كتب بواسطة

تعد محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أحدث محاولة اغتيال تستهدف رئيسًا أو مرشحًا رئاسيًا منذ حادث إطلاق النار على الرئيس الأسبق رونالد ريجان على يد جون هينكلي جونيور في عام 1981. وسرعان ما أدان الرئيس جو بايدن المحاولة، مؤكدًا أنه: "لا مكان في أمريكا لهذا النوع من العنف أو لأي عنف على الإطلاق. لا استثناءات. لا يمكننا السماح بأن يكون هذا العنف شيئًا عاديًا".

 

وعلى الرغم من دعوته إلى الوحدة والتهدئة، فإن تأكيد بايدن على أن هذا النوع من العنف على وجه الخصوص ليس له مكان في الولايات المتحدة يتجاهل سياقًا تاريخيًا مهمًا، فقد كان العنف السياسي عنصرًا أساسيًا في تشكيل الولايات المتحدة، حيث كانت الأسلحة واحدة من الأدوات العديدة المستخدمة لتشكيل الأمة ومسارها.

 

ثمة حقيقة واضحة هي أن كل رئيس أمريكي تم اغتياله أو استهدافه واجه عملًا مسلحًا، حيث تم إطلاق النار على الرؤساء أبراهام لينكولن، وجيمس أ. غارفيلد، وويليام ماكينلي، وجون إف كينيدي. وامتد هذا العنف إلى ما هو أبعد من الرؤساء إلى قادة الحقوق المدنية مثل مدغار إيفرز، ومالكولم إكس، ومارتن لوثر كينج جونيور، وفريد ​​هامبتون، الذين قُتلوا جميعًا بالرصاص في غضون عقد من الزمن.

 

تعد محاولة اغتيال ترامب بمثابة تذكير صارخ بالاستقطاب والعنف السياسي الذي كان لفترة طويلة جزءًا من التاريخ الأمريكي والذي تصاعد في السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى سياسات ترامب نفسه. والآن يجد نفسه ضحية للقوى ذاتها التي كان يؤججها، ولا شك أن محاولة اغتياله سيكون لها آثار كبيرة على الانتخابات الرئاسية المقبلة وما بعدها.

الفاعل والدافع.. والتناقضات

حتى اللحظة، لا يُعرف الكثير عن توماس ماثيو كروكس، ذلك الشاب البالغ من العمر 20 عامًا الذي حاول اغتيال ترامب. وفقًا لزملائه، كان كروكس هادئًا وكثيرًا ما يتعرض للتنمر في المدرسة، ومع ذلك بدا أنه كان متفوقًا في دراسته. لقد كان جمهوريًا مسجلاً في كشوف الحزب منذ أن بلغ 18 عامًا، لكنه تبرع أيضًا لمجموعة ليبرالية عندما كان عمره 17 عامًا، ومن المرجح أن والده هو من اشترى البندقية التي استخدمها. ولا يزال الدافع وراء الجريمة مجهولًا، لكن الصورة التي رسمها زملاؤه السابقون بأنه ذلك الشخص المنعزل الذي تعرض للتنمر في المدرسة تتماشى عادة مع مجموعة سكانية تدعم ترامب بدلًا من استهدافه. هذا الملف الشخصي المتناقض يجعل أفعاله أكثر إرباكًا، وأي تكهنات حول هذه المسألة لا تزال تراوح مكانها وتظل مجرد تكهنات.

 

كما أن سلوك جهازي الخدمة السرية والشرطة قبل محاولة الاغتيال يثير العديد من الأسئلة: كيف تمكن كروكس من إيجاد موقع يتمتع برؤية واضحة لترامب؟ لماذا كان رد فعل الخدمة السرية والشرطة بطيئًا على الرغم من أن الحاضرين في التجمع قد رصدوه بالفعل وأبلغوا الأمن قبل أن يبدأ في إطلاق النار؟ كيف فشل كروكس في إصابة هدفه رغم وضوح الرؤية وتوافر الوقت الكافي لإطلاق ثماني رصاصات؟

 

أثارت هذه التساؤلات انتشارَا سريعًا للعديد من نظريات المؤامرة من طرفي الطيف السياسي، حيث يشير كل منهما بأصابع الاتهام إلى الآخر فيما يتعلق بمحاولة اغتيال ترامب. ومع ذلك، وكما هو الحال في كثير من الأحيان، تفشل نظريات المؤامرة هذه في الصمود أمام محاولات فحصها عن كثب أو تقييمها بشكل نقدي.

 

من اليسار، جادل البعض أن محاولة الاغتيال قد تكون عملية زائفة دبرها ترامب لحشد المزيد من دعم الناخبين. ومع ذلك، يبدو أن هذا غير منطقي بالنظر إلى تقدم ترامب الحالي في استطلاعات الرأي، خاصة بعد أداء بايدن الكارثي في ​​مناظرتهما أواخر يونيو. علاوة على ذلك، فإن تنفيذ مثل هذه العملية يتطلب أن يكون كروكس قناصًا ماهرًا، وهو ما لم يكن كذلك، مع الأخذ في الاعتبار أنه أطلق ثماني طلقات أدت إلى إصابة شخصين بجروح خطيرة وقتلت آخر. وأخيرًا، لا يبدو أن ترامب يميل إلى المقامرة بحياته من أجل تحقيق مكاسب سياسية.

 

أما اليمينيون فقد وجهوا اتهامات ضد بايدن، زاعمين أن خطابه ربما يكون قد حرض على محاولة الاغتيال، في إشارة إلى لقاء مع عدة مانحين قال فيه الرئيس الأمريكي الحالي: “لدي مهمة واحدة، وهي هزيمة دونالد ترامب. أنا متأكد تمامًا من أنني أفضل شخص يمكنه القيام بذلك. لقد انتهينا من الحديث عن المناظرة، وحان الوقت لوضع ترامب في مرمى النيران”. كما ذهب البعض في اليمين إلى أبعد من ذلك، فاتهموا بايدن بإصدار الأمر المباشر باغتيال ترامب.

 

أثار اليمين عدة نقاط مثيرة للقلق، بدءًا من انتقادات أداء جهازي الخدمة السرية والشرطة قبل المحاولة، وحقيقة أن أداء بايدن الضعيف في المناظرة ضد ترامب قد يثير تصرفات متطرفة، وتسليط الضوء على تصريحات أدلى بها ترامب. ومرة أخرى، فإن العديد من هذه الاتهامات لا تصمد أمام محاولات فحصها عن كثب أو تقييمها بشكل نقدي.

 

أولاً، إذا كان بايدن قد أذن باغتيال ترامب، فلماذا يعهد بمثل هذه المهمة إلى شاب يبلغ من العمر 20 عامًا؟ ثانيًا، أدلى بايدن بهذه التصريحات للجهات المانحة في الثامن من يوليو، وسيكون من الرائع لو سمع كروكس تلك التصريحات وتمكن من التخطيط لاغتيال رئيس سابق ومرشح رئاسي في غضون 5 أيام فقط. وهذا يعني مستوى غير عادي من الكفاءة، وهو ما يتناقض بشكل حاد مع عدم قدرته الواضحة على إصابة هدفه. وأخيرًا، وبالنظر إلى قرار المحكمة العليا في قضية ترامب ضد الولايات المتحدة، والذي يبدو أنه يمنح الرئيس حصانة كبيرة من الملاحقة القضائية تحت مسمى “أفعال رسمية”، يمكن لبايدن نظريًا أن يأمر باغتيال ترامب تحت ستار ما يسمى بــ “الفعل الرسمي” لاختبار حدود الحصانة الرئاسية.

 

وعلى الرغم من الطبيعة المثيرة للاهتمام والمعقدة لنظريات المؤامرة هذه، فإن محاولة اغتيال ترامب تحمل تداعيات كبيرة على الانتخابات المقبلة، ومن المتوقع أن تؤدي محاولة اغتيال ترامب – رغم أنه من غير المرجح أن تجتذب ناخبين جدد – إلى تنشيط مؤيديه الحاليين بشكل كبير. ومن المتوقع أن يؤدي هذا الحماس المتزايد إلى زيادة إقبال الناخبين بين قاعدته الانتخابية، حيث يستغل ترامب وحملته الحادث لإلقاء اللوم على اليسار وخطابه في تعزيز بيئة يمكن أن يحدث فيها مثل هذا العنف.

 

ويفرض هذا الوضع تحديين كبيرين على الديمقراطيين. أولاً، يشكل الارتفاع المتوقع في نسبة إقبال الناخبين من اليمين عقبة هائلة أمام أي مرشح ديمقراطي. وإلى جانب الإقبال المنخفض المحتمل من أنصار بايدن، الناجم عن المخاوف بشأن عمره والذي تفاقم بسبب أدائه الباهت في المناظرة التي جرت مؤخرًا بينه وبين ترامب، يواجه الرئيس الأمريكي معركة شاقة في تأمين فترة ولاية ثانية.

 

ثانيا، إن السرد الجمهوري الذي يشير إلى أن الخطاب الديمقراطي ربما كان السبب وراء محاولة الاغتيال يقوض الرسالة الأساسية التي يسعى الديمقراطيون إلى ترسيخها وهي أن ترامب نفسه يمثل تهديدًا أساسيًا للديمقراطية الأمريكية، ولا شك أن الاستمرار في التأكيد على هذه الرسالة قد يؤدي إلى تنفير الناخبين المحتملين.

 

والأمر الأكثر إثارة للقلق هو احتمال التصعيد، ما قد يؤدي إلى محاولة اغتيال مماثلة تستهدف بايدن. وقد يؤدي مثل هذا الاحتمال إلى الإضرار بشكل كبير بمكانة ترامب، وربما يؤدي إلى ردة فعل عكسية مماثلة لتلك التي يستفيد منها حاليًا، لكن يبدو أن حملة ترامب تدرك هذا خطورة هكذا تصرف، وهو ما ظهر بوضوح في تصريحاته عقب نجاته من محاولة الاغتيال، والتي رددت دعوات بايدن إلى التحلي بالوحدة والهدوء.

 

وكما ذكرنا آنفًا، فإن العنف ليس نهجًا جديدًا على السياسة الأمريكية، لكن التصعيد هو ما يشكل سابقة محفوفة بالمخاطر حيث يصبح استهداف المرشحين الرئاسيين أو السياسيين تصرفًا أكثر شيوعًا.

 

في الوقت الراهن، تشهد الولايات المتحدة حالة استقطاب متزايد، حيث تسببت العديد من الأحداث الأخيرة في إثارة قدر كبير من القلق. وتشمل هذه الأحداث إطلاق النار عام 2017 على عضو الأغلبية في مجلس النواب الأمريكي ستيف سكاليز، والمؤامرة التي وقعت عام 2020 لاختطاف حاكم ميشيجان، وهجوم 6 يناير 2021 على مبنى الكابيتول، والاعتداء الذي وقع عام 2022 على بول بيلوسي، زوج رئيسة مجلس النواب آنذاك نانسي بيلوسي، والآن محاولة اغتيال الرئيس السابق ترامب. وفي حال استمر هذا الاتجاه دون رادع، لن يكون ثمة مجال آمن لممارسة الديمقراطية في الولايات المتحدة.

تساعد تعليقات باحثي مركز الحبتور للأبحاث على المواضيع الجارية إلى تقديم تعقيبات سريعة عبر استعراض وجهات النظر الشخصية، وآراء الخبراء دون تحمل عبء الاستشهادات. و يضمن هذا النهج المرونة والسرعة في مواكبة الموضوعات المطروحة سريعة التطور.

تعليقات

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *