عقد مركز الحبتور للأبحاث يوم الأحد الموافق 10 نوفمبر 2024، حلقة نقاشية بعنوان رئيس أمريكي جديد... شرق أوسط جديد، تناولت التأثيرات المُرتقبة لتولي الرئيس دونالد ترامب رئاسة الولايات المُتحدة على إقليم الشرق الأوسط، حيث ألقى أ/ إسلام غنيم- المدير التنفيذي لمركز الحبتور للأبحاث كلمة افتتاحية مشددًا على أهمية مناقشة تداعيات الانتخابات الرئاسية الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط، التي تشهد تحولات كبرى تزامنًا مع تغيرات في السياسات الدولية. افتتحت د/عزة هاشم- المدير البحثي لمركز الحبتور للأبحاث الجلسة بتقديم المتحدثين واستعراض محاور الندوة التي تناولت ملامح السياسة الأمريكية في المنطقة، وأهم الرؤى حول المستقبل في ضوء فوز الرئيس السابق دونالد ترامب.
استهل الأستاذ عزت إبراهيم/ رئيس جريدة الأهرام ويكلي حديثه بالتركيز على سياسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي اتبع نهجًا مختلفًا عن أسلافه، معتمدًا على فلسفة توازن بين العزلة والاندماج. أشار إبراهيم إلى أن حركة “ماجا” (اجعل أمريكا عظيمة مجددًا) التي يتزعمها ترامب تضم جزءًا كبيرًا من الجمهوريين، وتركز على بناء الداخل الأمريكي، لكن دون انسحاب كامل من العالم. وبيّن أن ثلثي أعضاء الحزب الجمهوري ينتمون إلى هذه الحركة، مما يفسر توجهاتهم نحو سياسة خارجية أقل كلفة وأكثر استراتيجية.كما تحدث الأستاذ عزت عن أفراد عائلة ترامب، مثل زوج ابنته اليهودي وصهره اللبناني الأصل، وكيف أثر ذلك على بعض جوانب رؤيته للشرق الأوسط، مشيرًا إلى التغير في فكر ترامب من العزلة التامة إلى الانخراط المحدود، خصوصًا مع تركيزه على الخليج والبحر الأحمر، مما أدى إلى توقيع “اتفاقيات أبراهام” التي كان لها أثر بارز في إعادة تشكيل التحالفات بالمنطقة.
أوضح الأستاذ عزت أن هناك تحولات مرتقبة في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، مع وجود مؤسسات محافظة مثل “مؤسسة هيرتج” و”مركز مبادرة المارثون”، اللتين تعملان على صياغة مشروع سياسي لمرحلة ما بعد 2025، يرتكز على بناء التحالفات بشكل ذكي ودون أن تصبح عبئًا على الولايات المتحدة. يهدف المشروع إلى تعزيز قدرة أمريكا على ردع التهديدات الإقليمية كإيران وكوريا الشمالية، مع بناء دفاع داخلي قوي وزيادة الاستثمار في القوة العسكرية.
وأضاف إبراهيم أن المشروع يستهدف إعادة توزيع الالتزامات العسكرية بشكل لا يرهق الولايات المتحدة، والتركيز على سياسة خارجية تتميز بالردع الاستراتيجي. وتطرق إلى العلاقة الاستراتيجية مع إسرائيل، والتحديات التي تواجهها في عدة جبهات داخلية وخارجية، خاصة فيما يتعلق بالضغط على حكومة بنيامين نتنياهو للتعامل مع قضايا غزة والضفة.
ناقشت الندوة بإسهاب العلاقة المتوترة بين ترامب ونتنياهو، حيث يُعرف ترامب بدعمه اليمين الإسرائيلي دون الالتزام بحل الدولتين. وأوضح الأستاذ عزت أن إدارة ترامب السابقة لم تضع قيودًا على إسرائيل في عملياتها ضد حماس، ومن المتوقع أن تُمنح إسرائيل حرية كاملة في التحرك بالضفة الغربية وغزة حال فوز ترامب بالرئاسة. وأثار المشاركون قضية التهجير، إذ أن سياسات ترامب ونتنياهو قد تزيد من الضغط على دول مثل مصر والأردن التي تتأثر بالنزوح الجماعي.
تناول المتحدثون أيضًا احتمالات دعم ترامب للضم الكامل للضفة الغربية، مما قد يؤدي إلى موجة من النزوح والتهجير، خاصة إذا ما تم الدفع نحو دفع الفلسطينيين للتوجه نحو الأردن كخيار بديل. وأشار الدكتور بول سالم/ نائب الرئيس للشئون الدولية في معد الشرق الأوسط بواشنطن إلى أن الوضع الحالي قد يؤدي إلى تجنب أي حلول سياسية، والاكتفاء بسياسات فرض الأمر الواقع.
تطرقت الندوة إلى السياسات المتوقعة تجاه إيران في ضوء فوز ترامب، حيث اعتبر المشاركون أن ترامب سيسعى لخفض أسعار الوقود للناخب الأمريكي، مما قد يدفعه لتجنب التصعيد غير المحسوب مع إيران. وأوضح الدكتور بول سالم أن ترامب سيوازن بين سياسة “أقصى ضغط” على إيران وبين تجنب أي تأثير سلبي على سوق الطاقة الأمريكية، مما يشير إلى إمكانية تبني سياسة ضغوط اقتصادية دون مواجهات عسكرية مباشرة.
تطرق الدكتور بول سالم إلى فكرة إنشاء تحالف إقليمي في الشرق الأوسط بدعم أمريكي، حيث ناقش إمكانية إقامة “ناتو عربي” يكون بقيادة دول المنطقة بدعم من الولايات المتحدة، لكنه أشار إلى صعوبة تحقق هذا التحالف بسبب رفض دول مجلس التعاون الخليجي تبادل المعلومات. وأوضح أن الولايات المتحدة ستواصل العمل مع حلفاء في المنطقة لضمان استقرارها، لكن دون الانخراط المباشر.
وأبرز الدكتور بول أن الرأي العام الأمريكي لا يدعم تورطًا عسكريًا مباشرًا في المنطقة، مما يفسر تركيز الولايات المتحدة على تعزيز التحالفات الدفاعية التي تعتمد على الدول ذاتها، مشيرًا إلى أن أي تحالف محتمل سيكون دوره استباق الفراغ الذي قد تملأه قوى أخرى مثل إيران أو الصين.
أوضح الدكتور بول أن العلاقات الاقتصادية المتنامية بين الصين ودول الشرق الأوسط قد تعزز التنوع الاقتصادي في المنطقة، لكنه أكد أن الولايات المتحدة ستظل الشريك الأمني الأكثر أهمية للدول العربية. وأشار إلى أن سياسات ترامب التجارية مع الصين قد تؤدي إلى تضخم الأسعار في الولايات المتحدة، مما قد يدفعه لتبني سياسة ضغط أقوى تجاه الصين، ولكن دون مواجهة شاملة.
وأكد المتحدثون أن دور الصين في المنطقة سيبقى اقتصاديًا أكثر من كونه عسكريًا، مع تركيزها على استثمارات في البنية التحتية والطاقة، بينما تظل الولايات المتحدة صاحبة النفوذ العسكري الأكبر.
ناقشت الندوة العقبات التي تواجه حل الدولتين في ظل التحولات السياسية الحالية، حيث أشار الدكتور بول سالم إلى أن “صفقة القرن” التي اقترحتها الإدارة السابقة واجهت تحديات عديدة بسبب رفض إسرائيل تقديم تنازلات، ورغبتها في تعزيز السيطرة على الأراضي الفلسطينية. وأكد أن ترامب، كرجل أعمال، قد يسعى لعقد صفقات استراتيجية مع دول الخليج، ولكنه لن يتبنى حلولًا سياسية طويلة الأمد للقضية الفلسطينية.
كما أشار الأستاذ عبد اللطيف المناوي/صحفي وإعلامي مصري إلى أن الولايات المتحدة ستظل تبحث عن مصالحها في الشرق الأوسط، دون الاهتمام بحل القضايا الإقليمية من منظور أخلاقي، مشيرًا إلى أن الدعم الأمريكي المستمر لإسرائيل سيظل رهينًا بالضغوط التي تمارسها اللوبيات المؤيدة لإسرائيل.
تطرق المشاركون إلى التحديات التي تواجه الدول العربية جراء تدفق اللاجئين، وخاصة مصر والأردن ولبنان، حيث ناقشوا أثر النزوح على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في هذه الدول، وأكدوا أن المنطقة بحاجة إلى تضافر الجهود لمواجهة هذا التحدي، وتطوير سياسات تنسيقية تمنع تفاقم الأزمات.
اختتمت الندوة بمناقشة مفتوحة حول الدور العربي في العلاقات الدولية، حيث أشار الدكتور بول إلى أن التنسيق العربي لا يزال محدودًا في مقابل النفوذ الأمريكي، وأن الدول العربية بحاجة إلى تطوير شراكات جديدة مع روسيا والصين وأوروبا، لضمان توازن استراتيجي يخدم مصالحها. كما أشار إلى أن الدول العربية بحاجة لتطوير آليات تعاون مشتركة لمعالجة القضايا الأمنية والسياسية في المنطقة.
اختتمت الندوة بتوصيات حول ضرورة التعاون العربي المشترك، والبحث عن شراكات متوازنة مع القوى الدولية، مع التأكيد على أن دول المنطقة يجب أن تأخذ زمام المبادرة في تحقيق الاستقرار، وأن تبتعد عن الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة.
تعليقات