كتب بواسطة

أطلق مواطن أردني النار عند معبر الكرامة - والمعروف أيضاً بجسر الملك حسين بالتسمية الأردنية أو جسر اللنبي بالتسمية الإسرائيلية- ما أدى إلى مقتل 3 حراس أمن إسرائيليين، حيث وقع الحادث في منطقة شحن تجارية خاضعة للسيطرة الإسرائيلية حيث تقوم الشاحنات الأردنية بتفريغ البضائع الداخلة إلى الضفة الغربية.

 

وسبق أن شهد المعبر حوادث أمنية قليلة نسبيا منذ عام 2014، عندما أطلق حراس أمن إسرائيليون النار على قاض أردني زعموا أنه هاجمهم، وبالنسبة للحادثة الراهنة تمثل تطور خطير حيث تعد الأولي من نوعها منذ أحداث السابع من أكتوبر 2023 مما أشعل فتيل الحرب في غزة التي تصاعدت في مختلف أنحاء المنطقة، ويتزامن الحادث مع اقتحام القوات الإسرائيلية لمدينة جنين ومخيم اللاجئين التابع لها - وهي منطقة في الضفة الغربية - بعد في عملية استمرت تسعة أيام. وأغلقت إسرائيل كافة المعابر البرية مع الأردن، ومنعت مرور المسافرين، كما عمدت إلى التحقيق مع الشاحنات المتواجدة في المكان، ما أدى إلى تكدس العشرات من القافلات، ويطرح تساؤلاً هل سيكون هذا الحادث فتيل لإشعال حوادث مماثلة أم أنه مجرد حادث فردي عابر؟

أهمية المعبر

يربط معبر “معبر الكرامة” الأردن بالضفة الغربية، وهو المنفذ الوحيد للفلسطينيين إلى الأردن والعالم، ويقع على الحدود الغربية للأردن ويبعد 60 كم عن العاصمة عمّان، وقرابة 5 كيلومترات عن مدينة أريحا شرقي الضفة الغربية، و يستخدم المعبر من قبل المغادرين من الأردن إلى الأراضي الفلسطينية حيث يتجه المسافر بعد جسر الملك حسين- من الجانب الأردني إلى المعبر الإسرائيلي (اللنبي)، ويخضع لإجراءات تفتيش دقيقة، يليها المغادرة إلى الجانب الفلسطيني معبر (الكرامة) ومنه إلى الأراضي الفلسطينية.

 

ويستخدم هذا المعبر لمرور الفلسطينيين من أبناء الضفة الغربية من حملة التصاريح والهويات وجوازات السفر الفلسطينية وحملة بطاقات الجسور الخضراء والزرقاء (أبناء قطاع غزة) والأردنيون من حملة التصاريح الإسرائيلية (لمّ الشمل) وجوازات السفر الأردنية الدائمة بأرقام وطنية ويحملون بطاقات إحصاءات جسور صفراء.

 

كما يحق للأردنيين من حملة التأشيرات عند حصولهم على موافقات من دائرة المتابعة والتفتيش استخدام جسر الملك حسين بدلاً من المعابر الحدودية الأخرى التابعة لإدارة الإقامة والحدود.

 

ويحق للهيئات الدبلوماسية وموظفي الأمم المتحدة والوفود الرسمية والمجموعات السياحية وحملة الجوازات الأجنبية وحملة تصاريح الزيارة إلى مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية العبور من خلاله.

ما وراء الحادث

يعكس الحادث الغضب الواسع النطاق ضد إسرائيل – في المجتمعات العربية وبخاصة الأردني-  على خلفية الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، والتي دخلت الآن شهرها الحادي عشر، علاوة على تصاعد موجة العنف في الضفة الغربية شن الجيش الإسرائيلي في 28 أغسطس غارات متزامنة على العديد من المدن ومخيمات اللاجئين في شمال الضفة الغربية لمجابهة المقاومة الفلسطينية في مناطق متفرقة من الضفة الغربية، وتصاعد وتيرة في عنف المستوطنين الإسرائيليين، فضلاً عن الهجمات الفلسطينية على الإسرائيليين.

تداعيات الحادث

يهدد الحادث بإشعال سلسلة من الأحداث التي قد تؤدي إلى زعزعة استقرار هذا الوضع بشكل أساسي، مع عواقب كارثية على المنطقة بأكملها. ورغم أن دوافع المهاجم لا تزال قيد التحقيق، فإن الحادث يثير المخاوف من أن تنامي لشبكات المقاومة في الأردن قد تكتسب الجرأة وسط الاضطرابات المتزايدة في مختلف أنحاء المنطقة.

 

وقد تحاول إيران اللعب على أوتار الحادث، التي لعبت دوراً فعالاً في توريد الأسلحة إلى حماس وحزب الله، استغلال أي فوضى جديدة في الأردن. فقد سعت إيران مؤخراً إلى تهريب الأسلحة إلى الضفة الغربية، باستخدام الأردن كطريق عبور ــ وهو ما يثير أيضاً المخاوف بشأن بقاء بعض الأسلحة في الأردن، وتمكين الفوضى هناك. وعلاوة على ذلك، تشير التقارير إلى أن الجماعات المسلحة يشتبه في أن لها معاقل في جنوب الأردن، حيث يسهل نسبياً عبور الحدود مع منطقة وادي عربة في إسرائيل. ولطالما كانت هذه المنطقة الجنوبية مصدر قلق لأجهزة الأمن الإسرائيلية، لأن طبيعتها المسامية، وسط مشهد صحراوي، تجعلها عرضة للتسلل من قبل الجماعات المسلحة.

 

كما إن عواقب الحادث لا تقتصر على المخاوف الأمنية فقط. وإنما تمتد إلى الاقتصاد أيضاً ذلك أن إغلاق المعبر الحدودي إلى أجل غير مسمى قد يضر ليس فقط باقتصاد إسرائيل بل وأيضاً باقتصاد الفلسطينيين، وتفيد تقارير وزارة الاقتصاد الفلسطينية بأن التجارة السنوية بين فلسطين والأردن تبلغ في المتوسط ​​نحو 380 مليون دولار، حيث تمر أغلب هذه التجارة عبر هذا المعبر الحرج.

 

كما سيؤدي هذا الحادث إلى تحويل أولويات الحكومة الإسرائيلية الموسعة من معالجة الجبهة الشمالية إلى التعامل مع التداعيات في الضفة الغربية والقدس. ففي تقرير أمني قدم إلى الحكومة، أوصت أجهزة الأمن الإسرائيلية باتباع نهج حذر تجاه الأردن لمنع المزيد من التوتر على العلاقات الدبلوماسية والحفاظ على الاستقرار الداخل في الأردن.

كابوس أمن الحدود

سلط الحادث الضوء على إخفاقات كبيرة داخل كل من المؤسسات السياسية والأمنية فيما يتعلق بالإشراف على حدود إسرائيل مع الأردن. وكشف أن السلطات الإسرائيلية لا تجري عمليات تفتيش شاملة عند المعابر الحدودية، وخاصة لسائقي الشاحنات الأردنيين. حيث تشترك إسرائيل في أطول حدودها مع الأردن، والتي تمتد على مدى 309 كيلومترات، ويفتقر الكثير منها إلى الحواجز المادية، مع بعض المناطق ذات أسوار أو أسلاك متهالكة. وفقاً لمصادر إسرائيلية، تم تهريب كميات كبيرة من الأسلحة إلى الأردن عبر هذه الحدود، وكانت هناك حالات لمقاتلين يعبرون إلى الضفة الغربية لدعم الفصائل الفلسطينية. وتشعر تل أبيب بالقلق بشكل متزايد إزاء الدور النشط الذي تلعبه إيران في هذه العمليات.

 

واستجابة لهذا الوضع، شددت إسرائيل الإجراءات الأمنية على جميع المعابر الحدودية، كما أوصت أجهزة الأمن الإسرائيلية باتخاذ خطوات عملية لتخفيف التوترات في الضفة الغربية.

 

ختاماً، يتعين على إسرائيل أن تستعد للأسوأ على أمل أن تتمكن الحكومة الأردنية من الحفاظ على سيطرتها. فضلاً عن ذلك فإن إبقاء الوضع تحت السيطرة في الأردن يشكل سبباً آخر لإعطاء الأولوية لإيجاد وسيلة لإنهاء حرب غزة. ففي خضم القتال على جبهات متعددة ــ ضد حماس في غزة وحزب الله في لبنان، مع تهديدات بانفجار الوضع في الضفة الغربية وحتى إطلاق ميليشيا الحوثي النار عليهم من اليمن ــ يتعين على الإسرائيليين الآن أن يفكروا في احتمالات عدم الاستقرار على طول حدودهم مع الأردن، كما يتعين عليهم منع الإجراءات الاستفزازية التي قد يقوم بها وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن جفير في المسجد الأقصى، والسماح للعمال الفلسطينيين بالعودة إلى إسرائيل، ووقف خطط وزير المالية بتسلئيل سموتريتش لمعاقبة وإضعاف السلطة الفلسطينية.

تساعد تعليقات باحثي مركز الحبتور للأبحاث على المواضيع الجارية إلى تقديم تعقيبات سريعة عبر استعراض وجهات النظر الشخصية، وآراء الخبراء دون تحمل عبء الاستشهادات. و يضمن هذا النهج المرونة والسرعة في مواكبة الموضوعات المطروحة سريعة التطور.

تعليقات

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *