في الحادي والثلاثين من يوليو، اغتيل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في العاصمة الإيرانية طهران، عقب حضوره حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد. واتهمت إيرانُ وحركةُ حماس إسرائيلَ باغتياله، ولم يصدر بعد أي تعليق من جانب إسرائيل، كما جرت العادة عندما تنخرط تل أبيب في عملية اغتيال. وجاء اغتيال هنية بعد اغتيال فؤاد شكر، أحد كبار قادة حزب الله في بيروت، على يد إسرائيل، ردًا على هجوم أسفر عن مقتل 12 شخصًا في مرتفعات الجولان المحتلة.

 

وكانت إسرائيل قد أعلنت في وقت سابق أنها ستستهدف مسؤولي حماس أينما كانوا بعد السابع من أكتوبر، ونجحت في ديسمبر في تنفيذ تهديداتها عندما اغتالت نائب إسماعيل هنية في بيروت، مما أدى إلى توقف محادثات وقف إطلاق النار.

 

تشكل عملية استهداف هنية، الذي كان يقود جهود التفاوض من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار في الحرب بين إسرائيل وحماس، تصعيداً خطيراً، كما أن وقوع العملية في قلب إيران مباشرة بعد تنصيب الرئيس الإيراني لا يحمل تداعيات خطيرة على حرب غزة فحسب، بل وعلى إيران ووكلائها أيضاً، الذين استهدفتهم إسرائيل مؤخراً.

 

ولم تقدم إيران حتى الآن أي معلومات عن كيفية وقوع عملية الاغتيال وأعلن الحرس الثوري الإيراني أن الهجوم قيد التحقيق؛ ومن المرجح أن صاروخًا موجهًا بدقة استهدف مقرًا لقدامى المحاربين في الحرس الثوري الإيراني الذي كان يقيم فيه هنية في شمال طهران. وفي أعقاب الاغتيال، تعهد المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي بأن إسرائيل ستواجه "عقابًا قاسيًا" على ردًا على جريمتها في طهران.

 

وهذه ليست المرة الأولى التي تتمكن فيها إسرائيل من اختراق حدود إيران لتنفيذ عمليات اغتيال؛ فقد تمكنت إسرائيل بشكل روتيني من استهداف مسؤولين إيرانيين، مثل حملة الاغتيالات التي استمرت لسنوات ضد الخبراء النوويين الإيرانيين وغيرهم من المشاركين في البرنامج النووي الإيراني. وكان آخرها اغتيال محسن فخري زاده، العالم النووي العسكري الإيراني البارز، في عام 2020، والذي قُتل باستخدام برشاش آلي يعمل بجهاز تحكم عن بعد أثناء قيادته خارج العاصمة طهران.

 

في ضوء القصف الصاروخي المباشر والواسع النطاق الذي شنته إيران على إسرائيل في شهر أبريل، عقب قصف سفارتها في دمشق، يواجه العالم الآن أسئلة مهمة: كيف سترد طهران على اغتيال إسماعيل هنية على أراضيها؟ وعلاوة على ذلك، هل تمتلك إيران القدرة أو الحافز لاحتواء تصرفات حزب الله والحوثيين، وخاصة بعد مقتل فؤاد شكر القيادي في حزب الله في العاصمة اللبنانية بيروت وقصف ميناء الحديدة التابع للحوثيين في اليمن؟

الرسائل وراء الاغتيال

لا يعد اغتيال قادة حماس أمرًا نادرًا وغير معتاد، فقد سبق وأن اغتالت إسرائيل مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين في عام 2004. وبعد شهر واحد، اغتيل أيضاً قيادي كبير آخر في حركة المقاومة، وهو عبد العزيز الرنتيسي. ومع ذلك، فإن مقتل إسماعيل هنية مؤخراً يمثل تصعيداً كبيراً وخطيراً، ويجدد المخاوف من انتشار العنف على نطاق واسع في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.

 

كان يُنظَر إليه هنية في كثير من الأحيان باعتباره قياديًا معتدلاً داخل حركة حماس، ويدعو إلى حل النزاعات بطريقة عملية. وكان يمثل الوجه العلني لدبلوماسية حماس في العواصم العربية، وكان يقود الجهود الرامية إلى التفاوض على وقف إطلاق النار في غزة. وفي السنوات الأخيرة، أقام في قطر، التي تستضيف الجناح السياسي لحماس، ولكنه سافر كثيراً إلى تركيا ولبنان وإيران ومصر. ومن بين هذه البلدان، كان لبنان وإيران من أكثر الأماكن التي قد تستهدفها إسرائيل دون مواجهة عواقب دبلوماسية خطيرة.

 

تشكل عملية اغتيال هنية في طهران تصعيداً كبيراً في الحرب بين إسرائيل وحماس وبين إسرائيل وإيران، حيث تشكل عملية الاغتيال هذه انتهاكاً كبيراً للسيادة الإيرانية وتحطم الفقاعة الأمنية المفترضة في العاصمة الإيرانية، مما يدل على قدرة إسرائيل واستعدادها للقيام بعمليات بارزة في الأراضي المعادية. وتؤكد الضربة الدقيقة التي وجهت إلى منزل هنية، والتي تزامنت مع تنصيب الرئيس الإيراني، على الأهمية الرمزية والاستراتيجية العميقة لهذا الاغتيال، وتشير دقة وتوقيت الهجوم إلى جهد منسق للغاية يهدف إلى إرسال رسالة واضحة إلى كل من حماس وإيران.

 

ورغم أن إيران عانت من انتهاكات مماثلة في الماضي، مثل اغتيال عالمها النووي البارز محسن فخري زاده، والذي أسفر عن صدور تهديدات من طهران برد قوي، لكن دون اتخاذ إجراءات جوهرية، إلا أن هذا الاغتيال يختبر حدود صبر إيران ويؤثر على صورتها على جبهات متعددة. أولاً، يثير تساؤلات خطيرة بشأن بروتوكولات الأمن الداخلي في إيران ومدى ضعفها في مواجهة التهديدات الخارجية. وثانياً، والأهم من ذلك، أن مقتل إسماعيل هنية، الذي كان ضيفاً في إيران، يقوض مصداقية طهران وقد يؤدي إلى تآكل نفوذها بين حلفائها الإقليميين، الذين قد يشككون الآن في قدرتها على توفير الحماية والدعم.

رد الفعل الإيراني المتوقع

كانت التوترات بين إيران وإسرائيل مرتفعة تاريخيًا؛ ومع ذلك، منذ أحداث السابع من أكتوبر، باتت الأمور أكثر توتراً بشكل ملحوظ. وعلى الرغم من ذلك، اقتصرت المواجهة بين الطرفين على الهجمات الإسرائيلية على وكلاء إيران في المنطقة. إلا أن ذلك تغير في أعقاب قصف إسرائيل في أبريل للسفارة الإيرانية في دمشق، حيث قُتل كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، استفز الهجوم على السفارة إيران بما يكفي لشن هجوم مباشر وغير مسبوق على إسرائيل.

 

باختصار، تم اعتراض الطائرات بدون طيار والصواريخ التي أطلقتها إيران والتي بلغ عددها نحو 300 طائرة من قبل تحالف دولي ضم إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والأردن وفرنسا. وعلى الرغم من فشل الهجوم في إحداث أي ضرر كبير لإسرائيل، فقد تمكنت إيران من أن تظهر لوكلائها، على أقل تقدير، أنها قادرة على الرد على هجوم إسرائيلي مباشر.

 

كان بإمكان طهران أن تختار الاستفادة من وكلائها بدلاً من ذلك، لكنها كانت مترددة بوضوح في إرسال أقوى وكلائها، حزب الله، إلى حرب كاملة مع إسرائيل من لبنان. وبصرف النظر عن الكارثة الإنسانية الهائلة التي قد يسببها مثل هذا الصراع لكل من اللبنانيين والإسرائيليين، فإن حزب الله يظل ورقة قوية لن تتمكن طهران على الأرجح من استخدامها إلا مرة واحدة. ونتيجة لذلك، يجب عليهم توخي الحذر عند اتخاذ مثل هذه القرارات. وقد يؤدي هذا إلى زيادة إيران لدعمها لوكلائها في جميع أنحاء المنطقة، الأمر الذي قد يزيد على المدى الطويل من احتمال نشوب صراع أكبر.

 

ولكن هذه المرة، قد لا تتمتع إيران برفاهية زيادة التمويل لوكلائها أو استعراض قدراتها بإطلاق الطائرات بدون طيار والصواريخ. ولو كانت هجمات إسرائيل مقتصرة على مقتل فؤاد شكر في بيروت وقصف الحوثيين في اليمن، لكان بوسع إيران أن تضغط على وكلائها حتى لا يستجيبوا حتى لا يتصاعد الصراع ويتوسع إلى لبنان واليمن. والآن تعرضت إيران لهجوم مباشر، ومات أحد الشخصيات الرئيسية في حماس؛ ولم يعد أمام إيران خيار سوى الرد المباشر أو المخاطرة بفقدان سيطرتها على وكلائها. وسوف يحدد ردهم دورهم كقوة إقليمية، ولكنه قد يخاطر أيضا بانزلاق هذا الدور.

 

ومع ذلك، قد لا تتمتع إيران هذه المرة برفاهية زيادة التمويل لوكلائها أو عرض قدراتها من خلال إطلاق الطائرات بدون طيار والصواريخ. ولو كانت هجمات إسرائيل مقتصرة على مقتل فؤاد شكر في بيروت وقصف الحوثيين في اليمن، لكان بوسع إيران أن تضغط على وكلائها حتى لا يستجيبوا من أجل تجنب تصعيد الصراع إلى لبنان واليمن. والآن، مع الهجوم المباشر على إيران ومقتل أحد الشخصيات الرئيسية في حماس على أراضيها، لم يعد أمام إيران خيار سوى الرد بشكل مباشر أو المخاطرة بفقدان السيطرة على وكلائها. وسوف يحدد ذلك الرد دورهم كقوة إقليمية، ولكنه قد يؤدي أيضا إلى تقليصه.

ما الذي ينتظر حماس؟

يمثل التأثير المباشر لاغتيال هنية النهاية المحتملة لمفاوضات وقف إطلاق النار الهشة التي تجريها إسرائيل مع حركة حماس. وسوف يؤدي اغتيال رئيس المكتب السياسي للحركة إلى تقويض الحوار الجاري بين كافة الأطراف المعنية، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى إطالة أمد الحرب بين إسرائيل وحماس، فضلاً عن تفاقم الأزمة الإنسانية المروعة بالفعل في غزة. كما أن اغتيال هنية من جانب إسرائيل يظهر بوضوح أن إسرائيل كانت تتفاوض بسوء نية، وأنها لم تكن لديها نية جادة في إيجاد حل قصير أو طويل الأجل للحرب التي تشنها على قطاع غزة.

 

وعلاوة على ذلك، فإن اغتيال هنية يحمل في طياته القدرة على جمع الفصائل الفلسطينية معاً من خلال منح حماس والشعب الفلسطيني شهيداً يجتمعون حوله، وتأسيس شعور بالوحدة ضد عدو مشترك؛ وقد يتعزز هذا التأثير بشكل خاص في أعقاب الحوار السابق بين حماس وفتح في الصين، وهذا بدوره قد يؤدي إلى زيادة التجنيد والدعم للعمليات المسلحة.

 

وأخيراً، فإن غياب شخصية معتدلة مثل هنية ضمن أعلى مستويات حماس قد يطلق العنان للفصائل الأكثر تشدداً داخل المنظمة، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الأعمال العدائية ضد إسرائيل. وقد يؤدي هذا التحول إلى زيادة وتيرة الهجمات الصاروخية والاشتباكات الحدودية والاغتيالات المستهدفة، مما يؤدي إلى المزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة.

تساعد تعليقات باحثي مركز الحبتور للأبحاث على المواضيع الجارية إلى تقديم تعقيبات سريعة عبر استعراض وجهات النظر الشخصية، وآراء الخبراء دون تحمل عبء الاستشهادات. و يضمن هذا النهج المرونة والسرعة في مواكبة الموضوعات المطروحة سريعة التطور.

تعليقات

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *