مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يعكف كلٌ من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب، ونائبة الرئيس والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، على حشد مؤيديهما؛ لضمان مشاركة قوية للناخبين في الاقتراع المقرر في 5 نوفمبر الجاري. وفي حين تستخدم كلتا الحملتين الانتخابيتين تكتيكات متشابهة، اتّبعت حملة هاريس استراتيجية الديمقراطيين الأخيرة، بالاستفادة من تأييد المشاهير لإلهام الناخبين الأصغر سنًا، الذين عادةً ما تكون معدلات مشاركتهم في الانتخابات أقل، ولكنهم يميلون إلى الديمقراطيين. يتناقض هذا التحدي الخاص بالناخبين الشباب مع القاعدة الأقوى لحملة ترامب بين الإنجيليين البيض، الذين يصوتون بأعدادٍ كبيرةٍ في جميع أنحاء الولايات المتحدة، رغم أنهم لا يُشكِّلون أغلبية السكان.
ويُسلِّط اعتماد حملة هاريس على مشاهير هوليوود الضوء على انحياز هذه الصناعة للقضايا الليبرالية والحاجة إلى حشد الناخبين الشباب، وهذا يتناقض مع الدعم المستمر الذي يتلقاه ترامب من الجماعات الدينية المحافظة، التي تُشكِّل قاعدة ناخبين موثوقة. ويُمثِّل الانقسام بين مشاهير هوليوود الذين يؤيدون هاريس، والإنجيليين الذين يدعمون ترامب، خطًا فاصلًا آخر في الولايات المتحدة، بل ويثير تساؤلات حول دور كلاهما في حسم الصراع الانتخابي.
على الرغم من صعوبة تحديد عدد المشاهير الذين يعتبرون أنفسهم ليبراليين، إلا أن هناك عدة عوامل تُوضِّح سبب مَيل هوليوود إلى اليسار أكثر من القطاعات الأخرى. ويتمثل أحد هذه العوامل- الذي لا يقتصر على هوليوود- في الموقع حيث يتركز جزء كبير من الإعلاميين في مدينتي لوس أنجلوس ونيويورك، وهما منطقتان حضريتان كبيرتان تسود فيهما وجهات النظر الليبرالية. فالطبيعة العالمية لهاتين المدينتين تُعرِّض السكان لثقافات وديانات مختلفة، مما يعزز لديهم فهمًا وقبولًا أوسع لوجهات النظر المتنوعة، كما أن هناك اتجاهات مماثلة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، حيث تميل المراكز الحضرية الكبرى إلى تفضيل الأفكار الليبرالية أكثر من المناطق الريفية.
وهناك عامل رئيسي آخر يتمثل في عضوية النقابات داخل هوليوود. فعلى غرار النقابات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، يتعاطف ما يقرب من 60% من أعضاء هذه النقابات مع الحزب الديمقراطي أو يميلون إليه، ولطالما كانت نقابات هوليوود كتلة تصويتية حيوية للديمقراطيين، حتى مع انخراط بعض قادة النقابات- مثل رئيس نقابة سائقي الشاحنات شون أوبراين- في الآونة الأخيرة مع الحزب الجمهوري، وهو ما يمثل استثناءً ملحوظًا و نادر الحدوث.
وتشير هذه العوامل إلى أن مَيل هوليوود إلى اليسار لا يختلف بشكل استثنائي عن القطاعات الأخرى المتجذرة في المدن الكبرى والقوى العاملة النقابية. ومع ذلك، قد تؤثر الجوانب الفريدة للتمثيل بشكل أكبر على الميول السياسية لهوليوود. ويشير مؤرخ السينما والثقافة الأمريكية الدكتور ستيفن روس إلى أن الممثلين- الذين يتعين عليهم في كثير من الأحيان تصوير شخصيات قد لا يحبونها أو يختلفون عنها- غالبًا ما تنمو لديهم مشاعر تعاطف متزايدة، وهي صفة مرتبطة بالهوية الليبرالية.
وقد أثار موقف هوليوود الليبرالي انتقادات صريحة من المحافظين، الذين يتهمونها بــتبني نهج “الصحوة” وإسكات الآراء المخالفة. ومع ذلك، فإن سمعة هوليوود الليبرالية ليست جديدة؛ فخلال الحقبة المكارثية في الخمسينيات من القرن الماضي، تم إدراج المئات من العاملين في هذه الصناعة على القائمة السوداء بسبب علاقاتهم المزعومة بالشيوعية، وعلى الرغم من أن بعض الكُتّاب أو الممثلين كانت لديهم بالتأكيد علاقات مباشرة بالشيوعية، إلا أن الصورة القاتمة التي رسمتها الحرب الباردة و المكارثية أدت بشكل أساسي إلى حملة تطهير استهدفت مشاهير هوليوود الذين كانت لديهم انتماءات ليبرالية ويمكن اعتبارها شيوعية.
ومن المفارقات أنه على الرغم من ليبرالية هوليوود التاريخية، إلا أنها لعبت دورًا حاسمًا في صعود رونالد ريجان ودونالد ترامب- وهما من أكثر الرؤساء الجمهوريين أهمية في التاريخ الحديث- إلى دائرة الضوء الوطنية وإلى كسب تأييد جمهور أوسع.
يلعب تأييد المشاهير دورًا هامًا، وإن كان غير حاسم، في المشهد السياسي المعاصر. ففي حين أنه من غير المتوقع أن يرجح كفة مرشح على آخر بشكل مطلق، إلا أن له تأثيرًا ملموسًا على توجهات شريحة من الناخبين، لا سيما المترددين منهم أو أولئك الذين لا ينوون المشاركة في العملية الانتخابية. فقد حسمت الهوامش الأصغر بشكل متزايد انتخابات 2016 و2020، ومن المرجح أن تحسم هذه الانتخابات أيضًا إذا تبين أن استطلاعات الرأي دقيقة. وأهم من ذلك، أنه ليس من المرجح أن يؤدي تأييد فنان ما إلى تغيير تفضيلات التصويت لدى الفرد، حيث يكون تأثيره أكثر عمقًا بين الناخبين المترددين والأهم من ذلك لدى أولئك الذين قد لا تكون لديهم نية للتصويت. وهذا هو السبب الرئيسي وراء سعي الحملات الديمقراطية السابقة إلى الاستفادة من المشاهير، وانطلاقًا من هذه الحقيقة، تسعى الحملات الانتخابية، كحملة كامالا هاريس على سبيل المثال، إلى الاستفادة من شعبية المشاهير لتحقيق أهدافها. ولعل أبرز الأمثلة على ذلك الحفل الذي أحيته بيونسيه دعماً لحملة هاريس في ولاية تكساس، والذي حضره 30 ألف شخص، بالإضافة إلى الإقبال الكبير الذي شهده موقع vote.gov لتسجيل الناخبين عقب إعلان تايلور سويفت دعمها لهاريس.
كما أشرنا سابقًا، يُمكن لدعم المشاهير وتأييداتهم العلنية أن تؤثر بشكل كبير على شرائح معينة من الناخبين، لا سيما الشباب الذين يرتبطون بشكل وثيق بالشخصيات العامة التي يُعجَبون بها. يظهر أن الناخبين الأصغر سنًا – الذين يقضون عادة أوقاتًا أطول على وسائل التواصل الاجتماعي – أكثر تجاوبًا مع المواقف السياسية للمشاهير. عندما يدعم نجوم مثل -تايلور سويفت أو أريانا غراندي- مرشحين سياسيين، تزيد رسائلهم من التفاعل عبر الإنترنت بشكل كبير، محفزة بذلك الشباب على الاهتمام بالقضايا التي قد يتجاهلونها خلاف ذلك. مثال على ذلك هو تغريدة المغنية تشارلي إكس سي إكس، التي قالت فيها: “كامالا طفلة مدللة”، والتي شاهدها أكثر من 50 مليون شخص.
من خلال دعمهم العلني لمرشحين أو قضايا معينة، يمكن للمشاهير أن يجلبوا القضايا إلى صدارة الخطاب العام ويشاركوا الجمهور الذي قد لا يتابع وسائل الإعلام التقليدية. عبر منصات مثل “إنستجرام” و”تويتر” و”تيك توك”، تصل هذه التأييدات إلى الملايين، مما يولد تفاعلات واسعة النطاق تنشر رسالة المرشح إلى أبعد من القنوات التقليدية للحملات الانتخابية. بينما يمكن أن تُزٌيد تأييدات المشاهير من الوعي بمرشحهم، إلا أنها نادراً ما تغيّر المعتقدات السياسية الصلبة أو تؤثّر على الناخبين المنحازين بالفعل لأيديولوجيات معارضة. بالنسبة للناخبين الأكبر سنًا والأكثر تقليدية، قد يؤدي تأييد المشاهير إلى نتائج عكسية، ويمكن لهذه التأييدات أن تؤثر عكسيًا إذا شعر الناخبون بالانفصال عن أسلوب حياة المشاهير أو دوافعهم السياسية، خاصةً عند تأييدهم لقضايا يُنظر إليها على أنها بعيدة عن الاهتمامات اليومية.
يُعد دور الدين في الانتخابات الأمريكية ظاهرة معقدة تؤثر على سلوك الناخبين، والحراك السياسي، وتشكيل الأيديولوجيات. يؤثر الدين- بوصفه هوية اجتماعية قوية- على التفضيلات السياسية والنتائج الانتخابية، خاصةً بين مجموعات مثل الإنجيليين البيض والكاثوليك، الذين انحازوا تاريخيًا إلى الحركات السياسية المحافظة. كما تؤثر المعتقدات الدينية بشكل كبير على مواقف الناخبين، وانتماءاتهم الحزبية، ومشاركتهم المدنية، مما يجعل الدين عاملًا حاسمًا في فهم الديناميات الانتخابية الأمريكية.
وتتمثل إحدى الطرق الرئيسية التي يؤثر بها الدين على الانتخابات في تأثيره على الأيديولوجيات السياسية. تشير العديد من الدراسات إلى أن الانتماءات الدينية غالبًا ما تتماشى مع معتقدات سياسية محددة، لا سيما بين المسيحيين المحافظين، الذين يعطون الأولوية لقضايا مثل الإجهاض والزواج والحرية الدينية. وقد أدى هذا التوافق الأيديولوجي إلى حشد الجماعات الدينية ككتل تصويتية قوية، لا سيما داخل الحزب الجمهوري. فقد أصبح اليمين المسيحي- على سبيل المثال- قوة سياسية كبيرة في الثمانينيات من القرن الماضي، من خلال حشد الناخبين حول القضايا الاجتماعية المحافظة. ويُحدِّد هذا التوافق بين المعتقدات الدينية والأيديولوجيات السياسية نظرة الناخبين للمرشحين والسياسات، وغالبًا ما يؤدي إلى أنماط تصويت متوقعة على أسس دينية.
كما يُعزز الدين المشاركة السياسية، من خلال التوعية المجتمعية. وتعمل التجمعات الدينية كمساحات للنقاش والحشد السياسي، كما أنها تُشجِّع الأعضاء على المشاركة في الأنشطة المدنية مثل التصويت. ويمكن للشبكات الاجتماعية داخل المجتمعات الدينية أن تزيد من المشاركة السياسية، من خلال توفير الموارد والدوافع للمشاركة. كما أن الأفراد المنخرطين في المنظمات الدينية هم أكثر ميلًا للتصويت والمناصرة السياسية من نظرائهم غير المتدينين، مما يسلط الضوء على دور الدين كمُيسّر للمشاركة المدنية، لا سيما بين الجماعات الدينية المحافظة.
ويؤثر مفهوم الدين المدني أيضًا على السياسة الأمريكية، حيث تُستخدَم الرموز والخطابات الدينية في الخطاب العام لتعزيز الهوية والوحدة الوطنية. فخلال الحملات الانتخابية الرئاسية، على سبيل المثال، غالبًا ما يستحضر المرشحون الموضوعات الدينية للتواصل مع الناخبين وبناء الشرعية. ويُوضِّح هذا الاستخدام الاستراتيجي للدين المدني كيف يمكن استخدام الدين في السياقات السياسية لحشد الدعم وتشكيل الرأي العام.
علاوة على ذلك، أدى استقطاب المجتمع الأمريكي إلى زيادة ظهور الدين في السياسة الانتخابية. ومع تنامي الطائفية السياسية، شكّلت الهويات الدينية الولاءات الحزبية على نحو متزايد، حيث غالبًا ما يتنبأ الانتماء الديني بسلوك التصويت. فالإنجيليون البيض- على سبيل المثال- يدعمون باستمرار المرشحين الجمهوريين، بينما تميل الجماعات الدينية الأكثر تقدمية إلى الحزب الديمقراطي. ويُعقِّد هذا التداخل بين الهويتين الدينية والسياسية المشهد الانتخابي الأمريكي، حيث يؤثر الانتماء الديني بشكل متزايد على الهوية السياسية.
ويزيد عدم الانتماء الديني من تعقيد تأثير الدين على الانتخابات. فمع تزايد عدد الأمريكيين غير المنتمين دينيًا، يواجه الحزبان السياسيان الرئيسيان تحديًا يتمثل في إشراك جمهور ناخبين متنوع يضم عددًا كبيرًا من العلمانيين. ويتعين على المرشحين السياسيين الموازنة بين جذب قواعدهم الدينية والوصول إلى جمهور أوسع وأكثر تعددية، وهو أمر ضروري للنجاح في مجتمع اليوم.
ويختلف تأثير الدين على السلوك الانتخابي أيضًا باختلاف المجموعات الدينية لمتنوعة. فبينما يُظهِر بعضها- مثل الإنجيليين- ولاءً حزبيًا قويًا، يُظهر البعض الآخر- مثل البروتستانت والكاثوليك- أنماط تصويت أكثر تنوعًا. ويُسلِّط هذا التنوع داخل الطوائف الدينية الضوء على الحاجة إلى تحليل دقيق لكيفية تأثير معتقدات وممارسات محدَّدة على خيارات التصويت. ومثل هذه الرؤى ضرورية للاستراتيجيين السياسيين الذين يهدفون إلى التواصل مع مختلف الدوائر الدينية بفعالية.
كما تنشط الجماعات الدينية في الدعوة لسياسات ومرشحين محددين، وغالبًا ما تنخرط في الضغط والحشد الشعبي للترويج لأجنداتها السياسية في قضايا مثل الإجهاض والهجرة والرعاية الصحية. وتؤكد هذه المناصرة الاتجاه الأوسع نطاقًا للدين المسيَّس، حيث تشارك المنظمات الدينية في العملية السياسية لصياغة التشريعات والسياسات العامة، مستفيدةً من النفوذ الجماعي للتأثير على المشهد السياسي.
ويمتد دور الدين في الانتخابات إلى ما هو أبعد من السلوك الفردي للتأثير على الديناميات المجتمعية الأوسع نطاقًا. ويمكن أن يسهم التداخل بين الهويتين الدينية والسياسية في الانقسامات الاجتماعية، لا سيما وأن المعتقدات الدينية المختلفة تؤثر في المواقف السياسية. مما يثير العديد من التساؤلات حول دور الدين في تعزيز التماسك الاجتماعي أو تفاقم الاستقطاب داخل المجتمع الأمريكي. ومع زيادة تسييس الهويات الدينية، تزداد احتمالات الصراع، مما يؤكد الحاجة إلى فهم هذه الديناميات في السياقات الانتخابية.
يمكن أن يُعزى دعم الإنجيليين لترامب إلى التأثير المتبادل بين الهوية الدينية، والأيديولوجية السياسية، والعوامل الثقافية. ويتجذر دعمهم في انحياز هذه المجموعات تاريخيًا للقيم المحافظة، فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية مثل الإجهاض والزواج والحرية الدينية. وتشير الأبحاث إلى أن جزءًا كبيرًا من الإنجيليين البيض ينظرون إلى ترامب على أنه نصير لقيمهم، رغم سلوكه الشخصي وتصوره غير المتدين. ويمكن فهم هذه الظاهرة من خلال رؤية القومية المسيحية، التي برزت كمحفز قوي لهذه المجموعات، حيث تتشابك معتقداتهم الدينية مع السياسة.
وقد شهدت الانتخابات الرئاسية لعامي 2016 و2020 ارتفاعًا ملحوظًا في دعم ترامب بين الإنجيليين، الذين انجذبوا إلى وعوده بالتمسك بالقيم التقليدية وحماية الحريات الدينية. لم يكن هذا التأييد مجرد رد فعل على سياسات ترامب، بل كان أيضًا انعكاسًا لاصطفاف ثقافي أوسع نطاقًا. فالعديد من الإنجيليين يعتبرون أنفسهم جزءًا من أغلبية محاصَرة تواجه تهديدات من العلمانية والأيديولوجيات التقدمية، التي يعتقدون أنها تقوض هويتهم الدينية والثقافية. وقد تفاقم هذا الشعور بالبُعد عن الليبرالية بسبب المناخ السياسي السائد، مما دفع هذه المجموعات إلى الاحتشاد خلف مرشح يعتقدون أنه يمثل مصالحهم وقيمهم.
علاوة على ذلك، تغيَّر المشهد السياسي بشكل كبير، حيث يشعر العديد من الناخبين المتدينين المحافظين بالتهميش المتزايد من قِبَل الحزب الديمقراطي، الذي يربطونه بسياسات تتعارض مع معتقداتهم. لقد أدى موقف الحزب الديمقراطي من قضايا مثل الإجهاض وحقوق المثليين إلى تنفير العديد من الكاثوليك والبروتستانت المحافظين، مما دفعهم إلى النظر إلى ترامب كحصن ضد ما يعتبرونه أجندة ليبرالية زاحفة. ومما يعزز هذا الاصطفاف تصرفات الأساقفة الكاثوليك في الولايات المتحدة، الذين غالبًا ما دعموا السياسات المؤيدة للحياة التي تتوافق مع برنامج ترامب، رغم بعض الانقسامات الداخلية.
لا يمكن إغفال دور العَشَائِرِيَّة في تشكيل التفضيلات السياسية. فالدراسات تشير إلى أن الإنجيليين أكثر ميلًا لتأييد ترامب مقارنةً بنظرائهم الكاثوليك، مما يشير إلى وجود التزام أيديولوجي أعمق بين الإنجيليين تجاه الحزب الجمهوري. تتسم هذه العشائرية بهوية جماعية قوية تعزز الولاء للقادة السياسيين الذين يتبنون قيمًا مماثلة، مما يخلق ردود فعل متباينة تعزز دعم ترامب بين هذه الطوائف الدينية. كما لعبت النظرة إلى ترامب كمدافع عن القيم المسيحية ضد التهديدات المزعومة من جماعات خارجية- بما في ذلك المهاجرون والمسلمون- دورًا حاسمًا في تحفيز الدعم.
بالإضافة إلى ذلك، أدى التداخل بين المعتقدات الدينية والأيديولوجية السياسية إلى شكل فريد من أشكال المشاركة السياسية بين هذه الجماعات. فقد تبنى العديد من البروتستانت والكاثوليك البيض رؤية عالمية تعطي الأولوية لهويتهم الدينية على حساب الأسس الحزبية التقليدية، مما أدى إلى ظاهرة أصبح فيها الانتماء الديني مُحدِّدًا أساسيًا للسلوك السياسي. وقد كان هذا التحوُّل واضحًا بشكل خاص بين الإنجيليين، الذين يوائمون بشكل متزايد بين تفضيلاتهم السياسية وقناعاتهم الدينية، وينظرون إلى ترامب باعتباره وسيلة لتعزيز أجندتهم.
كما عزَّز تأثير تعيينات ترامب القضائية- لا سيما فيما يتعلق بقضايا مثل الإجهاض والحرية الدينية- دعمه بين الناخبين المتدينين المحافظين. ويعتقد الكثيرون في هذه الطوائف أن رئاسة ترامب أسفرت عن فوائد ملموسة لقضاياهم، مما عزز ولاءهم له.
كما لعبت ظاهرة القومية المسيحية- التي تتشابك فيها الهوية الدينية مع الهوية الوطنية- دورًا مهمًا في تشكيل المشهد السياسي للبروتستانت والكاثوليك البيض. وتُروج هذه الأيديولوجية لفكرة أن الولايات المتحدة هي في الأساس أمة مسيحية، وكانت القوة الدافعة وراء دعم ترامب بين هذه المجموعات. وينظر العديد من أتباع القومية المسيحية إلى ترامب باعتباره حاميًا لتراثهم الديني، الذي يعتقدون أنه مُهدَّد من العلمانية والتعددية الثقافية.
وختامًا، يلعب الدين والانتماءات الثقافية أدوارًا متمايزة ولكن متكاملة في تشكيل الديناميات الانتخابية الأمريكية، كما يتضح من تباين قواعد الدعم لهاريس وترامب. وتعتمد حملة هاريس الانتخابية اعتمادًا كبيرًا على تأييدات هوليوود، التي تجتذب شريحة سكانية أصغر سنًا وأكثر تقدمية. ويمكن لهذه التأييدات من المشاهير أن تُعظِّم التعريف بمرشحها وتجذب الناخبين الأصغر سنًا الذين يميلون إلى الديمقراطيين رغم قلة احتمال تصويتهم. ويُسلِّط دعم هوليوود ذو الميول الليبرالية الضوء على توافق صناعة الترفيه مع القيم المتعلقة بالعدالة الاجتماعية، والتنوع، والقضايا التقدمية، والتي يتردد صداها مع قاعدة هاريس.
يُشكّل الدين والانتماءات الثقافية أدوارًا متمايزة ولكن متكاملة في تشكيل ديناميات المشهد الانتخابي الأمريكي، ويتجلى ذلك بوضوح في اختلاف قواعد الدعم لكلٍّ من هاريس وترامب. حيث تعتمد حملة هاريس بشكلٍ ملحوظ على دعم نجوم هوليوود، الذين يجذبون فئةً شبابيةً وأكثر تقدمية. ويساعد هذا الدعم في زيادة شعبية هاريس وجذب الناخبين الشباب الذين يميلون عادةً إلى الحزب الديمقراطي، على الرغم من انخفاض نسبة مشاركتهم في الانتخابات. ويُبرز دعم هوليوود، ذات التوجهات الليبرالية، التوافق بين قطاع الترفيه والقيم المُتعلقة بالعدالة الاجتماعية والتنوع والقضايا التقدمية، وهي قيم تلقى صدىً واسعًا لدى مؤيدي هاريس.
وعلى النقيض من ذلك، فإن دعم ترامب متأصل بعمق في الطوائف الدينية المحافظة، لا سيما بين الإنجيليين البيض. ويعكس هذا الدعم، ليس فقط رمزية، بل يعبر عن توافق أيديولوجي طويل الأمد مع البرنامج الجمهوري في قضايا مثل الإجهاض والحرية الدينية والقيم التقليدية. وعلى عكس تقلب دعم الشخصيات الشهيرة، فإن ولاء الإنجيليين لترامب مبني على القيم المحافظة المشتركة والبنية الاجتماعية التي تشجع على المشاركة الانتخابية القوية. ويُوضِّح هذا التباين في الدعم – بين دعم نجوم هوليوود لهاريس وولاء الإنجيليين لترامب – التوجهات المتعددة التي تشكل هويات الحشود السياسية، ويؤكد على تعقيد الانتماءات الدينية والثقافية في والثقافية في السياسة الانتخابية الأمريكية.
Allison Kaplan Sommer, “Armageddon? Bring It on: The Evangelical Force Behind Trump’s Jerusalem Speech,” Haaretz.Com, December 11, 2017, https://www.haaretz.com/israel-news/2017-12-11/ty-article/.premium/armageddon-bring-it-on-the-evangelical-force-behind-trumps-jerusalem-speech/0000017f-f7ae-d318-afff-f7efc53c0000
Becket, Stefan, and Gillian Morley. “Taylor Swift Drove 405,999 Visitors to Vote.Gov in 24 Hours after Kamala Harris Endorsement.” CBS News, September 12, 2024. https://www.cbsnews.com/news/taylor-swift-kamala-harris-endorsement-vote-gov/
Cerda, Andy. “Key Facts about Union Members and the 2024 Election.” Pew Research Center, October 17, 2024. https://www.pewresearch.org/short-reads/2024/10/17/key-facts-about-union-members-and-the-2024-election/
Eugene Scott, “Comparing Trump to Jesus, and Why Some Evangelicals Believe Trump Is God’s Chosen One,” The Washington Post, December 18, 2019, https://www.washingtonpost.com/politics/2019/11/25/why-evangelicals-like-rick-perry-believe-that-trump-is-gods-chosen-one/
Frances Robles and Jim Rutenberg, “The Evangelical, the ‘Pool Boy,’ the Comedian and Michael Cohen,” The New York Times, June 18, 2019, https://www.nytimes.com/2019/06/18/us/trump-falwell-endorsement-michael-cohen.html
Gregory Smith, “5 Facts About Religion and Americans’ Views of Donald Trump,” Pew Research Center, March 15, 2024, https://www.pewresearch.org/short-reads/2024/03/15/5-facts-about-religion-and-americans-views-of-donald-trump/
Gregory Smith, “White Protestants and Catholics Support Trump, but Voters in Other U.S. Religious Groups Prefer Harris,” Pew Research Center, September 9, 2024, https://www.pewresearch.org/short-reads/2024/09/09/white-protestants-and-catholics-support-trump-but-voters-in-other-us-religious-groups-prefer-harris/
Gross, Neil. “Why Is Hollywood so Liberal?” The New York Times, January 27, 2018. https://www.nytimes.com/2018/01/27/opinion/sunday/hollywood-liberal.html
Guardian Staff Reporter, “Evangelicals See Trump as a Way to Get What They Want After Decades of Defeat,” The Guardian, February 1, 2020, https://www.theguardian.com/us-news/2020/feb/01/evangelicals-trump-policy-defeat-us-election-2020-christians
Heidi Schlumpf, “These Catholic-led Groups Are Supporting Donald Trump in the 2024 Election,” National Catholic Reporter, October 8, 2024, https://www.ncronline.org/news/these-catholic-led-groups-are-supporting-donald-trump-2024-election
Peter Smith, “Jesus Is Their Savior, Trump Is Their Candidate. Ex-president’s Backers Say He Shares Faith, Values,” AP News, May 19, 2024, https://apnews.com/article/trump-christian-evangelicals-conservatives-2024-election-43f25118c133170c77786daf316821c3
Sherman, Maria. “Beyoncé Endorses Kamala Harris in Joyful Speech at Houston Rally: ‘I’m Here as a Mother.’” AP News, October 26, 2024. https://apnews.com/article/beyonce-kamala-harris-6b3f928bb7fd5a705f32ac3d04b89ed8
Spillane, Ashley. “Celebrities Strengthening Our Culture of Democracy.” Ash Center, August 9, 2024. https://ash.harvard.edu/resources/celebrities-strengthening-our-culture-of-democracy/
تعليقات