في حين أن معظم المناقشات الانتخابية في المملكة المتحدة دائمًا ما تركز على السياسة الداخلية، إلا أن السياسة الخارجية تظل دومًا عاملًا حاسمًا في أي مناقشة انتخابية، ويبدو أن رئيس الوزراء ريشي سوناك كان على درايةٍ بذلك حينما قرر تعيين ديفيد كاميرون وزيرا للدولة لشؤون الخارجية والكومنولث والتنمية. وبغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات، وهو حزب العمال على الأرجح، فمن المؤكد أن ثمة تغييرات جوهرية ستطرأ على الوضع الحالي، وسيواجه رئيس الوزراء المقبل العديد من الملفات والقضايا التي تتراوح من العلاقات الخارجية مع الجيران الأوروبيين إلى الهجرة والدفاع.
في حقبة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ظلت العلاقات مع الاتحاد الأوروبي موضوعًا رئيسيًا في المناقشات والمناظرات الانتخابية في المملكة المتحدة. وفي عام 2019، أطلق المحافظون حملتهم الانتخابية على أساس الوعد “بإنجاز خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”، مما أدى إلى توتر علاقات المملكة المتحدة مع شركائها التجاريين الرئيسيين وإضعاف نفوذها الأوروبي في مختلف القضايا المهمة. وفي الوقت نفسه، أيد حزب العمال بقيادة جيريمي كوربين ذي الميول اليسارية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتقد صراحةً سياسة الردع النووي في المملكة المتحدة. وعلى النقيض من ذلك، يتبنى كلا الحزبين الرئيسيين في الوقت الحالي موقفًا مؤيدًا للتعاون مع أوروبا، وبات المحافظون يدعمون الآن تعاونًا أرحب مع أيرلندا الشمالية في عدة مجالات تشمل الدفاع والبحث العلمي والإبداع والتجارة. ومن ناحية أخرى، انفصل حزب العمال عن كوربين ويقوده الآن كير ستارمر المؤيد لأوروبا، والذي يعتزم، في حالة انتخابه، تعزيز التعاون مع بروكسل، وخاصة في مجال التجارة. وتحظى العلاقات التجارية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بأهميةٍ خاصة، حيث يعتمد ما يقرب من 50% من تجارة المملكة المتحدة على الاتحاد الأوروبي، والعديد من الشركات البريطانية لديها سلاسل توريد مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالاتحاد الأوروبي. وفي حين نشر الحزبان مؤخرًا بيانات توضح اتجاهاتهم الرئيسية فيما يتعلق بالتجارة الدولية، إلا أنهما يفتقران إلى سياساتٍ مفصلة حول هذا الموضوع. ويسلط بيان المحافظين الضوء على فكرة الاستفادة من حريات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لإصلاح لوائح الاتحاد الأوروبي غير المحددة ويشير إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سمح للمملكة المتحدة بتنفيذ العديد من المبادرات مثل بناء المزيد من المساكن. ورغم تأكيد المحافظين على أهمية الأمن الأوروبي والتعهد بتعزيز قوة التدخل المشتركة وإبرام معاهدات دفاع جديدة مع ألمانيا وبولندا، إلا أن العلاقات مع أوروبا تظل قضية مثيرة للجدل بالنسبة للمحافظين الذين يفضلون التعاون بشكلٍ مخصص مع بروكسل بشأن الاتفاقيات الرسمية.
وفي المقابل، يدعو حزب العمال إلى المزيد من التعاون الرسمي، وخاصةً في مسائل الدفاع المشترك، حيث يتبنى الحزب موقفًا أكثر إيجابية بشأن العلاقات مع أوروبا. ويدعو بيان حزب العمال إلى بناء “علاقة محسنة وطموحة مع الشركاء الأوروبيين” ويَعِد بالعمل على تقليل الحواجز التجارية وإقامة حوارات منظمة بصفة منتظمة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والاعتراف المتبادل بالمعايير، وهو ما يضع السياسة الأوروبية لحزب العمال في تناقضٍ صارخ مع سياسة المحافظين. ومن ثم، ستكون الأولوية الرئيسية لحكومة حزب العمال هي إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة والتعاون لعام 2021. ومع ذلك، اتخذ كير ستارمر، زعيم الحزب، مؤخرًا موقفًا أكثر صرامة، حيث رفض صراحة فكرة العودة إلى السوق الموحدة أو الاتحاد الجمركي وامتنع عن الالتزام بإعادة حرية التنقل بين المملكة المتحدة وأوروبا بشكل كامل قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من ذلك، أعلن مسؤولو حزب العمال عن عزمهم تعزيز التعاون في مجالاتٍ أخرى واقترحوا إبرام “اتفاقية أمنية” جديدة مع الكتلة المكونة من 27 عضوًا لتعزيز التنسيق الوثيق في مجموعةٍ واسعة من المجالات العسكرية والاقتصادية والمناخية والصحية والإلكترونية وأمن الطاقة. وعلى المستوى الشعبي، يبدو أن البريطانيين ابتعدوا عن التشكك في أوروبا، خاصةً في ظل زيادة الدعم للتعاون مع الاتحاد الأوروبي، حيث يعارض 5% فقط من البريطانيين كافة أشكال التعاون مع الاتحاد الأوروبي. ومن ناحيةٍ أخرى، هناك دعم قوي بشكلٍ خاص لتقليص الحواجز التجارية في السلع والخدمات مع الاتحاد الأوروبي، حيث يؤيد هذا الاتجاه 61% من البريطانيين بمن فيهم غالبية الناخبين الذين صوتوا لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بنسبة 58%، مما يضع حزب العمال الذي يدعوا لتحسين علاقات المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي في وضعٍ أفضل من حزب المحافظين الذي بات يخسر بالفعل لأسبابٍ عديدة.
وبغض النظر عن انتخاب حزب العمال أو المحافظين، ثمة رغبة واضحة ومتنامية في المملكة المتحدة تصبو إلى تحقيق تعاونٍ أوثق مع الاتحاد الأوروبي، وهذا التغيير مدفوع بالتحديات الجيوسياسية الحالية، مثل الموقف الأمريكي الأكثر انعزالية والتهديدات الروسية المستمرة للأمن الأوروبي، وسيتم تحديد عمق هذه الشراكة في نهاية المطاف من خلال نتيجة الانتخابات.
شهدت الحملات الانتخابية تنصيب كل من حزب المحافظين وحزب العمال أنفسهم كضامنين للأمن في عالمٍ يتزايد اضطرابه يوما بعد يوم. ويقترح بيان كل من الحزبين الحفاظ على نظام الأسلحة النووية في المملكة المتحدة وإنفاق 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع – وإن كان ذلك ضمن أطر زمنية مختلفة – والوفاء بالالتزامات تجاه حلف شمال الأطلسي بالإضافة إلى الاستمرار في تقديم المساعدات العسكرية والدعم لأوكرانيا.
وتاريخيًا يُنظر إلى حزب المحافظين على أنه “حزب الدفاع” لأنه يتميز بمواقفه القوية فيما يتعلق بالأمن القومي. لذا، عند الإعلان عن الانتخابات العامة، سعى رئيس الوزراء سوناك إلى تلميع حزب المحافظين بوصفه الحزب الذي يمكن أن يضمن “مستقبلًا آمنًا” للمملكة المتحدة، حيث صورت منشورات الحملة، التي شاركها المرشحون والمؤيدون المحافظون على نطاقٍ واسع، أعضاء حكومة الظل على أنهم يشكلون تهديدًا للأمن القومي. وتشمل التعهدات الدفاعية الرئيسية من المحافظين خططًا لنموذج جديد للمشتريات الدفاعية وتسريع تحديث القوات المسلحة واتخاذ مجموعة من التدابير لدعم قدامى المحاربين. من جانبه، سعى حزب العمال إلى استباق خطوط الهجوم المحتملة لحزب المحافظين بشأن سياسات الدفاع من خلال الكشف عن خططه للأمن القومي حتى قبل بدء الحملة الانتخابية. وكان أحد العناصر الأساسية في رؤية حزب العمال للأمن القومي هو اقتراحه بشأن إبرام اتفاقية أمنية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى جانب استعراض الدفاع الاستراتيجي خلال عامه الأول في الحكومة. وخلال الحملة الانتخابية، عزز حزب العمال التزاماته الدفاعية من خلال التعهد بتنفيذ القفل الثلاثي للردع النووي والذي يهدف بوضوحٍ إلى إبعاد كير ستارمر عن نهج سلفه جيريمي كوربين.
هناك إجماع ملحوظ بين حزب المحافظين وحزب العمال بشأن قضايا الأمن القومي، حيث يعطي كلا الحزبين الأولوية لدعم أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي، مع الاعتراف بالحاجة إلى زيادة الإنفاق الدفاعي وتحديث أنظمة الدفاع في المملكة المتحدة لمواجهة التحديات العالمية الناشئة.
منذ عام 2016، وهو عام خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تشير البيانات إلى ارتفاع عدد المهاجرين الذين يسعون إلى دخول المملكة المتحدة. وعلى الرغم من هذه الإحصائيات وعلى النقيض من الديناميكيات الانتخابية الأخرى في أوروبا والتي تشكل فيها الهجرة قضية محورية، يبدو أن صناع السياسات البريطانيين مترددون في مواجهة تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على سياسة الهجرة.
وتبرز الهجرة كنقطة خلاف رئيسية بين الحزبين الرئيسيين، ويعرب كلاهما عن رغبة مشتركة في الحد من الهجرة القانونية من مستوياتها المرتفعة تاريخيًا، حيث شهد صافي الهجرة – الذي يقيس الفرق بين الوافدين والمغادرين – زيادةً حادة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إذ بلغ ذروته عند 873 ألف شخص في عام 2022. ورغم انخفاض صافي الهجرة بنسبة 10% إلى نحو 685 ألفًا في عام 2023، إلا أنه يظل أعلى بكثير مما كان عليه قبل الوباء حيث بلغت ذروته حوالي 186 ألفًا في عام 2019. ومع ذلك، هناك اختلافات عميقة في الكيفية التي يقترحها كل حزبٍ لتحقيق هذا الهدف، إذ يتضمن نهج ريشي سوناك خطةً مثيرة للجدل لترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى رواندا لمعالجة طلبات اللجوء الخاصة بهم. وعلى الرغم من الجهود المبذولة على مدار عامين وما صاحبها من تكاليفٍ باهظة، فقد اعتبرت أحكام قضائية متعددة هذه السياسة غير قانونية ولم يتم تنظيم أي رحلات ترحيل إلى رواندا حتى الآن، بل وتعهد سوناك بأنه لن تغادر أي رحلات جوية إلا إذا فاز في الانتخابات المقرر عقدها في 4 يوليو. كما ألمح سوناك أيضًا إلى إمكانية انسحاب المملكة المتحدة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، مشددًا على أن السيطرة على الهجرة لها الأسبقية على الالتزام بقرارات “المحاكم الأجنبية”.
في المقابل، عارض كير ستارمر بشدة خطة الترحيل إلى رواندا وتعهد بأن يوقف حزب العمال على الفور أي رحلات ترحيل إلى رواندا عند فوزه في الانتخابات وأعلن التزامه بإلغاء المخطط تمامًا. وقد حدد ستارمر خططًا بديلة لمعالجة قضية الهجرة غير الشرعية، لكنه تمسك برفضه لمشروع قانون سلامة رواندا (اللجوء والهجرة) الذي اقترحه المحافظون.
وختامًا، تكشف المراجعة الشاملة لشؤون السياسة الخارجية الحالية التي تواجه الحكومة البريطانية، سواء الآن أو في المستقبل، أن الهجرة هي القضية الأساسية ويتبع الحزبان الرئيسيان فيها نهجين مختلفين تمامًا. وفي حين تسلط علاقات المملكة المتحدة مع شركائها الأوروبيين السابقين الضوء على الاختلافات بين الحزبين، إلا أنها ليست واضحة مثل الاختلافات المتعلقة بالهجرة. وأخيرًا، يظل الدفاع هو المجال الذي يجد فيه الحزبان البريطانيان الرئيسيان أرضيةً مشتركةً بينهما.
Aspinall, Evie, and Eliza Keoghene. “2023 Annual Survey of UK Public Opinion on Foreign Policy and Global Britain.” British Foreign Policy Group, April 22, 2024. https://bfpg.co.uk/2023/07/2023-annual-survey/
Aspinall, Evie. “The Election Debate on…Defence.” British Foreign Policy Group, June 26, 2024. https://bfpg.co.uk/2024/06/defence-and-security/
Brindle, Ben, and Peter Walsh. “UK Election 2024: Comparing the Manifestos.” Migration Observatory, 2024. https://migrationobservatory.ox.ac.uk/resources/commentaries/uk-election-2024-comparing-the-manifestos/
Courea, Eleni, and Rowena Mason. “Labour Government Would Halt Rwanda Deportations from Day One, Starmer Says.” The Guardian, May 10, 2024. https://www.theguardian.com/uk-news/article/2024/may/10/labour-government-would-stop-rwanda-deportation-flights-starmer-says#:~:text=Labour%20will%20not%20allow%20any,absolutely%2C%20flights%20and%20all%E2%80%9D
“EU-UK Relations: Towards a Post-Election Agenda.” Centre for European Reform, 2024. https://www.cer.eu/insights/eu-uk-relations-towards-post-election-agenda
Gasiorek, Michael. “The UK’s Main Political Parties Both Need to Talk about EU …” Chatham House, 2024. https://chathamhouse.org/2024/06/uks-main-political-parties-both-need-talk-about-eu-trade
Gentleman, Amelia. “How the Tory War on Immigration Backfired.” The Guardian, 2024. https://www.theguardian.com/politics/ng-interactive/2024/jul/01/how-the-tory-war-on-immigration-backfired
Green, Lord Andrew. “Migration Statistics over Time.” Migration Watch UK, 2024. https://www.migrationwatchuk.org/migration-statistics-over-time
Keogh, Eliza. “The Election Debate on…Europe.” British Foreign Policy Group, June 26, 2024. https://bfpg.co.uk/2024/06/europe/
Mallaby, Sebastian. “Britain’s Postelection Foreign Policy.” Council on Foreign Relations, 2024. https://www.cfr.org/expert-brief/britains-postelection-foreign-policy
Marx, Willem. “Immigration Is a Big Issue Ahead of the U.K. Elections, Too.” NPR, June 15, 2024. https://www.npr.org/2024/06/15/nx-s1-5005929/immigration-uk-elections
McKeon, Christopher. “Sunak Hints That UK Could Leave ECHR If Rwanda Plan Blocked.” The Independent, April 3, 2024. https://www.independent.co.uk/news/uk/politics/sunak-echr-rwanda-human-rights-b2523025.html
Negrponte, Diana. “Foreign Policy Choices in the 4 July UK Elections.” Wilson Center, 2024. https://www.wilsoncenter.org/article/foreign-policy-choices-4-july-uk-elections
O’Sullivan, Olivia. “UK Election Manifestos Make Promises on Security and Foreign Policy – but Tough Choices Await a New Government.” Chatham House. Accessed July 2, 2024. https://www.chathamhouse.org/2024/06/uk-election-manifestos-make-promises-security-and-foreign-policy-tough-choices-await-new
Paternoster, Tamsin. “What Would a Labour UK Election Win Mean for Europe?” euronews, 2024. https://www.euronews.com/2024/06/26/no-re-joining-but-closer-ties-would-a-labour-election-win-bring-uk-and-eu-closer-together
Presse, AFP – Agence France. “UK’s Labour Eyes Closer Relations with EU.” Barron’s, May 17, 2024. https://www.barrons.com/news/uk-s-labour-eyes-closer-relations-with-eu-bb13dee0
تعليقات