كتب بواسطة

شن الجيش الإسرائيلي صباح اليوم الموافق ٢٥ أغسطس ضربة عسكرية استباقية عبر هجمات جوية مُكثفة وواسعة النطاق بنحو ١٠٠ طائرة مُقاتلة، على أكثر من أربعين موقعًا مُفترضًا لإطلاق الصواريخ الدقيقة، التي كانت تُعد لاستهداف الحدود الشمالية الإسرائيلية، كجُزء من رد "حزبُ الله" على اغتيال قائده العسكري/ فؤاد شُكر الشهر الماضي، ما دفع الحزب للرد في وقت مُتأخر من ذات الصباح بإطلاق عدد كبير من المُسيرات وأكثر من ٣٢٠ صاروخ كاتيوشا باتجاه إسرائيل ليُصيب ١١ هدفًا عسكريًا إسرائيليًا، الأمر الذي قد يدفع في اتجاه مزيد من التصعيد الذي يتزامن مع نية الحكومة الإسرائيلية إعادة سُكان الشمال إلى مناطقهم التي غادروها مُنذ نحو تسعة أشهر كاملة، الأمر الذي ستكون له تداعيات سلبية على الحكومة الإسرائيلية في حال فشلت في احتواء ضربات حزب الله ضدهم، تبحث هذه الورقة في التداعيات الاقتصادية الفورية المُباشرة للهجمات المُتبادلة على جانبي الحدود، وغير المُباشرة المُحتملة في حال استمرار الصراع وتوسعه بين الجانبين.

التداعيات على الاقتصاد اللبناني

يُعاني الاقتصاد اللبناني أسوء أزماته الاقتصادية رُبما مُنذ الحرب الأهلية اللبنانية في ثمانينات القرن الماضي، والتي تتجلى أكبر مظاهرها الحالية في الانقطاع التام للتيار الكهربي مُنذ ١٧ أغسطس عن كامل أنحاء البلاد، بما في ذلك المرافق الأساسية كالمطارات والمرفأ، ومضخات المياه والسجون، وذلك بعد أن استنفذت مؤسسة كهرباء لبنان جميع الإجراءات الاحترازية “من أجل إطالة فترة إنتاج الطاقة، وذلك في ظل أزمة العُملة التي تضرب البلاد، وبالتالي فإن الضربات الحالية من المتوقع أن تزيد من تفاقم الوضع من النواحي التالية:

 

توقف حركة السياحة

باتت السياحة مؤخرًا المصدر الباقي الوحيد للتدفقات الدولارية على الاقتصاد اللبناني بعد تفادي عدد كبير من اللبنانيين العاملون في الخارج للنظام المصرفي لإرسال تحويلاتهم، بالتالي تُعتبر السياحة في الوقت الحاضر حبل الوريد للاقتصاد اللبناني، ومع الضربات التي وجهتها إسرائيل للحزب والتي طال بعضًا منها الداخل اللبناني متجاوزًا الجنوب، سيبدأ السياح الموجودين في الدخل الهروب من لبنان، فيما سيقوم القادمون بإلغاء زياراتهم وحجوزاتهم، ما سيضغط بشكل أكبر على الاقتصاد اللبناني ويُفاقم أزمة العُملة فيه.

 

فقدان لبنان لرسوم عبور المجال الجوي واستخدام المطار

يعتبر لبنان من الدول ذات الموقع الاستراتيجي بين أوروبا وأسيا، ولذلك فإن عددًا كبيرًا من الطائرات يقوم باستخدام مجاله الجوي للعبور بين الوجهتين، وهو ما يُدر على لبنان قدًا مُعتبرًا من النقد الأجنبي، نظير استخدام هذه الطائرات لمجاله الجوي، لكن ذلك سيتوقف مع الهجمات التي شنتها ومن المتوقع أن تشنها إسرائيل في هذا المجال، وبالتالي فإن ذلك سيؤدي لمزيد من الضغوط على الاقتصاد اللبناني، حيث ستقوم الطائرات باستخدام مجالات جوية لدول أخرى مثل مصر وتُركيا وتتفادي العبور في المجالين الجويين الإسرائيلي واللبناني في الوقت الحالي، كما توضح الصورة الحالية من موقع FlightRadar:

طول أمد أزمة الطاقة

أحد الحلول المُتوقعة لأزمة الطاقة الحالية في لبنان هي المُساعدات الدولية أو العربية أو الإيرانية بإرسال سُفن المُساعدات المُحملة بالوقود عبر البحر، لكن ذلك سيؤجل في الوقت الحالي بسبب الاضطرابات المتوقعة في البحر المتوسط، على إثر تهديدات حزب الله باستهداف منصات الغاز الإسرائيلية، الأمر الذي سيؤدي لإطالة أزمة الكهرباء في لبنان رُبما لشهور قادمة.

التداعيات على الاقتصاد الاسرائيلي

ينسحق الاقتصاد الإسرائيلي مُنذ هجمات السابع من أكتوبر تحت ضغوط اقتصادية تتراكم مع استمرار أمد الحرب، وعدم وجود أهداف تُحدد توقيت متوقع لنهايتها، وبالتالي فقد خُفض التصنيف الائتماني له خلال الشهور العشر الماضية من جانب وكالات التصنيف الائتمانية الثلاث الرئيسية، مع تحول النظرة له إلى السلبية، كما كان الاحتياط النقدي قد انخفض في الشهر الأول للحرب من ١٩٨ مليار دولار إلي ١٨٦ مليار إثر الصدمة التي سببتها العمليات للاقتصاد الإسرائيلي، واضطرار البنك المركزي الإسرائيلي للتدخل لحماية الشيكل عبر احتياطاتها، هذا التأثير كان قد ابتدء في الزوال من شهر نوفمبر ٢٠٢٣، ليترفع الاحتياطي في يوليو ٢٠٢٤ إلى ٢٠٨.٩ مليار دولار الأمر الذي يرجع جزء كبير من إلي المُساعدات التي قدمها الحلفاء الغربيين لإسرائيل، وهو ما لا يتوقع استمراره مع طول أمد الحرب حيث ستقل إن أجلًا أو عاجلًا المُساعدات المُقدمة من هذه الدول إلى إسرائيل ما سيعيد ذات التأثير في بداية الحرب بانخفاض الاحتياطي النقدي.

 

لكن التأثير الأبرز هو الانعكاسات على القوى البشرية الإسرائيلية التي باتت تُستنزف في الحرب وبالتالي تؤثر على القوى العاملة المُتاحة للاقتصاد الإسرائيلي، ويزيد هذا التأثير مع كل استدعاء للقوى العاملة إلى قوات الاحتياط، من أجل الزج بها إلى المعارك، التي ستشهد توسعًا كبيرًا في حال قام الجيش الإسرائيلي بشن حرب برية داخل الحدود اللبنانية، وذلك قياسًا على أخر هجوم إسرائيلي مُماثل في عام ٢٠٠٦، عندما كانت قدرات حزب الله الحربية أقل من حيث القدرة والكفاءة مُقارنة مع الوقت الحالي، ومع ذلك لم تستطع القوات الإسرائيلية تحقيق نصر حاسم، بل وتكبدت أعدادًا تصل إلى ١٢١ قتيلًا خلال الحرب.

التداعيات المُباشرة على الاقتصادين المصري والأردني

تنبع التداعيات الاقتصادية للحرب على الاقتصادين المصري والأردني من كونهما أولًا دول جوار لإسرائيل، وثانيًا من اعتمادهما على تدفقات الغاز الطبيعي منها لإدارة شبكتهما الكهربية، كالتالي:

 

انخفاض حركة السياحة للدولتين

مع استمرار التوترات ستنخفض حركة السياحة للدولتين المُجاورتين لمناطق حدوث العمليات، حيث ستدفع التوترات أعداد من السياح لإلغاء حجوزاتها خوفًا من تمدد الصراع، خصوصًا على الجانب المصري في سيناء التي تجاور قطاع غزة حيث مناطق العمليات الأساسية، وإن كان هذا التأثير لا يُقارن بذاته في لبنان، لكنه يشكل ضغوطًا على القطاع السياحي في البلدين اللذين أوضاعًا اقتصادية صعبة فعلًا بسبب اضطرابات الاقتصاد العالمي.

 

اضطراب إمدادات الغاز

ستقوم إسرائيل مع اشتداد التوترات بتعليق العمل في حقولها البحرية لاستخراج الغاز الطبيعي، خصوصًا حقل كاريش الذي يمد إسرائيل بالغاز الطبيعي اللازم لإنتاج الكهرباء، وذلك بسبب قُربه الشديد من الحدود اللبنانية، ثم ستقوم السُلطات الإسرائيلية بتحويل تدفقات الغاز أو بعضها من حقلي ليفثيان وتمار إلى الداخل الإسرائيلي ما يحرم الدولتين من الإمدادات التي تردهما من الحقلين أو بعضها، الأمر الذي ينعكس على إمدادات الكهرباء في الداخلين المصري والأردني، وخصوصًا المصري الذي كان يواجه خلال الأسابيع الأولى من الصيف اضطرابات شديدة في إمدادات الكهرباء.

 

أخيرًا قد تمتد التأثيرات لاتفاقية المياه الأردنية الإسرائيلية، حيث تقوم الأردن باستيراد المياه من إسرائيل بما يصل إلى ٥٠ مليون متر مُكعب بشكل تجاري مُنذ ٢٠٢١، بخلاف ٥٠ مليون مترًا أخرى كان الطرفين قد اتفق عليها مُنذ اتفاق السلام بينهما في عام ١٩٩٤، حيث كانت إسرائيل قد رفضت تجديد الاتفاقية التجارية لأكثر من ستة أشهر -بدلًا مما كان متوقعًا من توقيعها لمُدة خمس سنوات- للضغط على الأردن لتخفيف حدة انتقادها للعمليات الإسرائيلية في غزة، وهو أمر يُمكن أن يستمر في المُستقبل في حال تمددت العمليات الحربية إلى لبنان.

 

خلاصة ما سبق إذن أنه من خلال تحليل التداعيات الاقتصادية للضربات الاستباقية الإسرائيلية على لبنان، يتضح أن الاقتصادين اللبناني والإسرائيلي يتعرضان لضغوط شديدة نتيجة للصراع المستمر. لبنان، الذي يعاني بالفعل من أزمة اقتصادية حادة، يتعرض لمزيد من التدهور نتيجة لانخفاض السياحة، وتعليق حركة الطيران عبر مجاله الجوي، وتعطيل إمدادات الطاقة. على الجانب الآخر، يواجه الاقتصاد الإسرائيلي تحديات مستمرة من حيث استنزاف القوى العاملة واحتياطيات النقد الأجنبي، مما يؤدي إلى ضغوط اقتصادية متزايدة، كما أن استمرار الصراع سيؤدي إلى تفاقم هذه التداعيات لتصل إلى تأثيرات غير مباشرة على دول الجوار خصوصًا مصر والأردن، لذلك فإنه من الضروري التفكير في استراتيجيات شاملة لتخفيف الأضرار الاقتصادية وتحقيق استقرار في المنطقة.

تساعد تعليقات باحثي مركز الحبتور للأبحاث على المواضيع الجارية إلى تقديم تعقيبات سريعة عبر استعراض وجهات النظر الشخصية، وآراء الخبراء دون تحمل عبء الاستشهادات. و يضمن هذا النهج المرونة والسرعة في مواكبة الموضوعات المطروحة سريعة التطور.

تعليقات

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *