يعتبر المسجد الأقصى في القدس الشرقية بؤرة التوتر بين القوات الإسرائيلية والفلسطينيين، وتمثل "الاشتباكات"، التي غالبًا ما تصفها تقارير وسائل الإعلام الدولية بأنها صراع بين نظيرين متساويين، جزءًا من نظام أكبر تستخدمه الحكومة الإسرائيلية لقمع أي شكل من أشكال المقاومة الفلسطينية وتحجيم قوتها. لكن ومع ذلك ، عندما يتعلق الأمر بالأقصى ، تميل وسائل الإعلام إلى تضخيم روايات معينة تبرر انتقام الشرطة أو الجيش. تختلف الروايات المقدمة من المصادر الرسمية الإسرائيلية اختلافًا كبيرًا عن الروايات الرسمية الفلسطينية وتشير إلى الدور الكبير الذي تلعبه الروايات حول الحقوق في تشكيل الصراع على الأرض. من وجهة النظر الإسرائيلية، يشكل تواجد الفلسطينيين في الأقصى خلال الليل تهديدًا أمنيًا محتملاً؛ أما بالنسبة للفلسطينيين، يمثل التواجد الكثيف للشرطة الإسرائيلية والمداهمات المتكررة، لا سيما أثناء أوقات الصلاة في شهر رمضان المبارك، انتهاكًا لحقهم الأساسي في العبادة. ويأتي بعد ذلك تحديد السبب الدقيق للتصعيد العنيف كأمر هام للتحقق من صحة الروايات المقدمة من قبل كل جانب والتي غالبًا ما تروج للتقارير الرسمية للقوات الإسرائيلية ضد الروايات الفلسطينية الفردية وتلك الخاصة بالمنظمات الحقوقية المتواجدة في مختلف المناطق؛ ويمكن القول بأن ذلك يساهم بشكل أكبر في تحقيق الرضا الدولي. مع ذلك، وعلى الرغم من تكرار وقوع المداهمات على المسجد الأقصى بشكل سنوي، خاصةً في شهر رمضان، فإن المداهمات التي جرت عام 2023 تأتي في ظروف مختلفة عن السنوات السابقة.
جاءت المداهمات هذا العام في أعقاب احتجاجات إسرائيلية غير مسبوقة، وصراع سياسي داخلي حاد في إسرائيل، وهجمات مدنية عنيفة على كلا الجانبين، كما جاءت على خلفية الاستفزازات المتزايدة حول الأماكن المقدسة في القدس من جانب المسؤولين الإسرائيليين اليمينيين والإسرائيليين اليمينيين المتطرفين الذين شجعهم السياسيون. فبعد وقتٍ قصير من تعيينه وزيرًا للأمن القومي في نوفمبر 2022، قام اليميني المتطرف إيتمار بن غفير بزيارة مثيرة للجدل إلى الأقصى، المعروف لدى اليهود باسم جبل الهيكل، مما أثار موجة من الإدانات الدولية ومخاوف داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي عقد اجتماعا طارئًا لمعالجة المخاطر الناشئة عن تلك الزيارة. صرح بن غفير بأنه لا ينوي تغيير سلوكه أو موقفه تجاه المكان المقدس وأنه يدعم بشكلٍ عام إضفاء الشرعية على السياسات العنصرية والتمييزية. كما كان بن غفير هو من شجع اليهود بشدة على زيارة جبل الهيكل خلال عيد الفصح، الذي تزامن مع شهر رمضان حيث كان مئات المسلمين يزورونه للصلاة فيه. وعلى الرغم من أنه منع الناس من أداء طقوس ذبج الأضحية في بيت المقدس، فإن التقارير التي تفيد بأن المتطرفين اليهود سيحاولون التضحية بالماعز في عيد الفصح وصلت إلى الفلسطينيين الذين ردوا بالمرابطة في المسجد بعد صلاة العشاء؛ مما دفع شرطة الاحتلال لمداهمة باحات المسجد. ذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أنه اعتُقل في الواقع العديد من الأشخاص لمحاولتهم تقديم قرابين حيوانية في المكان. جاء التصعيد الأخير نتيجة تزامن شهر رمضان مع عيد الفصح، فضلاً عن التوتر المتزايد بالفعل وحالة عدم اليقين بشأن مصير وصول المصلين الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى نتيجة التحركات الجريئة غير المتوقعة من قبل المسؤولين الإسرائيليين.
في الوقت نفسه، شهد عام 2023 بالفعل زيادة واضحة في العنف ضد الفلسطينيين حيث قُتل 60 شخصًا على الأقل على أيدي قوات الاحتلال أو المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة. من ناحيةٍ أخرى، أسفرت الهجمات التي شنها مواطنون فلسطينيون عن مقتل 14 إسرائيليًا. ولم ينجم عن هذه الزيادة في العنف إلا مزيد من التسييس لقضية الأمن داخل إسرائيل التي أصبحت تمثل الآن واحدة من أكبر مخاوف الحكومة، سواء من حيث التهديد الجسدي أو سمعتها ومكانتها. كما ساهمت الاحتجاجات الإسرائيلية، ضد الإصلاحات القضائية المتعثرة التي يدعمها نتنياهو الآن، بشكلٍ كبير في تعقيد الوضع الأمني الحالي بعد رفض موجة كبيرة جديدة من الشباب الخدمة في الجيش بالإضافة إلى صدور القرار المفاجئ بشأن إقالة وزير الدفاع يوآف جالانت (الذي تراجع عنه نتنياهو بعد أسبوعين.من صدوره). وعلى الرغم من احتمال أن قرار نتنياهو بوقف عملية الإصلاح القضائي قد أنقذه مؤقتًا من موجة السخط العام بحقه، فإنه لا يزال تحت دائرة الضوء، كما أن الأمن يتصدر قائمة نقاط الدخول لإجراء عمليات التدقيق من قبل المعارضة. ومن الجدير بالذكر أن قرار نتنياهو بالتراجع عن إقالة يوآف جالانت جاء بعد وقت قصير من انتقاد زعيم المعارضة يائير لبيد له عقب إحاطة أمنية وأعرب عن بالغ قلقه إزاء التصعيد في الأقصى، ولا سيما إزاء دور بن غفير كوزير للأمن.
تشهد إسرائيل تحولاً واضحًا في وضعها الأمني الذي يتزايد تشابكًا كل يوم مع مصير نتنياهو السياسي غير المؤكد. ويلاحظ المشاهدون الدوليون تغيرًا في قدرة رئيس الوزراء الإسرائيلي على وضع الإستراتيجيات والتوفيق بين القضايا الإقليمية والوطنية المتعددة ذات الأولوية العالية في البلاد، كما أنهم يتوقعون تأثير الرأي العام على الاستقرار الداخلي. وذكرت مصادر مختلفة قريبة من الحكومة أن نتنياهو فُوجئ بإعلان السعودية الأخير عن استئناف العلاقات مع إيران، والذي يمثل أحد أهم المخاطر التي تعمل الحكومة باستمرار على الحد منها. علاوةً على ذلك، تصاعدت التوترات مع سوريا المجاورة حيث اخترقت الصواريخ الحدود الإسرائيلية، بالقرب من مرتفعات الجولان، مما أدى إلى شن العديد من الهجمات المضادة على مواقع الجيش السوري. وأعلنت جماعة فلسطينية مقرها دمشق مسؤوليتها عن الهجمات الصاروخية الموجهة من سوريا وقالت إن نيتها كانت الانتقام ردًا على الغارات على الأقصى. وعلى الرغم من أن الضربات الإسرائيلية لسوريا متكررة ومتسقة، إلا أن ضرورة منع التغلغل الإيراني في سوريا أصبحت أكثر إلحاحًا بالنسبة للحكومة في ضوء التحولات الديناميكية الأخيرة في المنطقة.
ومع استمرار نتنياهو في التعامل مع الضغوط الداخلية والخارجية، يظل الوضع الأمني لإسرائيل تحت رحمة المد والجزر السياسي. كما لا يزال من غير المؤكد ما إذا كان رئيس الوزراء سيصبح محافظًا بشكل متزايد أو أكثر جرأة في قراراته، كما هو الحال بالنسبة لمصير بن غفير الذي يمكن القول إنه من الصعب عزله الآن نظرًا لشعبيته بين اليمينيين فضلاً عن خططه الأخيرة الرامية إلى تشكيل “الحرس الوطني” المؤلف من قوات مسلحة متطوعة تخضع لأوامره. ونظرًا لأن نتنياهو أظهر التزامه بتحقيق طموحات بن غفير، يبدو من غير المرجح أن يصبح موقف وزير الأمن القومي موضع تساؤل قريبًا؛ ومع ذلك، تتضح معالم الوضع شديد الخطورة بسرعة، كما أنه من المحتمل أن تكون لأي قرارات جذرية عواقب مكلفة بالنسبة للإسرائيليين.
Bloomberg Published: 05 January. “UN to Hold Emergency Meeting amid Uproar over Israeli Minister’s Al-Aqsa Mosque Visit.” Al Arabiya English, January 5, 2023. https://english.alarabiya.net/News/middle-east/2023/01/05/UN-to-hold-emergency-meeting-amid-uproar-over-Israeli-minister-s-al-Aqsa-mosque-visit
Haaretz Editorial. “Ben-Gvir Is Paving the Way for His Racist Friends.” Haaretz. Haaretz, December 26, 2022. https://www.haaretz.com/opinion/editorial/2022-12-26/ty-article-opinion/ben-gvir-is-paving-the-way-for-his-racist-friends/00000185-5044-d122-a5cd-594543920000
Times of Israel. “Police Detain Several People Seeking to Carry out Animal Sacrifice at Temple Mount.” The Times of Israel, April 5, 2023. https://www.timesofisrael.com/police-detain-several-people-seeking-to-carry-out-animal-sacrifice-at-temple-mount
Serhan, Yasmeen. “Why Israeli Settler Attacks on Palestinians Are Increasing.” Time. Time, March 3, 2023. https://time.com/6260249/israel-rising-settler-violence
Zameret, Shmiri. “A Mass Wave of Israeli Army Refusal Could Be a Transformative Moment.” +972 Magazine, March 6, 2023. https://www.972mag.com/israeli-army-refusal-civil-resistance/
Tov, Michael Hauser. “Lapid Slams Netanyahu after Security Briefing on Recent Escalation.” Haaretz.com. Haaretz, April 9, 2023. https://www.haaretz.com/israel-news/2023-04-09/ty-article/.premium/lapid-slams-netanyahu-after-security-briefing-on-recent-escalation/00000187-66d2-dcdb-a9af-eefb9e1b0000
Rubin, Jennifer. “Meet the New Netanyahu. Not the Same as the Old Netanyahu.” The Washington Post. WP Company, April 10, 2023. https://www.washingtonpost.com/opinions/2023/04/10/netanyahu-israel-analysts/
Associated Press. “Israel Retaliates after More Rockets Fired from Syria.” VOA. Voice of America (VOA News), April 9, 2023. https://www.voanews.com/a/7042608.html
Imbert, Louis. “In Israel, Ben Gvir Is Building His National Guard by Hand.” Le Monde.fr. Le Monde, April 1, 2023. https://www.lemonde.fr/en/international/article/2023/04/01/in-israel-ben-gvir-is-building-his-national-guard-by-hand_6021397_4.html
تعليقات