أثناء عودة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي من حفل افتتاح سد "قيز قلعة سي" في الـ 19 من مايو، تحطمت مروحيته بالقرب من منطقة فارسكان في إيران، وكانت السلطات الإيرانية قد وصفت الحادث في البداية بأنه "هبوط صعب"، إلا أنه بحلول نهاية يوم وقوع الحادث تم الإعلان عن عدم وجود ناجين، ونجم عن الحادث مقتل جميع من كانوا على متن الطائرة، بما في ذلك الرئيس "رئيسي" ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان.
تأتي الوفاة المفاجئة للرئيس رئيسي وسط توترات إقليمية وجيوسياسية متصاعدة، ومن المرجح أن يثير الحادث العديد من نظريات المؤامرة، رغم أن وسائل الإعلام الإيرانية لم تشر حتى الآن إلى وجود خطأ ما، وبالنظر إلى ملابسات الحادث، فمن غير المستهجن أن يكون سقوط المروحية مجرد حادث.
و في حال ثبت أن الحادث وقع بسبب خلل فني، فسيكون سبب معقول مع حقيقة أن المروحية كانت في الخدمة لمدة 40 عاما على الأقل، حيث منعت العقوبات التي فرضت عام 1979 في أعقاب الثورة الإسلامية إيران من الحصول على قطع الغيار للصيانة الدورية. بالإضافة إلى ذلك، كانت الظروف الجوية صعبة للغاية، وأدى الضباب الكثيف إلى تقليل الرؤية إلى حوالي 5 أمتار في منطقة جبلية، مما يجعل من الصعب على الطيار المناورة بأمان بطائرة قديمة وعديمة الصيانة.
ومع ذلك، ثمة ميل داخل إيران إلى إلقاء اللوم على إسرائيل والولايات المتحدة في العديد من القضايا الداخلية، خاصة في ضوء التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل. وتتعزز هذه الشكوك من خلال استثمار إسرائيل في “القرى الذكية” على الحدود الآذرية، والتي تفسر على أنها مواقع محتملة لعمل الموساد، والتي يمكن أن تعزز قدرة إسرائيل على مراقبة وتنفيذ العمليات السرية في إيران.
وفي حين يتضاءل احتمال تورط إسرائيل في حادث طائرة الرئيس، فإن تل أبيب لم تتردد دومًا في اغتيال مسؤولين إيرانيين أو استهداف المباني الحكومية، سواء في إيران أو في الخارج، كما رأينا في الهجوم على القنصلية الإيرانية في سوريا، وقد يكون اغتيال رئيسها استفزازاً ترغب إسرائيل في تجنبه، لأنه قد يؤدي إلى حرب واسعة النطاق، وإغراق الشرق الأوسط في مزيد من الفوضى وإطلاق العنان لوكلاء إيران في لبنان وسوريا واليمن.
كان إبراهيم رئيسي من الموالين للمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي وخليفته المحتمل، ويشكل رحيله المفاجئ ضربة قاسية للقيادة المحافظة في البلاد، وسيكون له آثار كبيرة على الدولة الإيرانية التي تتصارع بالفعل مع الفوضى الداخلية، والتوترات الإقليمية، والمواجهات الدولية. وعلى الرغم من أن المرشد الأعلى سارع إلى تعيين نائب الرئيس محمد مخبر رئيساً بالنيابة لإيران وتحديد موعد الانتخابات في 28 يونيو، إلا أنه لا يوجد خليفة واضح لرئيسي، ولا يزال الحزب المحافظ منقسما بين المتشددين وأولئك الذين يعتبرون أكثر براغماتية.
ومن غير المتوقع أن تغير وفاة رئيسي اتجاه السياسة الداخلية أو الخارجية الإيرانية بشكل كبير أو تؤثر على الجمهورية الإسلامية بأي طريقة جوهرية. ومع ذلك، فإنها ستكون بمثابة اختبار لنظام يهيمن فيه المحافظون المتشددون الآن على جميع فروع السلطة، المنتخبة وغير المنتخبة، ومن المرجح أن تقدم عرضًا علنيًا كبيرًا لوفاة الرئيس، مع التركيز على أهمية الحدث. وفي الوقت نفسه، سيتبعون جميع القواعد والإجراءات الرسمية بدقة لإظهار أن الحكومة لا تزال تعمل بشكل صحيح على الرغم من الخسارة، ومن خلال القيام بذلك، فإنهم يهدفون إلى إظهار الاستقرار والنظام، الأمر الذي سيوضح أيضًا من الذي يملك السلطة حقًا في البلاد.
ويتمثل التحدي السياسي المباشر في إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. جدير بالذكر أن الانتخابات الأخيرة، بما في ذلك انتخابات 2021 التي أوصلت رئيسي إلى قصر الرئاسة، اتسمت بالإقصاء الممنهج للمرشحين المعتدلين والمؤيدين للإصلاح من قبل الجهة المنوط بها الرقابة على الانتخابات. وتأتي هذه المناشدة للناخبين بعد أشهر قليلة من الكشف عن الانتخابات البرلمانية التي أجريت في شهر مارس الماضي، والتي كشفت عن انخفاض قياسي في نسبة المشاركة في الانتخابات في بلد كان يفتخر ذات يوم بمشاركته القوية والحماسية في الانتخابات.
من سيتولى الرئاسة، سيرث أجندة شاقة وأدوات محدودة للسلطة، نظرا لأن سلطة اتخاذ القرار النهائية في طهران تقع على عاتق المرشد الأعلى. كما أن السؤال الأكبر والأكثر إلحاحا الآن ليس من سيكون رئيس إيران القادم، بل من سيخلف المرشد الأعلى الذي يبلغ من العمر 85 عاما، حيث كان يُنظر إلى رئيسي على نطاق واسع على أنه البديل المحتمل لآية الله. وافترض كثيرون أن نجل المرشد الأعلى، مجتبى خامنئي، سيكون خليفة، إلا أن هذا السيناريو قد يكون صعبًا، لأن الدولة التي شهدت ثورة لإزاحة النظام الملكي قد لا تفضل أن ينقل الأب السلطة إلى ابنه.
تساعد تعليقات باحثي مركز الحبتور للأبحاث على المواضيع الجارية إلى تقديم تعقيبات سريعة عبر استعراض وجهات النظر الشخصية، وآراء الخبراء دون تحمل عبء الاستشهادات. و يضمن هذا النهج المرونة والسرعة في مواكبة الموضوعات المطروحة سريعة التطور.
تعليقات