في خطوة ذات دلالات سياسية واقتصادية كبيرة، قام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بزيارةً رسمية إلى أنقرة في 4 سبتمبر 2024. وتأتي هذه الزيارة التي طال انتظارها بعد أشهرٍ من زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمصر في وقت سابق من هذا العام ودعوته للرئيس السيسي لزيارة أنقرة. وتهدف الزيارة الحالية التي تُعتَبر نقطة تحول في العلاقات المصرية التركية إلى تعزيز التعاون الثنائي وفتح آفاق جديدة للتنسيق في القضايا الإقليمية والدولية بعد عقد من القطيعة والتوتر في العلاقات بين البلدين.
وتحظى زيارة الرئيس المصري إلى تركيا بأهميةٍ خاصة باعتبارها تتويجا لمرحلة طويلة من المباحثات الهادفة إلى إعادة العلاقات بين مصر وتركيا إلى مسارها الطبيعي عقب جولاتٍ من المباحثات واللقاءات التي اختُتمت بزيارة أردوغان إلى القاهرة في فبراير الماضي والتي شهدت الإعلان عن إعادة تشكيل مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين تركيا ومصر، حيث شارك الزعيمان في رئاسة الاجتماع الأول للمجلس. كما شهد اللقاء استعراضًا شاملًا للعلاقات الثنائية بين مصر وتركيا ومناقشة الخطوات المحتملة لتعزيز التعاون بينهما.
يسلط هذا التحليل الضوء على دوافع هذه الزيارة وتداعياتها على السياسة الإقليمية والتركية.
تأتي هذه الزيارة في وقتٍ حرج يتسم باحتدام الصراعات في المنطقة مع تزايد المخاوف بشأن احتمال نشوب حرب إقليمية، حيث دفعت الظروف الاقتصادية والسياسية بالغة التعقيد في المنطقة أنقرة والقاهرة إلى التقارب أكثر مع إدراكهما أن التعاون بينهما وليس الصراع هو ما قد يخدم مصالحهما الوطنية بشكلٍ أفضل. وتأثرت زيارة أردوغان لمصر وزيارة السيسي لتركيا بالسياق التاريخي الذي أُجريت فيه الزيارتان وتحديدًا الحرب الدائرة في غزة والتي لم يتم التوصل فيها إلى اتفاقٍ دائم ومستدام لوقف إطلاق النار في القطاع بالإضافة إلى الممارسات الإسرائيلية غير القانونية في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وإدانة الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية وعنف المستوطنين وما يرتبط به من تصريحاتٍ تصعيدية واستفزازية والاقتحامات العسكرية الإسرائيلية للمدن الفلسطينية في محاولة لطمس معالم الضفة الغربية وهويتها بالإضافة إلى التصعيد العسكري اللاحق في الشرق الأوسط خاصةً بعد اغتيال إسماعيل هنية واقتراب لبنان من حافة الحرب. وفي ضوء هذا الصراع المستمر، انتقد الزعيمان الوجود الإسرائيلي في رفح وأصدرا دعوات لوقف فوري لإطلاق النار. علاوة على ذلك، أعرب البلدان عن قلقهما إزاء عدم استقرار الأوضاع في ليبيا على الرغم من تباين دعمهما للأطراف المتناحرة. كما أعرب البلدان أيضًا عن “استعدادهما لتهدئة التوترات” خاصةً مع تصاعد التهديدات التي يشكلها وجود الميليشيات السورية على الأراضي الليبية واحتمال عودة الاضطرابات في ليبيا بالإضافة إلى تدهور الأوضاع في السودان والتي أدت إلى عواقب إنسانية وخيمة في جميع أنحاء السودان والمنطقة بأكملها دون التوصل إلى حلٍ سلمي يحفظ وحدة الصف السوداني.
ويشترك الجانبان المصري والتركي في العديد من القواسم المشتركة التي تهدف إلى خلق بيئة مواتية لإنهاء الصراع وتنسيق المصالح بينهما. ويبدو أن تحركات القاهرة وأنقرة تتماشى أيضًا مع مصالح مقديشو إذ سبق أن وقعت تركيا والصومال اتفاقية تعاون دفاعي في 20 فبراير 2024 لمدة عقد كامل تسمح للجيش التركي بحماية السواحل الصومالية مقابل نسبة متفق عليها من ثروات أطول ساحل صومالي في القارة الإفريقية بهدف منع إثيوبيا من الوصول إلى البحر الأحمر عبر أرض الصومال.
كما زار الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود القاهرة في 20 يناير 2024 و14 أغسطس 2024، وشهدت الزيارة الأخيرة توقيع العديد من الاتفاقيات ومنها افتتاح المقر الجديد للسفارة المصرية في مقديشو وإطلاق خط طيران مباشر بين الدولتين، فيما كان أهمها التوقيع على بروتوكول تعاون عسكري بين البلدين. واتسقت هذه الخطوة مع تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال زيارته للقاهرة ولقائه مع وزير الخارجية الجديد بدر عبد العاطي مطلع أغسطس الماضي، حيث أكد فيدان التزام مصر وتركيا بوحدة أراضي الصومال.
وعلى الصعيد الثنائي، تبذل مصر وتركيا جهودًا مضنية لتعزيز تعاونهما في مختلف المجالات بما في ذلك الأمن والطاقة والتجارة، ومن المتوقع أن يفتح التطبيع بينهما آفاقا جديدة للشراكات الاقتصادية والاستثمارات بهدف زيادة التجارة الثنائية بين البلدين من 10 مليار دولار إلى 15 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة. كما أن إعادة العلاقات مع تركيا قد تعود بالنفع على مصر من خلال تعزيز اقتصادها وقدراتها العسكرية عن طريق التعاون في مجال تكنولوجيا الدفاع المتقدمة.
تحمل زيارة الرئيس السيسي عدة رسائل مهمة نظرًا لسياقها ودلالاتها السياسية لأنها تمثل عودة العلاقات إلى النهج المعروف في الأعراف الدبلوماسية. وتبرز أهمية تلك الزيارة فيما يلي:
– تؤكد هذه الزيارة قدرة البلدين على الاستفادة من الدبلوماسية الرئاسية التي تمثل قمة الحوار السياسي وصنع القرار الاستراتيجي، إذ تأتي هذه الزيارة في أعقاب فترةٍ تميزت بتوتر كبير وخطابات ساخنة في العلاقات الثنائية. ويعكس التحول التدريجي نحو إصلاح العلاقات والابتعاد عن الصراعات الأيديولوجية والعداوات الشخصية مدى النضج السياسي الذي يهدف إلى تعزيز الثقة والتفاهم بين البلدين بشأن المسائل الخلافية. وقد أدركت أنقرة ذلك في وقتٍ مبكر، فاختارت تجنب التصعيد واتخاذ تدابير رد الفعل للحفاظ على إمكانية تطبيع العلاقات مع مصر مجسدةً مبدأ “عدو الأمس قد يصبح صديق اليوم”.
– تشكل هذه الزيارة فصلًا جديدًا في التقارب التركي المصري الذي اكتسب زخمًا بعد زيارة أردوغان للقاهرة في فبراير الماضي، حيث تمثل تلك الزيارة علامةً بارزة في العلاقات الدبلوماسية مدفوعةً بـ “دبلوماسية القادة” التي بدأت بعملية المصالحة بعد فترةٍ من الخلاف السياسي والأيديولوجي. كما أنها تؤكد وصول تطبيع العلاقات بين البلدين إلى ذروته إيذانًا ببدء مرحلة واعدة في العلاقات الثنائية أبرزها الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين تركيا ومصر والذي حدد مسار التعاون المستقبلي بين البلدين في مختلف المجالات، وهو ما اتضح جليًا في البيان الختامي.
– بالإضافة إلى ذلك، تحمل هذه الزيارة بعدًا جيوسياسيًا كبيرًا، حيث تلعب مصر وتركيا باعتبارهما فاعلين رئيسيين في منطقة الشرق الأوسط أدوارًا حاسمة في العديد من القضايا الدولية. كما تعزز تلك الزيارة دور القاهرة وأنقرة في تشكيل مستقبل الشرق الأوسط وتؤكد رغبتهما في زيادة التعاون والتنسيق بينهما لمواجهة التحديات الإقليمية وتوطيد الاستقرار وتعزيز مكانتهما الإقليمية والدولية.
– لا يمكن فهم إعادة تطبيع العلاقات بين مصر وتركيا بمعزلٍ عن التحول الملحوظ في السياسة الخارجية التركية والذي تجلى في سعي تركيا لعقد مصالحات إقليمية مع كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل (قبل حرب غزة). وهذا التحول يعكس تراجع البعد الأيديولوجي لصالح البراجماتية وتخلي تركيا عن دعم جماعة الإخوان المسلمين بعد فشل مشروعها السياسي في معظم دول المنطقة. علاوة على ذلك، تسعى أنقرة إلى معالجة التداعيات الداخلية لسياسة “العزلة الثمينة” التي أدت إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية المحلية وزيادة انتقادات المعارضة لأردوغان، وربما أثرت على فرص حزب العدالة والتنمية في الانتخابات خاصةً خلال الانتخابات المحلية الأخيرة في مارس 2024.
تؤكد المبادرات الدبلوماسية التركية الأخيرة تجاه مصر التحول الملحوظ في سياستها الخارجية؛ فعلى مدى العامين الماضيين، اتبعت أنقرة نهج “صفر مشاكل” سعيًا إلى تهدئة الصراعات الإقليمية وتعزيز الاستقرار لخدمة أهدافها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية. وفي حين تبنى أردوغان وحزب العدالة والتنمية هذه السياسة في البداية عند توليهما السلطة، إلا أن تركيا لم تسع بنشاطٍ لتصحيح مسار علاقاتها مع جيرانها والفاعلين الدوليين الآخرين إلا في السنوات الأخيرة فقط بعد فترةٍ من الاضطرابات الإقليمية. وقد سلطت الزيارة التاريخية التي قام بها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى القاهرة في مارس 2023 الضوء على إمكانية التقارب بين البلدين وشددت على “الإمكانات الهائلة غير المستغلة” للعلاقات الثنائية والحاجة إلى “العمل بجديةٍ أكبر لسد الفجوة القائمة منذ تسع سنوات”.
وعلى الصعيد الدولي، يواجه أردوغان مشهدًا بالغ التعقيد مع استمرار التوترات بين بلاده والولايات المتحدة في ظل إدارة بايدن التي اتخذت موقفا حازمًا تجاه أنقرة، حيث أدى اعتراف الرئيس بايدن رسميًا بالإبادة الجماعية للأرمن – وهي خطوة تجنبها أسلافه منذ فترة طويلة – وفرض العقوبات على تركيا بسبب حصولها على نظام الصواريخ الروسي إس-400 إلى توتر العلاقات بين البلدين. كما أن تحقيق السلطات الأمريكية مع بنك “خلق” المملوك للحكومة التركية بسبب انتهاكات مزعومة للعقوبات المفروضة على إيران يزيد من تعقيد المشهد.
وفي شرق البحر الأبيض المتوسط، تجد تركيا نفسها في مواجهة جبهة موحدة تضم مصر واليونان وقبرص وإسرائيل لأن هذا التحالف الذي حصل على طابع رسمي من خلال منتدى غاز شرق المتوسط المدعوم من الدول الساحلية الأخرى يضع أنقرة في وضع استراتيجي غير مؤات في نزاعاتها الحدودية البحرية المستمرة مع أثينا ونيقوسيا. وردًّا على هذه الخطوة، أدى اتفاق تركيا المثير للجدل في عام 2019 مع الحكومة الليبية التي تتخذ من طرابلس مقرًا لها – والذي يقضي بإعادة ترسيم الحدود البحرية من جانب واحد – إلى زيادة تعقيد الديناميكيات الإقليمية. وفي حين حقق التدخل العسكري التركي في ليبيا بعض المكاسب على المدى القصير، فإن مصالحها على المدى الطويل في هذه الدولة المضطربة لا تزال غير مؤكدة، ما يسلط الضوء على القيود المفروضة على الاعتماد فقط على القوة في هذه المنطقة التي مزقتها الصراعات.
وتتفاقم هذه التحديات في السياسة الخارجية بسبب الوضع الاقتصادي الهش في تركيا؛ فعل سبيل المثال، لم تؤد جائحة كوفيد-19 إلى تعميق المشكلات الهيكلية القائمة في الاقتصاد التركي فحسب، بل أدت أيضًا إلى تآكل الدعم المحلي لحزب العدالة والتنمية الحاكم. لذا، فإن سعي أردوغان إلى المصالحة مع مصر يحركه جزئيًا احتمالات كسب الدعم الدولي وتحسين مكانتها في الداخل. كما يهدف أردوغان إلى تقديم صورة أكثر تصالحية للإدارة الأمريكية الجديدة من خلال إظهار الاستعداد للتعاون والتسوية.
وتعتبر الولاية الرئاسية الحالية لأردوغان هي الأخيرة له ما لم يقم بإجراء تعديلات دستورية تسمح له بتولي فترات إضافية أو الدعوة لعقد انتخابات مبكرة. ويتطلع أردوغان إلى بناء إرث شخصي باعتباره أحد القادة الأتراك الذين جعلوا من بلاده دولة محورية على الساحة العالمية وعززوا مكانتها الإقليمية. ولعل هذا ما دفعه إلى تفعيل الدبلوماسية الشخصية واستغلال قدرته على إحداث تحولات جذرية في السياسة الخارجية لتحسين علاقات بلاده. كما يسعى أردوغان أيضًا من خلال هذه التحولات إلى تأمين وحماية الفرص الانتخابية لحزب العدالة والتنمية خلال الجولات الانتخابية المقبلة.
من المتوقع أن يكون لتوطيد العلاقات بين مصر وتركيا آثار ملحوظة على سياسة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والسياسة التركية، حيث يمتلك كلا البلدين أقوى جيشين في الشرق الأوسط، ما يعني أن تعاونهما يمكن أن يعود بفوائد كبيرة على المنطقة بأكملها.
وفي تركيا، قد يؤثر تعزيز العلاقات مع مصر أيضًا في توازن القوى بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وأحزاب المعارضة بقيادة حزب الشعب الجمهوري. وفي مارس 2024، خسر حزب العدالة والتنمية أول انتخابات له منذ حوالي 20 عامًا لصالح المعارضة. وفي حين حدثت هذه الخسارة في انتخاباتٍ محلية، فإنها تشير إلى أن شعبية حزب العدالة والتنمية في أدنى مستوياتها منذ 20 عاما وأن المعارضة لديها فرصة حقيقية للوصول إلى السلطة إذا نجحت في توظيف هذا الفوز لتقديم خدمات أفضل للمواطنين بما يؤثر في وجهات نظرهم السياسية ويدفعهم إلى عدم التصويت لحزب العدالة والتنمية. وقد أثارت هذه الخسارة قلق حزب العدالة والتنمية، ما دفعه إلى إيلاء المزيد من الاهتمام للسياسات التي انتقدته المعارضة بسببها؛ فعلى سبيل المثال، دعت المعارضة دائمًا إلى تعزيز العلاقات مع مصر بناءً على أن مصر شريك استراتيجي لتركيا واتهمت أردوغان دائمًا باستخدام وجهات نظره الشخصية لإفساد علاقات تركيا الخارجية مع الدول المجاورة. كما أعلن حزب الشعب الجمهوري أنه سيعزز العلاقات مع مصر وسوريا بمجرد توليه الحكم وأكد أيضًا أن تركيا يجب أن تقلل من عملياتها العسكرية خارج حدودها. لذا، نجح حزب العدالة والتنمية بهذه الخطوة في إسقاط إحدى أوراق المعارضة الرئيسية من خلال تعزيز العلاقات مع مصر. كما يمكن لمصر أيضًا أن تتوسط بين تركيا وسوريا، وهو الأمر الذي سعت إليه تركيا مؤخرًا ولكن رفضه النظام السوري بسبب وجود القوات التركية في شمال سوريا.
وفيما يتعلق بالتعاون العسكري والبحري، يمكن للبلدين تقوية علاقاتهما العسكرية بشكل أكبر. ومؤخرًا، طورت تركيا بنيتها التحتية العسكرية وصنعت العديد من الأسلحة محليًا مثل الطائرة المسيرة “بيرقدار تي بي 2” التي شاركت في حروب ليبيا وسوريا والعراق وأوكرانيا وقره باغ وأظهرت كفاءة عالية في المعارك. كما تُعد تركيا أيضًا موردًا للمسيرات لإثيوبيا، وهذه ميزة يمكن لتركيا البناء عليها للتوسط بين مصر وإثيوبيا. وفي فبراير 2024، وافقت تركيا على تزويد مصر بمسيرات يمكن استخدامها لأغراض عسكرية، ما يدل على أن التعاون العسكري بين البلدين أفضل من ذي قبل.
بالإضافة إلى ذلك، سعت تركيا إلى توقيع اتفاق لترسيم حدودها البحرية مع مصر خاصةً في ظل الصراع الحالي بين تركيا واليونان وقبرص على الحدود البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط المعروف بامتلاكه احتياطيات عالية من الغاز لأن توقيع اتفاق مع مصر سيضفي شرعيةً على الاتفاق التركي الليبي الذي وُقع في نوفمبر 2019. وتعتمد إمكانية توقيع مثل هذه الصفقة على درجة التطبيع بين البلدين، إذ قد تحرص مصر على مشاركة الحدود البحرية مع أعضاء الاتحاد الأوروبي، ما يسمح لها بتصدير غازها إلى أوروبا مباشرةً وليس عبر تركيا كوسيط وبالتالي تعظيم أرباحها، ولكن قد لا يتوافق هذا الاتفاق مع الاتفاق الذي وقعته مصر مع اليونان في أغسطس 2020، وهذه معضلة أخرى قد تواجهها مصر. كما تريد تركيا أيضًا الانضمام إلى منتدى غاز شرق المتوسط الكائن مقره في القاهرة لأن ذلك قد يسمح لها بتنسيق الجهود مع الدول الأخرى الراغبة في تصدير الغاز إلى أوروبا.
وفي الصومال، افتتحت تركيا أكبر قاعدة عسكرية خارج حدودها في الصومال عام 2017 لتدريب 10 آلاف جندي صومالي. وبينما كانت تهدف هذه القاعدة بشكلٍ أساسي إلى تدريب الجيش الصومالي ضد التهديدات الأمنية الداخلية وخاصةً تلك الناشئة عن حركة الشباب، فقد منحت تركيا مجالًا لتوسيع نفوذها ليس فقط في الصومال ولكن أيضًا في القرن الإفريقي. وفي يناير 2024، وقعت إثيوبيا اتفاقًا مع “أرض الصومال” لاستئجار ميناء على البحر الأحمر مقابل اعتراف إثيوبيا بجمهورية أرض الصومال المعلنة من جانبٍ واحد، ما يسمح لإثيوبيا بالوصول إلى خليج عدن، وبالتالي تكتسب القدرة على التأثير على تدفق السفن التي تعبر مضيق باب المندب باتجاه قناة السويس. وردا على هذا الاتفاق، وقع الصومال اتفاقيات عسكرية واقتصادية مع تركيا للحصول على الدعم في تأمين مياهه الإقليمية من التهديدات الإثيوبية. وفي حين أن مدة هذه الاتفاقية تبلغ 10 سنوات، إلا أنه لم يتم الكشف عن بعض شروطها. وفي أواخر أغسطس 2024، وقعت مصر اتفاقًا عسكريًا مع الصومال للمشاركة بقوات مصرية في بعثة الاتحاد الإفريقي لدعم الاستقرار في الصومال. وبما أن مصر وتركيا لديهما وجود عسكري في الصومال، فإن التعاون بينهما قد يكون خيارًا مثاليًا لتعظيم فوائدهما والحد من النفوذ الإثيوبي. علاوة على ذلك، فإن البلدين لديهما مصالح مشتركة مثل تأمين تدفق السفن في خليج عدن وهزيمة الجماعات الإرهابية.
وفي غزة، من المتوقع أن يكون للتعاون بين تركيا ومصر بعض الآثار على الحرب الدائرة في غزة، حيث يتفق البلدان على ضرورة التوصل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار على الفور ودعوة إسرائيل إلى وقف هجومها على غزة والضفة الغربية. كما تريد تركيا تعظيم دورها في غزة من خلال تقديم المزيد من المساعدات الإنسانية والمشاركة في عملية إعادة إعمار غزة بعد انتهاء الحرب. وقد يؤدي التعاون بين البلدين إلى ممارسة المزيد من الضغوط على أطراف النزاع للتفاوض وإبرام اتفاق طويل الأمد لوقف إطلاق النار، حيث تريد تركيا أن يتم التوقيع في غزة على اتفاق مشابه لاتفاق سوتشي تكون فيه الضامن مع مصر وقطر لحماس، بينما تضمن الولايات المتحدة عدم انتهاك إسرائيل لهذا الاتفاق. كما أعربت تركيا عن نيتها التدخل عسكريًا في غزة، ولا يمكن أن يتم مثل هذا التدخل دون التنسيق مع مصر.
ختامًا، كانت زيارة الرئيس السيسي لأنقرة بمثابة نهاية التوترات بين مصر وتركيا بسبب دعم الأخيرة لجماعة الإخوان المسلمين فضلًا عن أنها تمثل نقطة تحول في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين اللذين كانا على خلافٍ خلال فترة نادرة من القطيعة السياسية والأيديولوجية التي استمرت ما يقرب من عقدٍ من الزمن.
ويجب فهم التحسن في العلاقات بين أنقرة والقاهرة – ولو جزئيًا على الأقل – في السياق الجيوسياسي الأوسع مع استمرار تراجع نفوذ واشنطن في الشرق الأوسط بشكلٍ مطرد في ظل التحول إلى نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب. ومن ثم، لم يكن أمام تركيا ومصر خيار سوى إعادة تقييم سياساتهما الخارجية في جوارهما لسد فجوة تراجع نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة.
ورغم أن ليبيا لا تزال إحدى القضايا الخلافية بين مصر وتركيا، إلا أن التصريحات الصادرة عن البلدين أشارت إلى إمكانية التوصل إلى تفاهمٍ متبادل يمكن أن يحفظ مصالح البلدين ويحافظ على السلام في ليبيا، ومن المحتمل أن يكون هذا التوجه بدايةً لعهدٍ جديد من التعاون بين البلدين.
Al Jazeera. “War of Words as Erdogan Says Turkey Could Intervene in Israel’s War on Gaza.” Al Jazeera, July 29, 2024. https://www.aljazeera.com/news/2024/7/29/hitler-vs-saddam-war-of-words-as-turkey-threatens-to-enter-israel
Ali Bakir, “Egypt-Turkey Normalization: Ankara’s Perspective,” Atlantic Council, April 12, 2023, accessed September 5, 2024, https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/egypt-turkey-normalization-ankaras-perspective/
Altun, Tugba, Busranur Koca, and Sumeyye Dilara Dincer. “Türkiye Proposes Guarantor Formula for Israeli-Palestinian Issue: Turkish Foreign Minister,” October 17, 2023. Accessed September 5, 2024. https://www.aa.com.tr/en/turkiye/turkiye-proposes-guarantor-formula-for-israeli-palestinian-issue-turkish-foreign-minister/3022412
Borzou Daragahi, “Turkey and Egypt Bury the Hatchet, Marking an End to Emerging Third Axis in the Middle East,” Atlantic Council, March 15, 2024, accessed September 4, 2024, https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/turkey-egypt-diplomatic-relations-partnership/
Ezgi Akin, “Egypt’s Sisi to Pay First Visit to Turkey as Ties With Erdogan Warm,” Al-Monitor, August 22, 2024, accessed September 5, 2024, https://www.al-monitor.com/originals/2024/08/egypts-sisi-pay-first-visit-turkey-ties-erdogan-warm
Hani Al-Aasar, “Cautious Normalization: Limits and Prospects of Development in Egypt-Türkiye Relations,” Emirates Policy Center, May 10, 2024, accessed September 5, 2024, https://epc.ae/en/details/scenario/cautious-normalization-limits-prospects-of-development-of-egypt-t-rkiye-relations
Hürcan Aslı Aksoy and Stephan Roll, “A Thaw in Relations Between Egypt and Turkey,” Stiftung Wissenschaft Und Politik (SWP), June 29, 2021, accessed September 4, 2024, https://www.swp-berlin.org/10.18449/2021C39/
İpek, Pınar, and V. Tibet Gür. “Turkey’s Isolation From the Eastern Mediterranean Gas Forum: Ideational Mechanisms and Material Interests in Energy Politics.” Turkish Studies 23, no. 1 (May 16, 2021): 1–30. https://doi.org/10.1080/14683849.2021.1925884
Jazeera, Al. “Turkey Sets up Largest Overseas Army Base in Somalia.” Al Jazeera, October 1, 2017. https://www.aljazeera.com/news/2017/10/1/turkey-sets-up-largest-overseas-army-base-in-somalia
Kasapoglu, By Paul Kirby & Cagil. “Turkish Local Elections: Opposition Stuns Erdogan With Historic Victory,” April 1, 2024. https://www.bbc.com/news/world-europe-68704375
Kbaez. “Turkey Signed Two Major Deals With Somalia. Will It Be Able to Implement Them?” Atlantic Council, June 18, 2024. https://www.atlanticcouncil.org/blogs/turkeysource/turkey-signed-two-major-deals-with-somalia-will-it-be-able-to-implement-them/
Mohamed ELDoh, “Erdogan in Egypt: Strategic Implications for Turkey and Egypt,” Geopolitical Monitor, February 16, 2024, accessed September 4, 2024, https://www.geopoliticalmonitor.com/erdogan-in-egypt-strategic-implications-for-turkey-and-egypt/
Murat Sofuoglu, “What President Sisi’s Ankara Visit Means for Türkiye-Egypt Ties?,” What President Sisi’s Ankara Visit Means for Türkiye-Egypt Ties?, August 29, 2024, accessed September 4, 2024, https://www.trtworld.com/magazine/what-president-sisis-ankara-visit-means-for-turkiye-egypt-ties-18201204
Shahira Amin, “Egypt-Turkey Normalization: Cairo’s Perspective,” Atlantic Council, April 11, 2023, accessed September 5, 2024, https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/egypt-turkey-normalization-cairos-perspective/
Wafula, Ian. “Why Ethiopia Is so Alarmed by an Egypt-Somalia Alliance,” August 30, 2024. https://www.bbc.com/news/articles/cvg415vex37o
Yibeltal, By Kalkidan. “Ethiopia Signs Agreement With Somaliland Paving Way to Sea Access,” January 2, 2024. https://www.bbc.com/news/world-africa-67858566
تعليقات