كتب بواسطة

مثلت الانتخابات المحلية لولايتي ساكسونيا وتورينجيا (Saxony and Thuringia) الألمانيتين امتدادًا لخطوط توسع نفوذ التيارات المتشددة و-خصوصًا- اليمينية على الساحة الأوروبية، ما يمثل أبرز مظاهر طغيان القومية على الاتجاهات الليبرالية التي سادت القارة منذ سقوط جدار برلين وانتهاء الحرب الباردة، إذ سيكون لنتائج انتخابات هاتين الولايتين في حال امتدادهما لبقية ولايات البلاد آثار كبيرة على المشهدين السياسي والاقتصادي في ألمانيا، وخاصة على الائتلاف الحكام بقيادة المستشار أولاف شولتس، فيما يلي النتائج الرئيسية وآثارها المحتملة.

مثلت الانتخابات المحلية لولايتي ساكسونيا وتورينجيا (Saxony and Thuringia) الألمانيتين امتدادًا لخطوط توسع نفوذ التيارات المتشددة و-خصوصًا- اليمينية على الساحة الأوروبية، ما يمثل أبرز مظاهر طغيان القومية على الاتجاهات الليبرالية التي سادت القارة منذ سقوط جدار برلين وانتهاء الحرب الباردة، إذ سيكون لنتائج انتخابات هاتين الولايتين في حال امتدادهما لبقية ولايات البلاد آثار كبيرة على المشهدين السياسي والاقتصادي في ألمانيا، وخاصة على الائتلاف الحكام بقيادة المستشار أولاف شولتس، فيما يلي النتائج الرئيسية وآثارها المحتملة.

 

  • صعود حزب البديل من أجل ألمانيا AFD: حقق حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف انتصارات تاريخية، ليصبح أكبر حزب في برلمان ولاية تورينجيا بحوالي 32.8% من الأصوات، ويحتل المركز الثاني بفارق ضئيل في ساكسونيا بحوالي 30.8%. ويمثل هذا تحولًا كبيرًا عن السياسات الليبرالية، حيث إنها المرة الأولى التي يفوز فيها حزب شعبوي يميني بالانتخابات على مستوى الدولة في ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية.

 

  • أداء هزيل للائتلاف الحاكم: حيث تكبدت أحزاب الائتلاف الحاكم – الديمقراطيون الاشتراكيون (SPD)، وحزب الخضر، والديمقراطيون الأحرار (FDP) – خسائر فادحة، حيث حصلت أحزاب التحالف مجتمعة على أقل من 15٪ من الأصوات في كلتا الولايتين. حتى أن حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر فشلا في اجتياز عتبة الـ 5% المطلوبة لدخول برلمانات الولايات، مما يشير إلى فقدان الدعم للحكومة الفيدرالية.

 

  • مقياس الانتخابات الفيدرالية: يُنظر إلى الانتخابات في ساكسونيا وتورينجيا على أنها مؤشر لتنامي المشاعر الوطنية، ويشير المحللون السياسيون إلى أن النتائج يمكن أن تنبئ باتجاهات مماثلة في انتخابات الولايات المقبلة، بما في ذلك براندنبورغ، حيث يتقدم حزب البديل من أجل ألمانيا أيضًا في استطلاعات الرأي.

 

  • تراجع مؤشرات الرضا عن الحكومة الفيدرالية: أظهرت النتائج مدى استياء الناخبين من الحكومة الفيدرالية دون لبس، حيث رفض حوالي 76% من الناخبين في هذه الولايات إدارة شولز، ويعزى هذا الاستياء إلى عدم الكفاءة الملحوظة والنزاعات المستمرة داخل التحالف، مما أدى إلى دعوات لإعادة تقييم سياسات الحكومة واستراتيجياتها، يُمثل الشكل التالي نتائج الانتخابات في الولايتين:

 

 

ومن الممكن أن يكون للانتخابات في الولايتين، آثارًا كبيرة على الاتجاهات الاقتصادية لألمانيا عمومًا وعلى أوكرانيا بشكل خاص في خضم صراعها مع روسيا، كالتالي:

 

  • ضعف التحالف: سيعيق الموقف الضعيف للائتلاف الحاكم (الحزب الاشتراكي الديمقراطي، حزب الخضر، الحزب الديمقراطي الحر) في حال امتداد ذات النتائج لولايات أخرى قدرته على تأمين تمويل قوي لأوكرانيا. يشير صعود حزب البديل من أجل ألمانيا إلى تحول في المشاعر العامة من القضية الأوكرانية خصوصًا، وهو ما سيؤدي إلى زيادة التدقيق ومعارضة المساعدات الخارجية، خاصة إذا اكتسب الحزب المزيد من النفوذ في الانتخابات التشريعية المٌقبلة.

 

  • إعادة تحديد أولويات الميزانية: مع مواجهة الائتلاف لضغوط داخلية ودعوات محتملة لضبط الأوضاع المالية، فإن التمويل المُوجه لأوكرانيا قد يُضع في كَفّة وفي كَفّة أخرى توضع الأولويات المحلية، بما يؤدي إلى انخفاض الدعم المالي للمساعدات العسكرية والإنسانية لأوكرانيا، خاصة إذا لم يتمكن شركاء التحالف من الاتفاق على مخصصات الميزانية.

 

تأتي هذه التوقعات في ضوء مُعارضة حزب البديل من أجل ألمانيا استمرار المساعدات العسكرية لأوكرانيا. بل و اتسم موقف الحزب مُنذ بداية الصراع بالدعوة إلى إنهاء المساعدات العسكرية الألمانية وتفضيل مفاوضات السلام على الدعم المستمر لأوكرانيا في صراعها مع روسيا، حيث انتقد علنًا ​​الدعم العسكري الذي تقدمه الحكومة الألمانية لأوكرانيا، بحجة أنه يؤدي إلى تصعيد الصراع. على سبيل المثال، أعرب قادة الحزب عن أن إرسال أسلحة إلى أوكرانيا قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد، ووصفت زعيمة الحزب أليس فايدل مثل هذه التصرفات بأنها تدفع في اتجاه “حرب عالمية ثالثة” محتملة.

 

كذلك استغل الحزب موقفه ضد المساعدات العسكرية كجزء من استراتيجية حملته الانتخابية التي أدت إلى صعوده في انتخابات الولايتين محل النظر، جاذبًا الناخبين في شرق ألمانيا الذين يتخوفون باستمرار من تبعات التورط في الصراع الأوكراني، وقد شمل ذلك تصريحات أحد مسؤولي الحزب تشير إلى أن الحكومة الألمانية تدعم أوكرانيا بشكل مفرط على حساب المصالح الوطنية، كما تُشير سجلات التصويت التشريعية في المسائل المتعلقة بالمساعدات العسكرية لأوكرانيا، موقف الحزب المعارض المُستمر والقوي، حيث صوتت أغلبية كبيرة من أعضائه ضد جميع تدابير، الائتلاف الحاكم، على سبيل المثال، خلال التصويت على إرسال أسلحة ثقيلة إلى أوكرانيا في بداية الحرب، جاء 66 من أصل 100 صوت معارض من أعضاء حزب البديل من أجل ألمانيا، مما يسلط الضوء على موقفه الموحد ضد المساعدة العسكرية.

 

أخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن هذه النتائج تأتي في أعقاب صراع حاد بين أحزاب الائتلاف الحاكم حول “قانون الطوارئ للاقتراض”. الذي يُنظمه الدستور الألماني في مادته 115 التي تتعلق “كابح الديون “debt break التي تُقيد الاقتراض الجديد بنسبة 0.35% من الناتج المحلي الإجمالي في حالات الكوارث الطبيعية والطوارئ الخارجة عن سيطرة الحكومة. وقد لجأ التحالف إلى تطبيق هذه القاعدة خلال أزمة كورونا بين عامي 2020 و2024 لمواجهة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، مما أدى إلى ارتفاع الدين العام من 2 تريليون يورو في 2019 إلى 2.62 تريليون في 2023. وقد أثار هذا الأمر خلافاً حاداً بين أعضاء التحالف، وصل إلى المحكمة الاتحادية التي حسمت الأمر بعدم تفعيل القانون مجدداً. أجبر هذا القرار التحالف على خفض إنفاقه، خاصة في مجال السياسة الخارجية، وتحديداً المساعدات لأوكرانيا خلال العام المالي الحالي.

 

تُنذر هذه التغيرات في اتجاه المُساعدات على المُستوى المحلي بتغيرات جذرية في اتجاهات تمويلها على المُستوى الأوروبي، الأمر الذي سيتفاقم في حالة وصول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مرة أخري لسُدة الحكم، ما قد يُغير بشكل تام مُجريات الحرب على الجبهتين الروسية والأوكرانية.

تساعد تعليقات باحثي مركز الحبتور للأبحاث على المواضيع الجارية إلى تقديم تعقيبات سريعة عبر استعراض وجهات النظر الشخصية، وآراء الخبراء دون تحمل عبء الاستشهادات. و يضمن هذا النهج المرونة والسرعة في مواكبة الموضوعات المطروحة سريعة التطور.

تعليقات

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *