفت منذ تأسيسها في عام 1948 العديد من القادة النازيين والفلسطينيين والعرب والعلماء الذين يخدمون أعداءها مثل العلماء الألمان الذين عملوا على تطوير برنامج الأسلحة المتقدمة للرئيس المصري جمال عبد الناصر. وفي الوقت الحالي، توسعت أهداف إسرائيل بعدما بات الإيرانيون أهدافًا مهمة للعمليات الإسرائيلية، حيث شملت عملياتها الأخيرة ضد الإيرانيين اغتيال العقيد بالحرس الثوري حسن صياد خدايي الذي كان معروفًا لأفراد المخابرات باعتباره شخصية رئيسية على المستوى التكتيكي في فيلق القدس وكان تركيزه الأساسي منصبًا على محاولة مهاجمة أهداف يهودية وإسرائيلية في الخارج (وهي العمليات التي باءت أغلبها بالفشل).
ومع ذلك، يبدو أن مجموعة الدول التي تطلق محاولات الاغتيال آخذة في التزايد مع انضمام وافدين جدد، حيث وقعت حادثة بارزة في كندا في يونيو الماضي تضمنت إطلاق النار على الانفصالي السيخي هارديب سينج نيجار 34 مرة. بالإضافة إلى ذلك، حذرت الشرطة في يناير الماضي السيخ البريطانيين من المخاطر المتزايدة على حياتهم. ويمثل هذا الحادث دخولًا كبيرًا للهند إلى ساحة تلك الدول التي تستخدم الاغتيال كأداة لتعزيز الأجندات الدولية والمحلية، وهو ما يسلط الضوء على كيف أن الاغتيالات السياسية عادت إلى الظهور من جديد كتكتيكٍ واسع الانتشار ولم تعد حكرًا على حفنةٍ من الدول.
شهد القرن الحادي والعشرون عودة الوساطة كأداة محورية لحل النزاعات الدولية، ويرجع هذا الظهور إلى التعقيدات التي فرضتها الصراعات المعاصرة، و توسع نطاق التهديدات لتتخطي الشكل التقليدي للنزاعات الإقليمية، والحروب الأهلية، والأزمات السياسية، فقد شهد العالم تزايد التهديدات الأمنية غير التقليدية لتشمل قضايا جديدة على رأسها تغير المناخ، والأمن السيبراني، والجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية.
وسبق أن تقدمت دول مختلفة للعب أدوار مهمة في هذا المجال، مستفيدة من فطنتها الدبلوماسية ونفوذها السياسي ومواردها الاقتصادية لتسهيل الحوار ووقف التصعيد، ومن بين أبرز الوسطاء، النرويج التي أثبتت باستمرار التزامها تجاه قضايا بناء السلام من خلال مشاركتها الفعالة في حلحلة العديد من الصراعات، من سريلانكا إلى كولومبيا إلى تسهيلها لاتفاقيات أوسلو ليجسد قدرتها على تعزيز الحوار بين خصوم يبدو أنه لا يمكن التوفيق بينهم.
كما قدمت فنلندا، المشهورة بنهجها المتعدد الأطراف، وتأكيدها على بناء الإجماع عدة مبادرات أبرزها مجموعة أصدقاء الوساطة في سبتمبر 2010، والتي لعبت دورًا رئيسيًا في عمليات بناء السلام في القرن الأفريقي، كما وفرت سويسرا، مستفيدة من تقاليدها الطويلة الأمد المتمثلة في الحياد، مكانًا آمنًا ومحايدًا لعدد لا يحصى من محادثات السلام والمفاوضات، مما عزز بيئة مواتية للتسوية والحل.
ووسط كل هذا الزخم شهدت العشرية الأخيرة ظهور جهات فاعلة غير غربية في مجال الوساطة. وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة كلاعب مهم في الشرق الأوسط وخارجه. فمنذ تأسيسها، التزمت دولة الإمارات بنهج يجمع بين القيم العربية التقليدية والممارسات الدبلوماسية الحديثة للتعامل مع التعقيدات الثقافية للصراعات الإقليمية، كما تبنت سياسة تعزيز السلام والأمن والاستقرار في منطقتها والعالم، وتجلى هذا الالتزام في مبادراتها العديدة التي ساهمت في تهدئة الصراعات والأزمات، وأبرزها التوسط في الصراع الدائر في اليمن، والتوفيق بين الهند وباكستان، دورها المحوري في اتفاق السلام التاريخي بين إثيوبيا وإريتريا في عام 2018، وتسهيلها لعمليات تبادل أسرى الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والوساطة بين روسيا والولايات المتحدة، كما نشطت في الساحة متعددة الأطراف من خلال استضافتها لمؤتمر المناخ "كوب 28" في دبي.
ومع الرغم من ذلك، فإن طريق الوساطة لا يخلو من التحديدات. فالتعقيدات المتأصلة في العديد من الصراعات الإقليمية، والمصالح المتضاربة للأطراف المعنية، والحاجة إلى تحقيق التوازن بين جهود الوساطة والمصالح الوطنية، كلها عوامل يمكن أن تعيق تحقيق حلول مستدامة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحفاظ على الحياد في المواقف المستقطبة، ومحدودية النفوذ على الجهات الفاعلة من غير الدول، والقيود المحتملة على القدرات، كلها تحديات يجب على دولة الإمارات التغلب عليها لضمان استمرار نجاح جهودها في الوساطة. لذا يسعي هذا التحليل إلى استعراض دور دولة الإمارات كوسيط دولي صاعد، مع التركيز على العوامل التي مكنتها من الصعود، والاستراتيجيات التي تستخدمها، وتأثيراتها على الصراعات الإقليمية والدولية.
في حين أن معظم المناقشات الانتخابية في المملكة المتحدة دائمًا ما تركز على السياسة الداخلية، إلا أن السياسة الخارجية تظل دومًا عاملًا حاسمًا في أي مناقشة انتخابية، ويبدو أن رئيس الوزراء ريشي سوناك كان على درايةٍ بذلك حينما قرر تعيين ديفيد كاميرون وزيرا للدولة لشؤون الخارجية والكومنولث والتنمية. وبغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات، وهو حزب العمال على الأرجح، فمن المؤكد أن ثمة تغييرات جوهرية ستطرأ على الوضع الحالي، وسيواجه رئيس الوزراء المقبل العديد من الملفات والقضايا التي تتراوح من العلاقات الخارجية مع الجيران الأوروبيين إلى الهجرة والدفاع.
يدلي الناخبون الإيرانيون بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية المبكرة المقرر انعقادها 28 يونيو بعد وفاة رئيسها المتشدد إبراهيم رئيسي في حادث غير متوقع نتيجة تحطم طائرة هليكوبتر في مايو الماضي. حيث شهد النظام الإيراني سيناريوهات مماثلة في السابق، ففي عام 1981، تم عزل أبو الحسن بني صدر، أول رئيس للجمهورية بعد الثورة، من قبل مجلس الشورى بسبب عدم كفاءته السياسية. وفي نفس العام، تكرر هذا السيناريو باغتيال الرئيس محمد علي رجائي خليفة بني صدر، بتفجير حقيبة مفخخة عام 1981، وبالتالي فإن الفراغ السياسي والدستوري الحالي ليس بجديد على إيران، فقد حدث مرتين من قبل في فترة من عدم الاستقرار السياسي، وهذه المرة لا تقل أهمية عن سابقاتها.
وكان رئيسي من الشخصيات القليلة التي تحظى بثقة المؤسسة الأمنية وحراس النظام من رجال الدين، وكان من المخطط له الأشراف على تصعيد مرشد أعلى جديد بعد وفاة علي خامنئي أو ربما قد يصبح هو نفسه المرشد الأعلى، وبالتالي فإن وفاة رئيسي ستشكل تحدياً لنظام الملالي في طهران في ظل تحديات داخلية وخارجية شهدتها إيران في الآونة الأخيرة.
ومن ناحية أخري، مهد المرشد الأعلى الإيراني على خامنئي الطريق لإجراء الانتخابات الرئاسية الإيرانية عبر اختيار ستة مرشحين فقط، اجتازوا الفحص الذي أجراه مجلس صيانة الدستور -المكون من أثني عشر رجل دين يعيّنهم المرشد الأعلى، بترشيح من السلطة القضائية وموافقة البرلمان عليهم- من بين 80 مرشحا تقدموا بطلبات ترشحهم للمنصب، وفقاً لمعايير فضفاضة يجري تفسيرها وتأويلها من قبل مجلس صيانة الدستور مما يعطيه قول الفصل في اختيار أو استبعاد بعض المرشحين فعلي سبيل المثال لا يستثني الدستور الإيراني صراحة المرأة من حقها في الترشح للانتخابات الرئاسية ولكن يمنعها مجلس الصيانة من ذلك الحق حيث سجلت أربع سيدات أسماءهن في قائمة الترشح للرئاسة وغيرهم على مدار الثلاثة عشر انتخابات رئاسية ماضية، لم تتم الموافقة على ترشيح أي امرأة إلى الرئاسة بسبب المادة 115 من الدستور التي تنص على أن يكون الرئيس من بين "رجال السياسة والدين من أصل إيراني، ومواطناً إيرانياً، ومديراً وحكيماً، يتمتع بسمعة طيبة وأمانة وتقوى، ويؤمن بأسس جمهورية إيران الإسلامية وبالدين الرسمي للبلاد" ، علاوة على وضع معايير أخري تتعلق بالقدرة على الإدارة والتدبير، بخلاف ذلك الافتراض العام بأن خامنئي يريد رئيسًا مخلصًا ومحافظًا لا يعارضه يؤمن بالثوابت الخاصة بالنظام متمثلة في قدسية وطاعة ولي الأمر وإطاعة المرشد.
لذا يسعي هذا التحليل إلى توضيح أهمية هذه الانتخابات، وكيفية إداراتها، وأولويات التي يبحث عنها الناخب والنظام في الرئيس القادم.
في خطوة مفاجئة، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حل البرلمان ودعا إلى انتخابات مبكرة بعد فوز حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف في الانتخابات الأوروبية في فرنسا بفارق يزيد عن 15 بالمائة، ويرى كثيرون أن هذا القرار محفوف بالمخاطر ويمثل دفعة قوية لليمين المتطرف في الانتخابات، خاصةً وأن فرصته في الفوز بأغلبية برلمانية مطلقة تتجاوز فرصة ائتلاف ماكرون، ومع ذلك، فإن قرار ماكرون لا يخلو من بعض التخطيط الاستراتيجي، وعلى أي حال، لا شك في أن مراقبة السياسة الفرنسية خلال السنوات الثلاث المقبلة ستكون مثيرة للاهتمام بما فيه الكفاية سواء نجح الرئيس الفرنسي في تحقيق مآربه أم لا.
في أبريل 2022، أعلن رئيس الوزراء آنذاك بوريس جونسون عن خطة لترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا بموجب ”مشروع قانون سلامة رواندا“ الذي صدر مؤخرًا حيث أثار هذا القانون جدلًا كبيرًا ووُصف بأنه يتعارض مع الالتزامات القانونية للمملكة المتحدة، كذلك قضت كل من المحكمة العليا البريطانية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن مشروع القانون يشكل انتهاكًا للالتزامات القانونية ولا يتوافق مع الاتفاقيات الدولية الموقع عليها من جانب المملكة المتحدة، وفي يونيو عام 2022، أُلغيت أول رحلة جوية تحمل طالبي اللجوء من المملكة المتحدة إلى رواندا قبل دقائق من إقلاعها بعد أن أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أوامر بإيقافها في اللحظات الأخيرة. وبعد مرور عامين، ومع تولي رئيس وزراء جديد منصبه، أقر البرلمان أخيرًا مشروع القانون بالرغم من الضغوط القانونية الدولية. ومع ذلك، لم ينته الجدل بعد؛ فالتكاليف الاقتصادية الباهظة والمخاوف بشأن حقوق الإنسان لا تزال تجعل (مشروع قانون سلامة رواندا) نقطة خلافية وإشكالية.
يستعد مواطنو الاتحاد الأوروبي خلال شهر يونيو الجاري، للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية المرتقبة. ولطالما كانت الهجرة قضية مهمة لكل من الناخبين والمرشحين، ومع ذلك، وفقًا للعديد من المعلقين الذين استشهدوا باستطلاعات الرأي، فإن الهجرة ربما لم تعد تشكل مصدر قلق رئيسي، حيث طغت عليها قضايا أخرى مثل عدم الاستقرار الاقتصادي، وكوفيد-19، وتغير المناخ. من ناحية أخرى، تشير المزيد من التحليلات إلى أن الهجرة لا تزال قضية محورية، وفي حين أن المشاركين في استطلاعات الرأي قد لا يذكرون الهجرة صراحةً عند سؤالهم عن اهتماماتهم الأساسية، إلا أن أهميتها تبدوا واضحة جلية في مواقف المرشحين وتركيزهم على القضية، ويسلط الضوء على كونها عاملًا أساسيًا في الانتخابات المقبلة وتأثيرها المحتمل على النتائج.
شهدت منطقة جنوب شرق آسيا عددًا من الحروب الطاحنة بداية من خمسينيات القرن الماضي استمرت لعقود، حيث تأثرت هذه المنطقة بالحرب الباردة بشكل كبير، وأصبحت دول مثل فيتنام ساحة قتال بين القوى الشيوعية والرأسمالية لما يزيد عن عشرون عامًا كما طال تأثير حرب الوكالة في المنطقة على لاوس حين دارت الحرب بين قوات الباثيت لاو الشيوعية التي دعمها عدد كبير من الجنود الفيتناميين الشماليين من أصل لاوسي، وحكومة لاوس الملكية لما يزيد عن عشرون عامًا.
واجه البرلمان الأوروبي سلسلة من فضائح الفساد، الأمر الذي أثار المخاوف بشأن نزاهة مؤسسات الاتحاد الأوروبي. وقد سلطت هذه التطورات الضوء على ممارسات جماعات الضغط، وتضارب المصالح، وظاهرة "الباب الدوار" (revolving door) بين أدوار المناصب العامة والقطاع الخاص، ومع اقتراب موعد انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو 2024، أدت هذه الفضائح إلى تأجيج المشاعر المناهضة للاتحاد، ومن المحتمل أن تؤثر على نتائج الانتخابات. ومن جانبها قالت روبرتا ميتسولا (Roberta Metsola)، رئيسة البرلمان الأوروبي، في ديسمبر 2022:
"أناشدكم مقاومة إغراء استغلال هذه اللحظة لتحقيق مكاسب سياسية"، ويكشف بيانها، الذي صدر ردًا على واحدة من أكبر فضائح الفساد في الكتلة، عن قصة أكبر حول الفساد السياسي في أوروبا".
يبدو أن النفوذ الروسي ينتشر بشكل مطرد في جميع أنحاء أوروبا ، ويمتد من الأطراف الشرقية للقارة إلى حدودها الوسطى والغربية، ولا يقتصر هذا التأثير على تشكيل السياسات الداخلية للدول الواقعة ضمن نطاق نفوذها، بل يمتد أيضًا إلى التأثير على السياسة الخارجية الأوروبية وربما المسار المستقبلي للكتلة.
لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا بارزًا في إعادة تشكيل سرديات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ اندلاع أحداث السابع من أكتوبر، فلم يعد تداول الأخبار والمعلومات مقتصرًا فقط على وسائل الإعلام التقليدية، بل صار لمنصات التواصل الاجتماعي صدى أقوي من صدى السلاح، وقسمت الحرب العالم بين إسرائيل وفلسطين، وحتى شبكات التواصل الاجتماعي إلى مؤيد ومعارض مما جعلها عرضه لضغوط بسبب المحتوى المتعلق بالحرب، ووضعت الحرب على غزة تطبيق تيك توك (TikTok)مرة أخرى في قلب جدال ساخن حول مخاطر وتأثير التطبيق باعتباره مساحة عالمية يمكن للأشخاص العاديين إبداء آرائهم من خلالها، ويمكن للفصائل السياسية أن تتقاتل للسيطرة على السرد، خاصة مع تقلص جمهور المنافذ الإخبارية التقليدية.
وانتشرت مؤخرًا العشرات من مقاطع الفيديو الأكثر مشاهدة على تطبيق تيك توك المتعلقة بحرب غزة مع الوسوم المؤيدة للفلسطينيين، ما دفع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى الاجتماع مع المديرين التنفيذيين لتيك توك في فبراير 2024، معرباً عن قلقه من تزايد المحتوي المعادي للسامية على التطبيق منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس، ووعدوا الرئيس هرتسوغ بأنهم سيعالجون المشكلة بشكل أكبر في المستقبل. وفي نفس السياق، أبدت شركات التواصل الاجتماعي التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها بالفعل استعدادها لفرض رقابة على المحتوى المؤيد لفلسطين. ووثقت هيومن رايتس ووتش (Human Rights Watch) في تقريرها الصادر ديسمبر 2023 أكثر من 1050 عملية إزالة وقمع لمحتوى على إنستغرام وفيسبوك نشره الفلسطينيون ومؤيدوهم بين أكتوبر ونوفمبر 2023.
وفي هذا السياق تحركت دعوات من قبل مشرعين أمريكيين وناشطين محافظين ومستثمرين في مجال التكنولوجيا لحظر تطبيق تيك توك في واشنطن نتيجة تزايد مخاوف متعلقة بالتطبيق، والتي لقت صدى واسعًا في 13 مارس 2024 حينما صوت مجلس النواب الأمريكي بأغلبية ساحقة لصالح مشروع قانون يضع بايت دانس (ByteDance) الشركة الأم للتطبيق أمام خيارين أحلاهما مر إما بيع التطبيق لشركة أمريكية أو مواجهة حظر التوزيع من خلال المنصات الرئيسية ومتاجر التطبيقات، وأعرب الرئيس جو بايدن (Joe Biden) عن دعمه لمشروع القانون وأشار أنه مستعد للتوقيع عليه ليصبح قانونًا بعد موافقة مجلس الشيوخ عليه. ولكن التحرك الأمريكي هذه المرة يحمل في طياته مخاوف أخرى لا تتعلق بالأمن القومي الأمريكي فحسب بل تمتد إلى تأثير التطبيق على سمعة إسرائيل التي تضررت في جميع أنحاء العالم نتيجة الانتشار السريع للمحتوي المتعلق بالجرائم التي تمارسها إسرائيل ضد المدنيين في قطاع غزة.
لذا يسعي هذا التحليل إلى توضيح لماذا تغيرت الرؤية الأمريكية لتيك توك من المخاوف الأمنية إلى الترويج بأن التطبيق يسعي لمعاداة السامية؟ وما هي مآلات تطبيق الحظر على كلً من الولايات المتحدة وإسرائيل؟
شنت القوة الجوية التابعة للحرس الثوري الإيراني هجوماً مباشراً لأول مرة على إسرائيل في عملية أطلق عليها "الوعد الصادق" مستهدفة إسرائيل لأول مرة من الأراضي الإيرانية، حيث أمطرت المدن الإسرائيلية بوابل من الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية في وقت متأخر من يوم السبت 13 أبريل 2024، وسبق أن توعدت إيران بالرد على الاستهداف الإسرائيلي الذي طال قنصليتها في دمشق وأسفر عن مقتل سبعة من عناصر الحرس الثوري بينهم أثنين من أهم قيادته في الأول من أبريل، ويأتي ذلك التصعيد المحسوب في إطار دفاع إيران عن سيادتها ومصالحها القومية وتعزيز أمنها الإقليمي في المنطقة، ويركز العالم أنظاره الآن على الضربة التي وجهتها إيران لإسرائيل حجمها، ونوعيتها، وانعكاساتها على المنطقة.
ويمثل الهجوم الإيراني على الأراضي الإسرائيلية تصعيدًا جديدًا بين البلدين، حيث حول الهجوم الصراع بينهما من الظل إلى العلن، وفي هذا السياق سيعتمد الرد الإسرائيلي على ثلاثة عوامل أولها ما إذا كان وكلاء إيران، بما في ذلك الحوثيين وحزب الله، سينضمون إلى القتال؛ وثانيها ما إذا كانت هناك خسائر في صفوف إسرائيل – أو ما إذا كانت أنظمتها الدفاعية، إلى جانب الدعم الأمريكي، تمنع وقوع أضرار جسيمة؛ وثالثها الطريقة التي تختار بها إسرائيل الرد.
لذلك يسعي هذا التحليل إلى توضيح انعكاسات الهجوم وآثاره الاقتصادية على إطراف الصراع.