على مدى عقود، لجأت الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إلى استخدام العقوبات كأداة سياسية لتعزيز الديمقراطية ومنع بعض الدول من تطوير أسلحة نووية أو كيميائية. وتُعد إيران مثالًا بارزًا في هذا السياق، حيث أدت جهودها في تطوير الأسلحة النووية والتكنولوجيات العسكرية المتقدمة إلى فرض أحد أشد أنظمة العقوبات صرامة عليها منذ الثورة الإسلامية عام 1979. وقد تركت هذه العقوبات، بما في ذلك الحظر الذي فرضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عامي 2007 و2015، أثرًا بالغًا على الاقتصاد الإيراني. ومع ذلك، ورغم المصاعب الاقتصادية التي أفرزتها، فقد أسهمت أيضًا في تحفيز نمو قطاع التصنيع المحلي، لا سيما في الصناعات الدفاعية والعسكرية، مما يعكس قدرة إيران على التكيُّف مع التحديات. ويهدف هذا التحليل إلى استكشاف التأثير المزدوج للعقوبات المفروضة على إيران، عبر دراسة تداعياتها الاقتصادية، والنتائج غير المتوقعة التي أسهمت في تطوُّر القطاع الصناعي، بالإضافة إلى استراتيجيات الحكومة في التخفيف من آثار هذه العقوبات.
تُعد العقوبات الاقتصادية أداة سياسية فعالة في بعض الأحيان وغالباً ما تطمس الحدود بين الدبلوماسية والحرب الاقتصادية. وتبرز إيران كدراسة حالة رئيسية في هذا الإطار، إذ تواجه بعضًا من أشد العقوبات المفروضة عالميًا، والتي تستهدف قطاعات مختلفة، إلى جانب مؤسسات وأفراد مرتبطين بأنشطة الانتشار النووي والإرهاب. وقد ألقت هذه العقوبات بظلالها الثقيلة على الاقتصاد الإيراني، متسببة في أضرار جسيمة، لكنها لم تحقق نجاحًا ملموسًا في بلوغ أهدافها السياسية. بل إن محدودية تأثيرها في تحقيق الأهداف السياسية الشاملة باتت أكثر وضوحًا، خاصة بعد اعتراف وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، بأن هذه العقوبات ألحقت معاناة اقتصادية كبيرة بإيران، لكنها لم تُحدث تغييرًا في سلوكها.
ألحقت العقوبات أضرارًا جسيمة بالاقتصاد الإيراني، مما تسبب في سلسلة واسعة من التداعيات السلبية على الاقتصاد الكلي. فقد شملت هذه التأثيرات انخفاضًا حادًا في قيمة العملة الإيرانية، وعجزًا كبيرًا في الميزان التجاري والمالي، وارتفاعًا ملحوظًا في معدلات التضخم والفقر. ولم تتمكن إيران من التخفيف من الضغوط الاقتصادية التي فرضتها هذه العقوبات. وبحسب البنك الدولي، فقد تراجع أكثر من 20% من الطبقة المتوسطة الإيرانية إلى ما دون خط الفقر، حيث خرج حوالي 9 ملايين إيراني من نطاق هذه الفئة الاجتماعية. وقد أدى هذا التدهور الاقتصادي إلى زيادة اعتماد السكان على المساعدات الحكومية، إذ بات 80% منهم يعتمدون عليها. ويرى خبراء مثل ولي نصر ونرجس باجوغلي Nasr and Bajoghli أن الطبقة الوسطى– التي يُنظر إليها على أنها محرك محتمل للتغيير داخل البلاد– كانت الأكثر تضررًا من هذه الضغوط الاقتصادية. علاوة على ذلك، أثّرت العقوبات سلبًا على قدرة الإيرانيين على تحمّل تكاليف الرعاية الصحية والأدوية ومدى توافرها، مما ألحق ضررًا بالغًا بالنظام الصحي وأثر بشكل حاد على حياة المواطنين وجودة معيشتهم. كما أن القيود المفروضة على النظام المصرفي جعلت عملية استيراد الأدوية أكثر تعقيدًا، وهو ما يُعدّ انتهاكًا صارخًا للحقوق الأساسية للإنسان.
علاوة على ذلك، يتجلى التأثير العميق للعقوبات في الانكماش الحاد الذي شهده الاقتصاد الإيراني، والذي قُدِّر بنسبة تتراوح بين 15-20% خلال الفترة من عام 2012 إلى عام 2015، نتيجة لتشديد العقوبات، وفقًا لما أشار إليه وزير الخزانة الأمريكي السابق جاكوب ليو Jacob Lew. وقد أسفر هذا الانكماش عن خسائر ضخمة، حيث بلغت خسائر عائدات النفط نحو 160 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، جُمِّدت أكثر من 100 مليار دولار من الأصول الإيرانية في حسابات خارجية، مما شكّل ضربة قوية للاستقرار المالي للبلاد. ويعكس هذا التدهور الاقتصادي الاتجاه العام لنمو الناتج المحلي الإجمالي الإيراني، الذي شهد تراجعًا ملحوظًا، حيث انخفض من 12.7% في عام 1970 إلى 5.5% في عام 2023. كما أدى الحظر النفطي، إلى جانب انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع معدلات البطالة، وتصاعد الأسعار، إلى تفاقم الضغوط على الإيرادات الحكومية. وأسهمت الاضطرابات في سلاسل التوريد الأساسية للسلع المستوردة، إضافة إلى تراجع الإنتاج الغذائي المحلي، وتقليص الدعم الحكومي، وارتفاع معدلات التضخم، والنمو السكاني السريع، والتوسع الحضري، وتراجع الموارد الزراعية، في تفاقم أزمة الأمن الغذائي في البلاد.
تفاقمت هذه الضغوط التضخمية بفعل تأثير العقوبات على عائدات النفط، إلى جانب القيود المفروضة على الوصول إلى العملات الأجنبية، مما أدى إلى تراجع حاد في قيمة الريال الإيراني. ونتيجة لذلك، سجلت إيران معدل تضخم بلغ 44.6% في عام 2023، ما وضعها في المرتبة العاشرة عالميًا من حيث ارتفاع الأسعار. وفي محاولة للحد من هذه الأزمة، لجأت الحكومة الإيرانية إلى تطبيق نظام ترشيد العملة بهدف ضبط الطلب المحلي على الريال والتخفيف من الضغوط التضخمية.
وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات قيّدت القدرات الاقتصادية لإيران بشكل كبير، فإنها لم تنجح في دفعها للتخلي عن طموحاتها النووية. وبدلًا من ذلك، ركّزت إيران على تعزيز اكتفائها الذاتي، لا سيما في مجالات الإنتاج الصناعي والعسكري.
رغم أن العقوبات فرضت قيودًا صارمة على النمو الاقتصادي في إيران، فإنها ساهمت في تطوير قطاع تصنيع أكثر اعتمادًا على الذات. فقد شهدت بعض الصناعات، لا سيما الدفاعية والعسكرية، نموًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، إلا أن التأثير العام للعقوبات على قطاع التصنيع لا يزال معقدًا. فقد أجبرت هذه القيود إيران على التكيُّف وتطوير قدرات إنتاجية مستقلة، رغم ارتفاع تكاليف التصنيع نتيجة غياب الميزة التنافسية والاستثمار الأجنبي. فمنذ الثورة الإيرانية، باتت البلاد أكثر قدرة على إنتاج الصواريخ والأسلحة منخفضة التكلفة، إلى جانب تطوير حلول نووية وتكنولوجية متقدمة. وتشير الدراسات إلى زيادة كبيرة في عدد الشركات عبر مختلف القطاعات، حيث أسهم كل من القطاعين العام والخاص في دفع معدلات النمو في مجالات محددة. وعلى الرغم من أن قطاع التصنيع الإيراني كان الأقل تأثرًا سلبيًا بالعقوبات مقارنة بغيره من القطاعات، فإنه لم يتمكن سوى جزئيًا من تعويض تباطؤ النمو وتراجع الصادرات في قطاع الطاقة. ورغم ارتفاع إجمالي الصادرات الإيرانية، فإن التحديات المستمرة، مثل القيود المصرفية والاختلالات الجمركية، لا تزال تعرقل النمو. وتفسّر هذه العوامل سبب احتفاظ العديد من الشركات المصنعة الإيرانية بنظرة تشاؤمية تجاه فرص التصدير، كما أوضحت دراسة أجراها الباحث جواد شمسي على مستوى الشركات. وبالإضافة إلى القيود المباشرة المفروضة على الوصول إلى التكنولوجيا والاستثمار، أثّرت العقوبات سلبًا أيضًا على قطاع التصنيع الإيراني من خلال تقليل كفاءة استخدام الطاقة. كشفت إحدى الدراسات أن زيادة شدة العقوبات ارتبطت بانخفاض كفاءة استخدام الطاقة بنسبة 3.2% عبر 24 قطاعًا صناعيًا فرعيًا، مما أدى إلى مزيد من القيود على الإنتاجية والتنافسية في التصنيع.
علاوة على ذلك، واجه قطاع التصنيع الإيراني في السنوات الأخيرة العديد من التحديات، من بينها حالة عدم اليقين الجيوسياسي، واضطرابات سلاسل التوريد، وتغير تفضيلات المستهلكين، إلى جانب تشديد العقوبات. ورغم هذه العقبات، لا يزال القطاع يستفيد من عوامل إيجابية، مثل تزايد الطلب العالمي، والابتكارات التكنولوجية، وارتفاع الاستثمارات في مجالي الأتمتة والرقمنة. وقد بدأت الشركات المصنعة التي تتبنى التحول الرقمي والأتمتة في وضع نفسها على مسار النجاح طويل الأمد. فمن خلال الإدارة الفعالة لضغوط التكلفة مع الحفاظ على التزامها بالجودة، بات بإمكان هذه الشركات مواجهة الأزمات الحالية والخروج منها أكثر قوة وقدرة على التكيُّف. ويظل مستقبل قطاع التصنيع واعدًا، مدفوعًا بعوامل المرونة والابتكار.
وكان أحد أبرز مظاهر هذا النمو الصناعي هو التوسُّع في صناعة الأسلحة الإيرانية. وتُظهر البيانات الصادرة عن وزارة الصناعة والمناجم والتجارة الإيرانية أن غالبية تراخيص التصنيع التي مُنحت بعد الثورة الإيرانية وُجّهت إلى الشركات والصناعات المنخرطة بشكل كبير في تطوير الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ والأنظمة الدفاعية الأخرى، فضلًا عن تطوير البرنامج النووي. إلى جانب ذلك، شهدت قطاعات أخرى، مثل الصناعات الكيميائية والمنتجات الكيماوية، والمطاط والبلاستيك، والآلات والمعدات، والأنشطة المتعلقة بالحواسيب، نموًا ملحوظًا في إطار هذه التوجهات الصناعية.
شهدت صناعة الأسلحة في إيران نموًا كبيرًا، ما جعلها قوة إقليمية بارزة في مجال تكنولوجيا الصواريخ. ورغم أن العقوبات لعبت دورًا رئيسيًا في تحفيز تطوّر هذا القطاع، فإنها لم تكن العامل الوحيد وراء توسّعه. فمن الواضح أن جزءًا كبيرًا من الوظائف الشاغرة في المنشآت الصناعية الحاصلة على تراخيص الاستغلال يتركّز على إنتاج وتطوير الأسلحة وغيرها من السلع التي استهدفتها العقوبات الأمريكية. وقد شهد عدد هذه الوظائف ارتفاعًا سريعًا، مما يعكس تزايد الاهتمام بالصناعات التي تأثرت مباشرة بهذه القيود.
ويُزعم أن إيران نجحت في تطوير صناعة أسلحة عالمية متنامية، لا سيما خلال العقد الماضي. ووفقًا لما أعلنه النظام الإيراني، هناك “خمس آلاف شركة قائمة على المعرفة تتعاون مع صناعاتها الدفاعية لتطوير أسلحة مبتكرة”. ويشمل هذا الجهد ما يُقدّر بين 200 و240 منشأة إنتاجية، موزّعة داخل إيران وفي دول أخرى مثل سوريا وطاجيكستان وفنزويلا. ويرى البعض أن هذا التطوّر يعكس إصرار إيران وقدرتها على تعزيز قوتها العسكرية، رغم القيود الدولية المفروضة عليها.
وفيما يتعلق بأنواع الأسلحة التي قامت إيران بتصنيعها، فقد ركّزت مؤخرًا على تطوير الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة منخفضة التكلفة. ويُقال إن أسعار الطائرات المسيّرة الإيرانية تتراوح بين 20 ألف و50 ألف دولار، مما يجعلها خيارًا اقتصاديًا مقارنةً بالطائرات الروسية، التي قد تصل تكلفتها إلى 3 ملايين دولار. وتُعدّ سلسلة “شاهد” و”مهاجر” من أبرز الطائرات المسيّرة الإيرانية، حيث تم الكشف عن أحدث نماذجهما في عامي 2021 و2023 على التوالي. أما على صعيد الصواريخ الباليستية، فتبرز صواريخ “فاتح-110″ و”ذو الفقار” و”قيام-1″ كأبرز الأسلحة الثقيلة التي طوّرتها إيران. ويعكس هذا التركيز على الإنتاج المحلي للأسلحة، لا سيما في مجال التقنيات منخفضة التكلفة، أحد المحاور الأساسية في استراتيجيات إيران الرامية إلى التخفيف من تأثير العقوبات.
بعد فرض العقوبات، تبنّت إيران مجموعة من الاستراتيجيات الاقتصادية للتخفيف من تداعياتها، حيث كان تعزيز الإنتاج المحلي أحد المحاور الرئيسية لهذه الجهود، من خلال نهج متعدد الجوانب. ورغم أن زيادة الأجور في القطاع العام قد أسهمت بشكل طفيف في التخفيف من الضغوط الاقتصادية، فإن التدابير الأكثر تأثيرًا تمثّلت في إلغاء بعض أشكال الدعم على الواردات، ورفع أسعار شراء القمح، وزيادة أسعار المواد الغذائية الخاضعة لسيطرة الحكومة. أدّت هذه الإجراءات إلى ارتفاع حاد في تكاليف الغذاء بنسبة 25% شهريًا، رغم أن التأثير العام لهذه السياسات لا يزال غير واضح تمامًا. وبالتوازي مع جهودها لتعزيز الإنتاج المحلي، اتجهت إيران أيضًا إلى تنويع شراكاتها التجارية، مستغلةً ارتفاع أسعار النفط العالمية لتحسين ميزانياتها المالية الداخلية والخارجية، إلى جانب دعم قطاعها غير النفطي. كما شمل هذا التوجه توقيع اتفاقيات تجارية جديدة وتوسيع شراكاتها الاقتصادية مع دول غير غربية، مثل الصين وروسيا، بهدف تجاوز القيود المفروضة عليها.
لم تكن استراتيجية تنويع التجارة نهجًا جديدًا بالنسبة لإيران، بل تمتد عبر تاريخها كوسيلة فعالة لمواجهة الضغوط الخارجية. فخلال الحرب الإيرانية-العراقية، أولت إيران أهمية خاصة لتنويع طرق تجارتها، في محاولة لتقليل اعتمادها على الموردين الغربيين. وبعد انتهاء الحرب، ركّزت جهودها على توسيع صادراتها غير النفطية، نظرًا لعدم استقرار أسواق النفط. وفي التسعينيات، ومع انهيار الاتحاد السوفيتي، سعت إيران إلى إقامة شراكات اقتصادية إقليمية، خاصة مع الجمهوريات السوفيتية السابقة والدول المجاورة. وقد أصبحت هذه الشراكات عنصرًا أساسيًا في استراتيجيتها لمواجهة العقوبات الأمريكية التي استهدفت قطاع النفط الإيراني، مما يعكس نمطًا متكررًا من استخدام العلاقات التجارية كأداة للتكيّف مع التحديات الاقتصادية.
تشير هذه الأمثلة التاريخية إلى نهج ثابت في السياسة التجارية الإيرانية، حيث استُخدمت التجارة كأداة استراتيجية للتعامل مع الضغوط الخارجية. فعلى سبيل المثال، أدّت العقوبات المفروضة في الثمانينيات إلى إعادة هيكلة السياسات التجارية لإيران، مما دفعها إلى البحث عن شركاء اقتصاديين جدد، مع تجنّب المورّدين التقليديين مثل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة واليابان، خشية التأثُّر بالنفوذ السياسي الأمريكي. ونتيجة لذلك، عززت إيران علاقاتها التجارية مع الدول الأوروبية الأصغر، ودول أوروبا الشرقية، ودول عدم الانحياز. كما مكّنها دستور ما بعد الثورة من فرض رقابة مشددة على التجارة، حيث أصبح من الضروري أن يحصل المستوردون من القطاع الخاص على تصريح مسبق قبل استيراد السلع. وتعزّزت هذه السيطرة من خلال اتفاقيات ثنائية انتقائية، مما أدى إلى تغيير مصادر استيراد السلع الأساسية– مثل القمح واللحوم والحديد– من الدول الغربية إلى دول مثل أستراليا ونيوزيلندا والسويد والدنمارك ودول الكتلة الشرقية. ومع مرور الوقت، نجحت إيران في تقليل اعتمادها على الاقتصادات الغربية بشكل كبير، حيث خفّضت وارداتها من الولايات المتحدة إلى الصفر بحلول عام 1996.
أخيرًا، تكشف تجارب العقوبات عن نهج استراتيجي ثابت اتبعته إيران للتخفيف من آثار القيود الاقتصادية. فعلى سبيل المثال، عند مواجهة العقوبات المفروضة على إيران وليبيا، بحثت طهران في عدة استراتيجيات لتقليل تأثير هذه العقوبات. تمثّل أحد الأساليب الرئيسية التي اعتمدتها إيران في تعزيز التكنولوجيا المحلية لقطاع النفط، مما قلّل من اعتمادها على الاستثمار الأجنبي وساعد في تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا القطاع الحيوي. ورغم ما تحمله من مخاطر سياسية، درست إيران إمكانية الانخراط في حوار دبلوماسي مع الولايات المتحدة لتخفيف العقوبات. كما استغلت إيران المعارضة الدولية للعقوبات ذات الطابع العابر للحدود، وشجّعت الشركات غير الأمريكية على مواصلة تعاملاتها التجارية معها. ولجذب الاستثمارات الأجنبية، عرضت إيران شروطًا مغرية لمشاريع النفط والغاز، ما دفع العديد من الشركات الأوروبية والروسية والآسيوية إلى الاستثمار فيها، على الرغم من الضغوط الأمريكية. وفي الوقت ذاته، ركزت إيران أيضًا على تطوير قدراتها الصناعية المحلية لدعم قطاع النفط، مما سمح لها بتقليل اعتمادها على الموردين الدوليين. ورغم أن هذه الاستراتيجيات وُضعت خصيصًا لمواجهة العقوبات المفروضة على إيران وليبيا، فإنها تعكس النهج الأوسع الذي تتبعه طهران في التعامل مع العقوبات، والذي يرتكز على تعزيز القدرات الذاتية، وتوسيع التحالفات الدولية.
تُسلّط تجربة إيران في ظل العقوبات الشاملة الضوء على قدرتها على الصمود، لكنها في الوقت ذاته تكشف عن التحديات العميقة التي لا تزال تواجهها. فعلى الرغم من أن العقوبات فرضت ضغوطًا هائلة على الاقتصاد، عبر تقليص عائدات النفط، ورفع معدلات التضخم، وتفاقم الفقر على نطاق واسع، إلا أنها دفعت إيران أيضًا إلى تطوير اقتصاد أكثر اعتمادًا على الذات. ورغم ما يعانيه قطاع التصنيع من اضطرابات في سلاسل التوريد وانخفاض كفاءة استخدام الطاقة، فقد تمكّن من التكيّف مع الظروف المفروضة عبر التركيز على التطورات العسكرية والتكنولوجية، مما عزّز مكانة إيران كقوة إقليمية في إنتاج الأسلحة. لكن هذا الاكتفاء الذاتي جاء على حساب النمو الاقتصادي الأوسع والرفاهية الاجتماعية، إذ أسهمت العقوبات في تفاقم التفاوت الاقتصادي، وإبطاء الابتكار في القطاعات غير العسكرية، وزيادة الضغط على الموارد العامة. ورغم أن قدرة إيران على التكيّف تعكس تصميمها على تجاوز العقوبات، إلا أن تحقيق تقدّم مستدام يظل مرهونًا بمعالجة التحديات الهيكلية والضغوط الخارجية التي تواجهها البلاد.
ومع ذلك، فإن هذا الصمود يواجه اختبارات متواصلة في ظل التحولات الجيوسياسية المتغيرة. فقد سعت سياسة “الضغط الأقصى” التي انتهجتها الولايات المتحدة– ولا سيما خلال عهد الرئيس دونالد ترامب– إلى تشديد القيود الاقتصادية على إيران، مما أثار تساؤلات حول المسار المستقبلي لاقتصاد البلاد. ورغم أن هذه العقوبات المتجددة تهدف إلى إضعاف الاقتصاد الإيراني، فإن فعاليتها لا تزال غير مؤكدة، خاصة بالنظر إلى التاريخ الطويل لإيران في التكيّف مع الضغوط الخارجية. وسيظل التأثير طويل الأمد للعقوبات مرهونًا بمدى قدرة إيران على التعامل مع هذه التحديات، ومدى نجاحها في التخفيف من تداعيات العزلة الاقتصادية المستمرة.
Do sanctions actually work? Experts evaluate the efficacy of this widely used foreign policy tool, Johns Hopkins in Washington, D.C, February 12, 2024, https://washingtondc.jhu.edu/news/do-sanctions-actually-work-experts-evaluate-the-efficacy-of-this-widely-used-foreign-policy-tool/
Eric Pianin, “Lew: Iran Not Getting the Full $100 Billion of Frozen Assets,” Yahoo Finance, July 26, 2015, https://finance.yahoo.com/news/lew-iran-not-getting-full-101500739.html?
Esfandyar Batmanghelidj, “The limit of Iran’s industrial resilience,” Clingendael, March 24, 2024, https://www.clingendael.org/publication/limit-irans-industrial-resilience
Fatemeh Kokabisaghi, “Assessment of the Effects of Economic Sanctions on Iranians’ Right to Health by Using Human Rights Impact Assessment Tool: A Systematic Review,” PMC PubMed Central, January, 2018, https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC5953521/#:~:text=Sanctions%20decreased%20affordability%20and%20accessibility%20of%20healthcare%20and%20medicine.&text=Sanctions%20on%20Iran%20have%20had,of%20the%20basic%20human%20rights
Holly Dagres and Barbara Slavin, “How Iran will cope with US sanctions,” Atlantic Council, November 5, 2018, https://www.atlanticcouncil.org/in-depth-research-reports/issue-brief/how-iran-will-cope-with-us-sanctions/
Hooman Estelami, “A Study of Iran’s Responses to U.S. Economic Sanctions,” Ciaotest, https://ciaotest.cc.columbia.edu/olj/meria/meria99_esh01.html
Iran GDP Annual Growth Rate, Trading Economics, https://tradingeconomics.com/iran/gdp-growth-annual
Jacob Lew, “Remarks of Treasury Secretary Jacob J. Lew to The Washington Institute,” The Washington Institute for Near East Policy, April 29, 2015, https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/remarks-treasury-secretary-jacob-j-lew-washington-institute
Kate Winston, “Broad US sanctions on Iran have failed, have tightened regime’s grip, experts say,” S&P Global, March 21, 2024, https://www.spglobal.com/commodityinsights/en/market-insights/latest-news/oil/032124-broad-us-sanctions-on-iran-have-failed-have-tightened-regimes-grip-experts-say
Manufacturing – Iran, Statista, 2025 https://www.statista.com/outlook/io/manufacturing/iran
Mohammad Reza Farzanegan and Esfandyar Batmanghelidj, “Understanding Economic Sanctions on Iran: A Survey,” degruyter, June 22, 2023, https://www.degruyter.com/document/doi/10.1515/ev-2023-0014/html?lang=en&srsltid=AfmBOooWWEOMhrHcifnHZX4-r-jXU_6pYQHyW0Go7ksiH6QtPv5BAyYX
Mohammad Reza Farzanegan, “What are the big economic challenges facing the government in Iran?” Economics Observatory, March 6, 2023, https://www.economicsobservatory.com/what-are-the-big-economic-challenges-facing-the-government-in-iran
Mohammad Reza Farzanegan, Leyla Jabari, Ali Salem and Omid Zamani, “The Forum ERF Policy Portal,” Sanctions and energy efficiency in Iran’s industries, October 22, 2024, https://theforum.erf.org.eg/2024/10/22/sanctions-and-energy-efficiency-in-irans-
V. Cherkasova, “Development of Iran’s agricultural sector in the context of economic sanctions,” ResearchGate, July 2023, https://www.researchgate.net/publication/372870711_Development_of_Iran’s_agricultural_sector_in_the_context_of_economic_sanctions#:~:text=The%20impact%20of%20sanctions%20is,infl%20ation%20combined%20with%20population
Pardis Gheibi, “THE RISE AND FALL OF U.S. SECONDARY SANCTIONS: THE IRAN OUTCASTING AND RE-OUTCASTING REGIME,” School of Law University of Georgia, 2022, https://digitalcommons.law.uga.edu/cgi/viewcontent.cgi?article=2540&context=gjicl&utm
Remarks of Secretary Jacob J. Lew at The Washington Institute for Near East Policy 30th Anniversary Gala, April 29, 2015, U.S. Department of the Treasury, https://home.treasury.gov/news/press-releases/jl0040?utm
Schulz Charles, “Iran’s arms industry: expansion and global implications,” Action on Armed Violence, November 20, 2023, https://aoav.org.uk/2023/irans-arms-industry-expansion-and-global-implications/
تعليقات