تُشكل أزمة التمويل تحديًا مُلحًا لجهود مُكافحة تغيُّر المناخ. فعلى الرغم من التعهدات الدولية، مثل تلك التي قُطعت في عام 2009 بتقديم 100 مليار دولار سنويًا للدول النامية بحلول عام 2020، إلا أنَّ الواقع يُشير إلى وجود فجوة تمويلية كبيرة تُعيق التقدم المُحرز في مجال التخفيف من آثار تغيُّر المناخ والتكيُّف معه. وعلى الرغم من أن اتفاق باريس لعام 2015 يهدف إلى الحد من الاحتباس الحراري، إلا أنه يواجه تحديات جمة في التنفيذ، ويُعزى هذه التحديات إلى عوامل مُتعددة، من بينها عدم كفاية التعهدات المالية من الدول المُتقدمة، وغياب آليات فعّالة للمُساءلة والشفافية لضمان الوفاء بهذه التعهدات. وتُؤكد هذه المُعطيات على ضرورة اضطلاع الدول المُتقدمة بدور قيادي في مُعالجة أزمة المناخ و التخفيف من آثار الاحتباس الحراري وتوفير الدعم المالي الكافي.
كما إنَّ عدم مُعالجة هذه الفجوة التمويلية يُنذر بعواقب وخيمة، لا سيما على الدول النامية التي تُعد الأكثر عُرضة لتداعيات تغيُّر المناخ. ويتمثل ذلك في تفاقم الظواهر الجوية المُتطرفة، وارتفاع منسوب مياه البحر، وتدهور الأنظمة البيئية، مما يُهدد سُبل عيش الملايين ويُعيق التنمية المُستدامة.
كما يُشكِّل تغيُّر المناخ تحديًا للنمو المستدام في عددٍ من الصناعات، وهو ليس مجرد شاغل بيئي، بل هو أيضًا مشكلة اقتصادية. فالاستثمار غير الكافي في مجال تغيُّر المناخ يؤدي إلى تفاقم المشاكل، بما في ذلك تزايد الديون لدى الدول النامية، وانخفاض الإنتاجية الزراعية، وانعدام الأمن الغذائي، والتقلُّبات في صناعات مثل السياحة. لذا، يتطلب الأمرُ مُراجعة شاملة للاتفاقيات الدولية المُتعلقة بتغيُّر المناخ، بهدف تعزيز فعاليتها وضمان تحقيق أهدافها. ويشمل ذلك إعادة النظر أيضًا في آليات التمويل، وتعزيز المُساءلة، وتطوير آليات فعّالة للتعاون الدولي.
على الرغم من أن الالتزامات المالية المتعلقة بالمناخ التي تعهدت بها الدول المتقدمة في عام 2009 والبالغة 100 مليار دولار أمريكي، والتي تمثل خطوة مهمة نحو تلبية احتياجات الدول النامية في التخفيف من آثار تغيُّر المناخ، إلا أنها غالبًا ما اتسمت بعدم الكفاية وعدم الوفاء بالالتزامات. وعلى الرغم من تحقيق الهدف أخيرًا في عام 2022، ولكن لا تزال هناك مخاوف بشأن التوزيع العادل للمساعدات، مع قصور بعض الدول ذات الدخل المرتفع عن تلبية التوقُّعات. وتقوّض هذه الفجوة التمويلية الثقة في نزاهة الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمناخ، وتزيد من تفاقم مَواطن الضعف لدى البلدان النامية المتأثرة بشكل غير متناسب بالآثار الضارة لتغيُّر المناخ.
وتساهم عدة عوامل حاسمة في هذا التحدي. أولًا، افتقر التعهد الأولي إلى الدقة في تحديد مساهمات كل دولة على حدة، والفَصل بوضوح في توزيع مخصصات التمويل على تدابير التخفيف مقابل تدابير التكيُّف، مما يعيق التنفيذ الفعَّال وأطر المساءلة القوية. ثانيًا، إن الدعم المالي الذي طلبته البلدان النامية للوفاء بمساهماتها المحدَّدة وطنيًا بموجب اتفاق باريس يتجاوز بشكل كبير المستوى الحالي للتمويل المتاح، حيث لا تتماشى المساعدات الحالية مع الاحتياجات والأولويات المعلَنة للدول المستفيدة. ثالثًا، يواجه صندوق المناخ الأخضر -الذي أُنشئ لتبسيط وتسهيل هذه التدفقات المالية- عوائق تشغيلية، بما في ذلك تحديات الوصول إلى الحكومات المحلية والعقبات البيروقراطية المتأصلة المرتبطة بصرف المساعدات الدولية.
ومما يزيد من تعقيد الوضع هو التحدي المستمر المتمثل في التتبع الدقيق لتدفقات التمويل المتعلق بالمناخ. ويمكن أن يؤدي الغموض المحيط بتعريف التمويل المناخي، لا سيما في التمييز بين مساعدات التكيُّف والمساعدات الإنمائية التقليدية، إلى تقديم تقارير خاطئة والمبالغة في تصوير الالتزامات التي تم الوفاء بها. ويُشكِّل عدم وجود قواعد محاسبية موحدة للتمويل المتعلق بالمناخ عقبة كبيرة أمام إجراء تقييم شفاف ودقيق للتقدم المحرز نحو تحقيق هدف الـ 100 مليار دولار أمريكي.
أن الآثار المترتبة على هذه الالتزامات المالية غير المُلباة عميقة، فالبلدان النامية -التي تتحمل بالفعل العبء الأكبر من آثار تغيُّر المناخ- كثيرًا ما تُحرَم من الموارد اللازمة للتكيُّف مع هذه الآثار والتخفيف من حدتها بشكل فعَّال. ويؤكد هذا الوضع المحفوف بالمخاطر على الحاجة الملحة إلى زيادة كبيرة في الدعم المالي، وتعزيز آليات الشفافية والمساءلة في إطار هيكل التمويل المناخي، وتوزيع أكثر إنصافًا للمسؤولية في مواجهة هذه الأزمة العالمية. كما أن تجديد الالتزام بتعددية الأطراف والشراكة الحقيقية بين الدول المتقدمة والدول النامية أمر ضروري، لضمان ترجمة الوعود المُقدَّمة إلى إجراءات ملموسة، بما يحمي مستقبل الكوكب للأجيال القادمة.
كما أن توفير التمويل للبلدان النامية للتكيُّف مع آثار تغيُّر المناخ لا يفي بشكل كبير بالاحتياجات المتزايدة التي يفرضها تغيُّر المناخ. لا سيما الدول الجُزرية الصغيرة النامية، التي تواجه تكاليف باهظة تُقدّر حاليًا بحوالي 141 مليار دولار أمريكي سنويًا نتيجة للظواهر الجوية المُتطرفة، ومن المُتوقع أن تصل هذه التكاليف إلى تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2030 إذا لم تُتخذ تدابير التكيُّف المُناسبة، ولا تُفاقم هذه الفجوة التمويلية المخاطر الحالية فحسب، بل تُهدد أيضًا قدرة البلدان النامية على تعزيز صمودها في وجه آثار تغيُّر المناخ، مما يُعرّض مسار التنمية المُستدامة فيها للخطر.
وعلى الرغم من الاعتراف بوجود حاجة ماسة لتدفقات كبيرة لتمويل التكيُّف، فإن المستويات الحالية لا تزال غير كافية على الإطلاق. وتشير التقديرات إلى أن التكاليف السنوية للتكيُّف في البلدان النامية قد تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات، حيث تحتاج إفريقيا وحدها إلى ما يُقدر بنحو 20-30 مليار دولار أمريكي سنويًا. وبينما تشير التقارير إلى أن التمويل العالمي للتكيُّف ارتفع من 10.1 مليار دولار أمريكي إلى 28.6 مليار دولار أمريكي بين عامي 2016 و2020، إلا أن هذا المبلغ يتضاءل مقارنةً بالاحتياجات المتوقَّعة. ويؤكد هذا التباين الصارخ على وجود خلل جوهري في هيكل التمويل الدولي للمناخ، لحشد الموارد اللازمة لدعم الفئات السكانية الضعيفة وتوزيعها بفعالية.
علاوة على ذلك، فإن الاعتماد المتزايد على التمويل المُقدَّم من القطاع الخاص لسد هذه الفجوة يثير القلق. ففي حين أن الاستثمار الخاص يمكن أن يلعب دورًا تكميليًا قيّمًا، إلا أنه لا يمكن أن يكون بديلًا عن التمويل العام المطلوب لتلبية احتياجات التكيُّف بشكل شامل. ويتطلب حشد مشاركة القطاع الخاص تهيئة بيئة مواتية، بما في ذلك أطر سياسات واضحة، وأدوات تخفيف المخاطر، وآليات مالية مبتكرة. ومع ذلك، فإن هذا الأمر مُعقَّد، بسبب عدم الوضوح بشكل مستمر فيما يتعلق بتعريف التمويل المناخي ونطاقه، مما يؤدي إلى صعوبات في تتبع التدفقات المالية والإبلاغ عنها بدقة.
كما تُعد الحوكمة المؤسسية الفعَّالة أمرًا بالغ الأهمية للنجاح في توزيع التمويل المناخي من أجل التكيُّف. وتميل البلدان التي لديها أُطُر حوكمة قوية إلى اجتذاب قدر أكبر من التمويل المتعلق بالمناخ، مما يعزز قدرتها على تنفيذ استراتيجيات التكيُّف. وعلى العكس من ذلك، تواجه العديد من الدول النامية تحديات في مجال الحوكمة تعيق قدرتها على الوصول إلى التمويل المناخي واستخدامه بفعالية. وهذا يؤكد على الحاجة إلى الدعم الدولي، ليس فقط في شكل موارد مالية، ولكن أيضًا من خلال مبادرات بناء القدرات لتعزيز الأُطُر المؤسسية لدى البلدان الضعيفة.
وتتطلب معالجة فجوة تمويل التكيُّف اتباع نهج متعدد الأوجه. ويشمل ذلك زيادة كبيرة في التزامات التمويل العام من البلدان المتقدمة، وآليات مبتكرة للاستفادة من استثمارات القطاع الخاص، وتعزيز القدرات المؤسسية في البلدان النامية لاستيعاب الموارد المالية وتوزيعها بفعالية. علاوة على ذلك، من الضروري وضع تعريف واضح ومقبول عالميًا للتمويل المناخي لضمان الشفافية والمساءلة في تتبع التقدم المحرز نحو تحقيق أهداف التمويل.
يُشكِّل عدم وجود هدف جماعي واضح المعالم للتمويل المناخي لما بعد عام 2025 عقبة كبيرة أمام العمل المناخي الفعَّال في البلدان النامية. فبدون هدف واضح للتمويل لما بعد عام 2025، تصبح المواءمة بين استراتيجيات التنمية الوطنية والعمل المناخي الأساسي صعبة للغاية. ويمكن أن يؤدي هذا الغموض إلى تثبيط الاستثمار في المبادرات المناخية طويلة الأجل، مما يعيق الابتكار ويعطل تنفيذ تدابير التكيُّف الحاسمة، لا سيما في المناطق التي تعاني بالفعل من الآثار السلبية لتغيُّر المناخ. علاوة على ذلك، فإن عدم وجود إطار قوي لالتزامات التمويل المناخي في المستقبل يعقّد المشاركة مع المؤسسات المالية الدولية ويعيق الجهود الرامية إلى جذب الاستثمارات الخاصة، وكلاهما أمر حيوي لتحقيق الأهداف الوطنية المتعلقة بالمناخ.
ومع انقضاء الالتزامات الحالية بموجب اتفاق باريس في عام 2025، بما في ذلك هدف جمع 100 مليار دولار أمريكي سنويًا، يثير غياب هدف يخلفه مخاوف جدية بشأن استمرارية الدعم للبلدان النامية. وهذا أمر مقلق بشكل خاص للدول الجزرية الصغيرة النامية المعرضة بشكل غير متناسب لتغيُّر المناخ. علاوة على ذلك، فإن عدم وجود هدف واضح للتمويل المناخي لما بعد عام 2025 قد يؤدي إلى تفاقم التفاوتات القائمة في توزيع التمويل المناخي. وتشير الدلائل إلى أن فعالية التمويل المتعلق بالمناخ تتوقف في كثير من الأحيان على قدرة البلدان النامية على إدارة هذه الأموال واستخدامها بفعالية. فبدون الالتزام بزيادة التدفقات المالية المُتوقَّعة، قد تكافح البلدان ذات الأُطُر المؤسسية الأضعف من أجل الوصول إلى الموارد اللازمة، مما يزيد من ترسيخ التفاوتات في القدرة على التكيُّف مع آثار تغيُّر المناخ والقدرة على الصمود.
ولمواجهة هذا التحدي، ينبغي على المجتمع الدولي أن يعطي الأولوية لوضع هدف جديد للتمويل الجماعي للمناخ يمتد إلى ما بعد عام 2025. وتُعَد مسألة وجود إطار عمل واضح وطموح لما بعد عام 2025 أمرًا ضروريًا للحفاظ على زخم العمل المناخي العالمي، وتعزيز الثقة بين الدول، وضمان حصول البلدان النامية على الدعم اللازم لبناء مستقبل مرن ومستدام في ظل مناخ مُتغيِّر.
لقد أعاق نكث الدول المتقدمة بوعودها بشأن تمويل المناخ قدرة البلدان النامية على التخفيف من آثار تغيُّر المناخ والتكيُّف معه. ومع تزايد حدة الظواهر المناخية التي يواجهها العالم، يتحتم على البلدان المتقدمة أن تفي بالتزاماتها وتقدم المساعدة المالية اللازمة للبلدان النامية. ومن دون اتخاذ إجراءات ملموسة وتجديد الالتزام بتمويل المناخ، يظل هدف الحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية بعيد المنال ويحمل تداعيات اقتصادية على البلدان النامية.
إن فشل الدول المتقدمة في الوفاء بالتزاماتها المالية المتعلقة بالمناخ لا يُقوِّض الأهداف المناخية العالمية فحسب، بل يفاقم أيضًا من نقاط الضعف الاقتصادية للدول النامية، ويزيد من التحديات التي تواجهها في مختلف القطاعات الحيوية، وتتراوح هذه التحديات من أعباء الديون المتزايدة لدى البلدان النامية إلى انخفاض الإنتاجية الزراعية، وزيادة انعدام الأمن الغذائي، وزعزعة استقرار قطاعات حيوية مثل السياحة.
يُعَد ارتفاع عبء الديون في البلدان النامية أحد أكبر الآثار الاقتصادية المترتبة على عدم كفاية التمويل المناخي. ولغرض تمويل مبادرات التكيُّف مع المناخ وإعادة التأهيل بعد الكوارث، تضطر العديد من هذه البلدان إلى اقتراض الأموال من بلدان أخرى. وقد أشار صندوق النقد الدولي إلى أن الدول التي تعاني من صعوبات اقتصادية في الوقت الحالي هي أقل استعدادًا للتكيُّف مع الصدمات المناخية أو الانخراط في التنمية المستدامة، كما أكد أن هذا “الترابط المتزايد بين المناخ والديون” أمر بالغ الأهمية. وقد أدت جائحة “كوفيد-19” إلى تفاقم هذه المشكلة، مما جعل البلدان منخفضة الدخل تعاني من التضخم وعدم اليقين الاقتصادي والفقر المدقع. علاوة على ذلك، تؤثر الكوارث المرتبطة بالمناخ بشكل غير متناسب على البلدان منخفضة الدخل، مما يجعلها أكثر عرضة لضائقة الديون، فأكثر من نصف هذه البلدان معرضة لخطر كبير من ضائقة الديون في الوقت الحالي، بما في ذلك 23 من أكثر الدول عرضة لتغيُّر المناخ.
ويمكن الاطّلاع على رؤى إضافية حول العلاقة بين ضائقة الديون والمخاطر المناخية في تقارير البنك الدولي عن المناخ والتنمية في البلدان. وتُظهر هذه التقارير -التي تشمل 25 دولة، بما في ذلك 11 دولة من البلدان منخفضة الدخل- أن الدول التي تعاني من مشاكل ديون أكبر تكون أكثر عرضة للآثار الاقتصادية السلبية الناجمة عن تغيُّر المناخ. ومع تزايد اعتماد البلدان النامية على القروض الخارجية للتكيُّف مع تغيُّر المناخ، فإن ارتفاع تكاليف الاقتراض يزيد من تفاقم عبء الديون. فقد تضاعف عدد الدول النامية التي تتجاوز ديونها 60% من الناتج المحلي الإجمالي ثلاث مرات تقريبًا، من 22 دولة إلى 59 دولة بين عامي 2011 و2022. وأفادت تقارير صندوق النقد الدولي بأنه اعتبارًا من 30 سبتمبر 2024، باتت هناك 11 دولة تعاني من ضائقة ديون، و24 دولة معرضة لخطر كبير، و25 دولة في خطر معتدل من التعرُّض لأزمة ديون.
وقد سلَّط عدد من القادة الأفارقة الضوء على عبء الديون المتزايد في الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ (كوب 29)، باعتباره عقبة كبيرة أمام القدرة على الصمود والتكيُّف الفعَّال مع المناخ. وأكدوا على أن مستويات الديون المرتفعة في القارة تحد من قدرة البلدان على الاستثمار في المبادرات المناخية الحيوية. علاوة على ذلك، فإن جزءًا كبيرًا من التمويل المناخي المتاح يُقدَّم في شكل قروض وليس منحًا، مما يجعل وضع الديون في الدول النامية أسوأ. وقد أثار هذا الأمر تساؤلات حول جدوى خطط التمويل القائمة على القروض بدلًا من المنح أو الاستثمارات المباشرة، لا سيما في ضوء الضغوط المالية التي تعاني منها هذه البلدان بالفعل.
وفضلًا عن عبء الديون المتزايد، يفاقم التغيُّر المناخي أيضًا من التحديات في مجال الزراعة، مما يزيد من الضغوط على البلدان النامية التي تعتمد اقتصاداتها إلى حد كبير على الزراعة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وسبل العيش.
في العديد من البلدان النامية، تُعَد الزراعة العمود الفقري للاقتصاد، حيث تمثل قدرًا كبيرًا من الناتج المحلي الإجمالي وتوظف قوة عاملة كبيرة (42% من القوى العاملة في إفريقيا، على سبيل المثال). وعلى الرغم من اعتمادها الكبير على الطقس المستقر، إلا أن هذا القطاع أصبح أكثر عرضة للتغيُّرات المناخية. فارتفاع درجات الحرارة، وموجات الجفاف الممتدة، وتعذُّر التنبؤ بهطول الأمطار، والظواهر الجوية المتطرفة تعطل النظم الزراعية وتؤثر على صغار المزارعين الذين يلعبون دورًا حاسمًا في إنتاج الغذاء. ويحتاج هؤلاء المزارعون إلى دعم مالي وتقني خارجي من أجل اعتماد تقنيات قادرة على التأقلم مع المناخ، مثل المحاصيل التي تتحمل الجفاف وأنظمة الري الفعَّالة. وتصبح الاقتصادات الوطنية غير مستقرة ويتعرض الناس للخطر عندما يزداد تواتر تلف المحاصيل وخسائر الماشية ونقص الغذاء.
إن تأثير التغيُّر المناخي على الإنتاجية الزراعية متعدد الأوجه ويختلف من منطقة إلى أخرى. فقد ساهم كلٌ من النمو السكاني والتطوُّر التقني والتوسُّع الصناعي في فقدان الأراضي الزراعية والغطاء الحرجي، في حين أن ارتفاع تركيزات غازات الدّفيئة أعاق الإنتاج. وفي المناطق ذات الموارد المحدودة أصلًا، يؤدي هذا الفقد إلى تفاقم الفقر ويُغذي حلقة مفرغة من الركود الاقتصادي. وقد أكد المسؤولون الأفارقة خلال مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ “كوب 29″، في باكو عاصمة أذربيجان، أن القارة الإفريقية من بين أكثر المناطق تضررًا في العالم، حيث انخفضت الإنتاجية الزراعية بنسبة 30% منذ عام 1961 بسبب تغيُّر المناخ. وتتعرض الاقتصادات الإفريقية لخسائر سنوية في الناتج المحلي الإجمالي تصل إلى 5% نتيجة لهذه الاضطرابات، بسبب المشاكل المرتبطة بالمناخ مثل تآكل السواحل وارتفاع منسوب مياه البحر وتراجع قدرة النظام البيئي على الصمود.
وبالتالي، فإن الأمن الغذائي معرض للخطر أيضًا، لأن الزراعة المحلية تجد صعوبة في مواكبة الطلب المتزايد. وتُعتبر الواردات الغذائية باهظة الثمن ضرورة للبلدان النامية، مما يفرض عبئًا على مواردها المالية ويزيد من عجزها التجاري. ويتعرض الملايين من الناس لخطر المجاعة وسوء التغذية نتيجة لهذا الاعتماد على الزراعة ونقص التمويل المناخي. وحذرت منظمة الأغذية والزراعة من أن إنتاج الغذاء العالمي سيستمر في التدهور بسبب الصدمات الناجمة عن تغيُّر الأحوال الجوية وتناقص المحاصيل. ويعاني ما يقرب من 783 مليون شخص في جميع أنحاء العالم من الجوع المزمن، وقد تتسبب زيادة درجات الحرارة العالمية بدرجتين مئويتين في معاناة 189 مليون شخص إضافي من الجوع، في حين أن زيادة 4 درجات مئوية قد تؤثر على ما يصل إلى 1.8 مليار شخص مع ظهور التأثيرات بشكل أكثر حدة في البلدان النامية.
ويتطلب التصدي لهذه التحديات اتخاذ إجراءات عالمية منسقة. وكخطوة رئيسية في مؤتمر المناخ “كوب 29″، أطلقت منظمة الأغذية والزراعة والرئاسة الأذربيجانية للمؤتمر “مبادرة باكو للتناغم المناخي لتمكين المزارعين في مؤتمر “كوب 29”. وتهدف المبادرة إلى تعزيز نظم الأغذية الزراعية القادرة على التكيُّف مع آثار تغيُّر المناخ، من خلال توحيد الجهود العالمية وتمكين المزارعين، خاصةً النساء والشباب. وبهدف الحد من الانبعاثات والحفاظ على التنوع البيولوجي وتعزيز الأمن الغذائي، تتبنى المبادرة الممارسات القائمة على الأدلة، وتشجع المجتمعات المحلية القادرة على التكيُّف مع المناخ، وتحفز الاستثمارات. ومع تطلُّع المبادرة إلى تسليط الضوء على التقدم المحرز خلال مؤتمر الأمم المتحدة الثلاثين للمناخ (كوب 30)، فإنها تعزز التعاون، ورسم خرائط البرامج، والتبادل المعرفي عبر بوابة متخصصة. ومع ذلك، هناك حاجة إلى المزيد من العمل لمعالجة القضايا التي تواجهها النظم الغذائية الزراعية العالمية بشكل كامل.
وعلى الرغم من أن الأمن الغذائي والإنتاج الزراعي مُهدَّدان بشكل خطير بسبب تغيُّر المناخ، إلا أن آثاره تمتد أيضًا إلى قطاعات مهمة أخرى، مثل السياحة، حيث تتعطل الاقتصادات المحلية ووجهات السفر بسبب تغير أنماط الطقس والتدهور البيئي.
يُعَد قطاع السياحة مساهمًا رئيسيًا في الناتج المحلي الإجمالي ومحركًا رئيسيًا للنمو، وهو قطاع أساسي لاقتصاد العديد من البلدان النامية. يمكن أن تمثل السياحة أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي في اقتصادات الجزر الصغيرة النامية مثل منطقة البحر الكاريبي وجزر المالديف. وبالإضافة إلى دعم هذا القطاع بشكل غير مباشر للأعمال التجارية الأخرى مثل البناء والزراعة، فإنه يدر عائدات مباشرة.
ومع ذلك، مع تزايد التهديدات التي تتعرض لها مناطق الجذب السياحي الحيوية مثل الشواطئ والحيوانات والشعاب المرجانية، أصبحت هذه الصناعة أكثر عرضة للتأثر بتغيُّر المناخ. ففي حين أن تآكل السواحل وارتفاع منسوب مياه البحر يُضران بالشواطئ الشهيرة، مما يُهدِّد ليس فقط جمالها الطبيعي بل أيضًا سُبُل عيش السكان المحليين، فإن ارتفاع درجات حرارة البحر وزيادة نسبة الحموضة في المحيطات يتسببان في ابيضاض الشعاب المرجانية على نطاق واسع. علاوة على ذلك، يمكن أن تتعرض البنية التحتية للسياحة، مثل المطارات والمنتجعات وشبكات النقل، لأضرار كبيرة من الظواهر الجوية القاسية مثل الأعاصير والعواصف والفيضانات. وبالإضافة إلى تغيير البيئة الطبيعية، فإن هذه الاضطرابات تضر بسمعة المواقع المتأثرة، مما يقلل من أعداد السياح ويسبب خسائر مالية طويلة الأجل.
تتأثر العديد من القطاعات، مثل الأسواق المحلية والنقل والضيافة، سلبًا مع تراجع السياحة. وهذا يؤدي بدوره إلى انخفاض أرباح النقد الأجنبي، وزيادة البطالة في القطاعات ذات الصلة، وتوسيع نطاق العجز المالي في البلدان التي تواجه بالفعل صعوبة في حماية نفسها من المخاطر المناخية وتمويل مشاريع التنمية والتكيُّف مع المناخ. وبالتالي، تتفاقم الآثار طويلة الأجل لتغيُّر المناخ، وتُترك البلدان بموارد أقل لحماية بنيتها التحتية وأصولها السياحية من المخاطر المناخية في المستقبل. على سبيل المثال، تواجه جزر المالديف تهديدًا وجوديًا من ارتفاع منسوب مياه البحر لشواطئها الرملية البيضاء، التي تُعَد عامل جذب رئيسيًا للسياح من جميع أنحاء العالم. وفي إفريقيا، حيث تعتمد رحلات السفاري على النظم الإيكولوجية السليمة وهجرات الحيوانات المنتظمة، أثرت أنماط الطقس غير المنتظمة والجفاف الذي طال أمده سلبًا على السياحة القائمة على الحياة البرية في دول مثل كينيا الني تُشكِّل السياحة حوالي 70% من دخلها القومي.
والجدير بالذكر أنه في 20 نوفمبر 2024، سيخصص مؤتمر الأمم المتحدة لتغيُّر المناخ يومًا موضوعيًا كاملًا حول العمل المناخي في مجال السياحة لأول مرة. وانصب التركيز الرئيسي للحدث على كيفية مساعدة السياحة في مكافحة تغيُّر المناخ، مع التركيز على إزالة الكربون والقدرة على التكيُّف والحلول الإبداعية. وجرى تقديم “إعلان باكو”، كما عُقد الاجتماع الوزاري الأول حول تعزيز العمل المناخي في قطاع السياحة، وجرت مناقشة الإطار الإحصائي لقياس الأثر البيئي للسياحة وأدوات أخرى.
تعاني البلدان النامية من تداعيات اقتصادية خطيرة عندما تفشل البلدان المتقدمة في الوفاء بتعهداتها المتعلقة بالمناخ، بدءًا من تزايد الديون إلى انخفاض الإنتاج الزراعي وارتفاع معدلات الفقر. ويتعين على قادة العالم أن يواجهوا هذه المشاكل في مؤتمر المناخ “كوب 29” بتدابير جريئة وعملية. أولًا، وقبل كل شيء، يجب إعادة هيكلة ديون البلدان الأكثر عرضة لتغيُّر المناخ لمنحها المرونة المالية التي تحتاجها للقيام باستثمار طويل الأجل في القدرة على مقاومة المناخ والتكيُّف معه.
ثانيًا، للتقليل من آثار تغيُّر المناخ على الأمن الغذائي، لا بد من القيام باستثمارات محدَّدة في الحلول المناخية القائمة على الزراعة. وتشمل الأمثلة على هذه الاستثمارات تمويل المحاصيل المقاومة للجفاف، ونظم الري الفعَّالة، وأساليب الزراعة المستدامة. وفي النهاية، لضمان وفاء البلدان المتقدمة بالتزاماتها المالية، مثل التعهد بتقديم 100 مليار دولار أمريكي سنويًا لتمويل المناخ، لا بد من تنفيذ إجراءات مساءلة أكثر صرامة.
وأخيرًا، لتحميل الدول المسؤولية عن تعهداتها، يجب أن يتضمن مؤتمر المناخ “كوب 29” إجراءات واضحة وقابلة للتنفيذ قانونًا لمراقبة هذه الالتزامات المالية وإنفاذها. ويمكن سد الفجوة بين التعهدات المتعلقة بالمناخ والإجراءات الفعلية من خلال تنفيذ هذه الإجراءات الملموسة خلال المؤتمر، مما يضمن مستقبل أكثر استدامة وأكثر عدلًا للبلدان الضعيفة والمجتمع الدولي ككل. وكما قال الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ سيمون ستيل: “لقد أرسل قادة مجموعة العشرين رسالة واضحة إلى مفاوضيهم في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ التاسع والعشرين (كوب 29): لا تغادروا باكو دون هدف تمويل جديد ناجح. وهذا يصب في مصلحة كل بلد بشكل واضح”، وأضاف: “لقد التزم قادة أكبر الاقتصادات في العالم أيضًا بدفع الإصلاحات المالية إلى الأمام لوضع إجراءات مناخية قوية في متناول جميع البلدان. وهذه إشارة ضرورية، في عالم يعاني من أزمات الديون والتأثيرات المناخية المتصاعدة، مما يؤدي إلى تدمير حياة الناس وإغراق سلاسل التوريد وتأجيج التضخم في كل اقتصاد”.
African Economic Outlook 2024, African Development Bank (African Development Bank, May 30, 2024), accessed November 20, 2024, https://www.afdb.org/en/documents/african-economic-outlook-2024
Ahairwe, P. (2023). Mobilising (european) development finance for climate adaptation and resilience. https://doi.org/10.55317/casc027
Ameli, N., Dessens, O., Winning, M., Cronin, J., Chenet, H., Drummond, P., … & Grubb, M. (2021). Higher cost of finance exacerbates a climate investment trap in developing economies. Nature Communications, 12(1). https://doi.org/10.1038/s41467-021-24305-3
At COP29, African Leaders Push for Investments and Reduced Debt Burden to Ensure Climate Justice,” United Nations Economic Commission for Africa, November 13, 2024, accessed November 19, 2024, https://www.uneca.org/eca-events/stories/cop29-african-leaders-push-investments-and-reduced-debt-burden-ensure-climate-justice
Bouteska et al., “Impacts of the Changing Climate on Agricultural Productivity and Food Security: Evidence From Ethiopia,” Journal of Cleaner Production 449 (April 10, 2024), https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0959652624012411
Buhr, K., Roth, S., & Stigson, P. (2014). Climate change politics through a global pledge-and-review regime: positions among negotiators and stakeholders. Sustainability, 6(2), 794-811. https://doi.org/10.3390/su6020794
Carolyn Neunuebel, “What the World Bank’s Country Climate and Development Reports Tell Us About the Debt-Climate Nexus in Low-income Countries,” World Resources Institute, April 11, 2023, accessed November 19, 2024, https://www.wri.org/technical-perspectives/what-world-banks-country-climate-and-development-reports-tell-us-about-debt
Donner, S., Kandlikar, M., & Webber, S. (2016). Measuring and tracking the flow of climate change adaptation aid to the developing world. Environmental Research Letters, 11(5), 054006. https://doi.org/10.1088/1748-9326/11/5/054006
Eric Koons, “Sea Level Rise in the Maldives: A Nation on the Front Line,” Climate Impacts Tracker Asia, June 13, 2024, accessed November 19, 2024, https://www.climateimpactstracker.com/maldives-sea-level-rise/
Fridahl, M. and Linnér, B. (2015). Perspectives on the green climate fund: possible compromises on capitalization and balanced allocation. Climate and Development, 8(2), 105-109. https://doi.org/10.1080/17565529.2015.1040368
Ian Shine, “Rising Global Temperatures Are Already Affecting the Tourism Industry – Here’s How,” World Economic Forum, August 14, 2024, accessed November 19, 2024, https://www.weforum.org/stories/2023/08/temperatures-tourism-climate-impact/
Kifworo CM, Dube K. Wildlife Tourism and Climate Change: Perspectives on Maasai Mara National Reserve. Climate. 2024; 12(11):185. https://doi.org/10.3390/cli12110185
List of LIC DSAs for PRGT-Eligible Countries, IMF (IMF, September 30, 2024), accessed November 20, 2024, https://www.imf.org/external/pubs/ft/dsa/dsalist.pdf
Mohan, P. (2023). Financing needs to achieve nationally determined contributions under the paris agreement in caribbean small island developing states. Mitigation and Adaptation Strategies for Global Change, 28(5). https://doi.org/10.1007/s11027-023-10062-9
Mungai, E., Ndiritu, S., & Silva, I. (2021). Unlocking climate finance potential for climate adaptation: case of climate smart agricultural financing in sub Saharan Africa., 2063-2083. https://doi.org/10.1007/978-3-030-45106-6_172
Natalia Alayza, Valerie Laxton, and Carolyn Neunuebel, “Developing Countries Won’t Beat the Climate Crisis Without Tackling Rising Debt,” World Resources Institute, September 22, 2023, accessed November 19, 2024, https://www.wri.org/insights/debt-climate-action-developing-countries
Oduncular, Ç. (2024). Mind the gap between the economic effect of climate change and the reality. International Journal of Energy Studies, 9(1), 43-67. https://doi.org/10.58559/ijes.1409068
Pauw, P., Klein, R., Vellinga, P., & Biermann, F. (2015). Private finance for adaptation: do private realities meet public ambitions?. Climatic Change, 134(4), 489-503. https://doi.org/10.1007/s10584-015-1539-3
Pickering, J., Skovgaard, J., Kim, S., Roberts, J., Stadelmann, M., & Reich, H. (2015). Acting on climate finance pledges: inter-agency dynamics and relationships with aid in contributor states. World Development, 68, 149-162. https://doi.org/10.1016/j.worlddev.2014.10.033
Román, M., Arto, I., & Ansuategi, A. (2017). Why do some economies benefit more from climate finance than others? a case study on north-to-south financial flows. Economic Systems Research, 30(1), 37-60. https://doi.org/10.1080/09535314.2017.1334629
Stigson, P., Buhr, K., & Roth, S. (2013). The ambitions in Copenhagen pledges: country case studies of drivers and barriers. Greenhouse Gas Measurement and Management, 3(1-02), 21-36. https://doi.org/10.1080/20430779.2013.812010
Thwaites, J. and Bos, J. (2021). A breakdown of developed countries’ public climate finance contributions towards the $100 billion goal. WRIPUB. https://doi.org/10.46830/writn.20.00145
Together for Farmers: FAO and COP29 Presidency Launch the ‘Baku Harmoniya Climate Initiative for Farmers,’” Newsroom, November 19, 2024, accessed November 20, 2024, https://www.fao.org/newsroom/detail/fao-and-cop29-presidency-launch-baku-harmoniya-climate-initiative-19112024/en
UN Climate Change Conference Baku – November 2024,” United Nations Climate Change, accessed November 19, 2024, https://unfccc.int/cop29
UN Climate Change COP29 Thematic Day on Tourism, UN Tourism, November 20, 2024, https://www.unwto.org/events/un-climate-change-cop29-thematic-day-on-tourism
United Nations, “Five Ways the Climate Crisis Impacts Human Security | United Nations,” n.d., https://www.un.org/en/climatechange/science/climate-issues/human-security
Weikmans, R. and Roberts, J. (2017). The international climate finance accounting muddle: is there hope on the horizon?. Climate and Development, 11(2), 97-111. https://doi.org/10.1080/17565529.2017.1410087
تعليقات